العدد 2830 - السبت 05 يونيو 2010م الموافق 22 جمادى الآخرة 1431هـ

ماذا يقول فنجان القهوة التركية؟

ندى الوادي nada.alwadi [at] alwasatnews.com

.

لم تغب قصة الهجوم الإسرائيلي على قافلة أسطول الحرية عن وسائل الإعلام العربية التي لم تزل تنقل التصريحات وردود الفعل العربية والعالمية، وتنقل موجات الغضب الشعبية «المعتادة» في مثل هذه المواقف، ومثلما تم إحراق أعلام الكيان الإسرائيلي، تم رفع أعلام تركيا التي حملت على عاتقها قيادة هذا الأسطول. غير أن هذه القصة غابت تقريباً بعد يومين عن الصف الأول من الأخبار التي ينقلها الإعلام الأميركي، الذي يحاول كعادته دوماً تهميش هذا النوع من الأخبار، مثلما يحاول أن يطرح بحذر الدور التركي الجديد في القضية، وكأنه يقرأ بهدوء الخطوط المتعرجة في فنجان قهوة تركية لذيذ تم ارتشافه حديثاً.

فعلى محطة الـ «سي إن إن» الأميركية مثلاً ستجد عدداً من التقارير حاولت أن تبرر موقف إسرائيل الهجومي على أنه «متوقع» إذ «حذرت» إسرائيل قافلة أسطول الحرية من الاقتراب وكان على ركابها توقع الهجوم بحسب النظرة الأميركية.

حاولت بعض الصحف الأميركية العريقة أن تقوم بتحليل الحادثة وأبعادها سواء على الداخل الإسرائيلي وصمود الحكومة الحالية، أو الموقف الإقليمي من هذه القضية ودخول أطراف دولية متعددة فيها. غير أن أبرز التحليلات السياسية انصبت كذلك على الموقف المحرج الذي يواجه الرئيس الأميركي باراك أوباما وإدارته وسياسته الخارجية، بين حليفين استراتيجيين له، هما تركيا وأسرائيل. حليفان كانا في زمن ما صديقين، وتحولا إلى أعداء، وساهمت قصة قافلة أسطول الحرية الأخيرة في تأجيج عدائهما ليُعنون الدم التركي بداية فصل جديد في قصة وجود الكيان الإسرائيلي في المنطقة.

يقف الرأي العام العالمي - ليس للمرة الأولى - ضد هجوم إسرائيل الأرعن ذاك، حتى ملأت المسيرات والمظاهرات الداعية لرفع الحصار عن غزة الشوارع.

وحتى لو لم تكن قصة أسطول الحرية منعطفاً تاريخياً في مسيرة القضية الفلسطينية، فإنها لا شك ستكون إحدى العلامات الفارقة التي ستذكر طويلاً، إذ سيذكر التاريخ أنها الحادثة التي وضعت تركيا - إحدى أكبر الدول الإسلامية - رسمياً على رأس حربة المواجهة مع إسرائيل.

وقد كثرت التأويلات بشأن الموقف التركي عبر هذا الأسطول ودخولها على خط القضية الفلسطينية بقوة. فهل هو توجه تركي جديد لقيادة المنطقة؟ وهل سيكون من مصلحة تركيا أن تستمر طويلاً في فراقها مع إسرائيل وتتجه للتصعيد، أم أنها ستهدأ لاحقاً؟

من المعروف أن تركيا تعتمد على اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة في عدد من القضايا، وعلى رأسها دعمها للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، غير أنها - أي تركيا - عندما تبين لها أن حصولها على عضوية الاتحاد الأوروبي شبه مستحيل برغم أية وساطات، بدأ توجه انفتاحها على دول المنطقة واضحاً تماماً للعيان عبر عدد من المواقف السياسية، كان آخرها قصة الأسطول.

برغم أية تأويلات، اتخذت تركيا الإسلامية موقفاً شجاعاً جداً سوف يسجله لها التاريخ طويلاً، على الرغم من مصالحها وعلى الرغم من علاقتها الطيبة مع الولايات المتحدة الأميركية، وهي التي حرص الرئيس الأميركي باراك أوباما أن يلقي فيها خطابه الأول للعالم الإسلامي بعد توليه منصبه الرئاسي.

الموقف التركي الرسمي والشعبي اليوم غاضب جداً مما حدث، الأمر الذي يشكل انهياراً للمشروع الأميركي باتخاذ تركياً حليفاً استراتيجياً في القضية الفلسطينية، فقد انتقلت تركيا وبقوة للحزب المضاد.

تركيا ذات التاريخ الطويل والمتجذر في المنطقة، وذات العلاقات المعقدة جداً مع جيرانها العرب، وذات الإرث السياسي والتاريخي الذي ترك بصماته واضحة على شعبها الكريم وعلى سياسة حكوماتها المتعاقبة، تدخل اليوم طرفاً داعماً وبقوة في أعقد ملفات الشرق الأوسط السياسية وأكثرها تشابكاً على الإطلاق، دخولها القوي هذا سيولد بالضرورة حذراً شديداً لدى الولايات المتحدة وجيرانها الأوروبيين في دعم دورها الجديد كدولة مهمة تحمل ملفاً بهذا الحجم وبهذه القوة، وهي التي كانوا يتوقعون منها تمثيل نموذج الاعتدال الإسلامي في المنطقة عبر تجربة حزب العدالة والتنمية الحاكم. فهل يمكن أن نتوقع طلاقاً قريباً بين تركياً والولايات المتحدة؟ أم أن تنازلات من أحد الطرفين تلوح في الأفق

إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"

العدد 2830 - السبت 05 يونيو 2010م الموافق 22 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:16 ص

      علاوي الوردة

      الموقف العربي اثر السكوت ليوفر طاقة بلسانه..والظاهر انه وفرها حتى لقلبه...ولسان قلبه يقول ( بلا فلسطين بلا عوار راس بلا وجع قلب)...الاتراك لديهم اتفقايات عسكرية تجاريه تدر على اسرائيل اموال هائله نتيجة تصنيعهم للاتراك الطائرات بدون طيار وغيرها والعكس صحيح سواء ما ذكرتيه من مصالح سياسيه او تجارية كما هو معروف...يعني ها نحن بعد ايام قليله من ضرب اسطول الحرية تبخر الغضب التركي وصار كما نقول بالبحريني ( ضو...لييف )..وتشكرين على مقالك

    • زائر 1 | 1:13 ص

      يد وحدة ماتصفق

      هذا المثل عرفناه من صغرنا وعرفنا بأن اليد الواحدة لاتصفق ولكن في هذه الأيام كل مستحيل اصبح سهل المنال وسهل الوصول اليه ولاعجب من امر العرب من موقف اسرائيل ومن موقف تركيا فمصلحتي تقتضي ان اقتل امي وابي واخوتي إذا وقفوا بوجه مصلحتي فلا مانع .. والحدء يفهم
      بوطبيع

اقرأ ايضاً