العدد 2830 - السبت 05 يونيو 2010م الموافق 22 جمادى الآخرة 1431هـ

مهلاً... لا تسحبوا مبادرتكم... مازلنا بخير

عبدالله الميرزا abdulla.almeerza [at] alwasatnews.com

كانت عيون الشعوب العربية ترصد على الشاشات الفضية وبين سطور الصحف تفاصيل ما أشيع عن انسحاب الكويت من مبادرة السلام العربية التي أطلقتها القمة العربية الرابعة عشرة في 28 مارس/ آذار 2002، وذلك في رد فعل تجاه الاعتداء على «أسطول الحرية» الأسبوع الماضي، غير أنها على ما يبدو أغمضت خائبة.

تبين أن كل ما في الأمر هو موافقة البرلمان الكويتي بالإجماع على توصية بانسحاب الكويت من مبادرة السلام العربية. فيما نقلت قناة «الجزيرة» عن مراسلها في الكويت سعد السعيدي قوله إن «جميع وزراء الحكومة وافقوا على التوصية، ورغم أن ذلك يعد موافقة ضمنية من الحكومة فإنها لم تصدر أي بيان بقرار من هذا القبيل». إذاً: لا انسحاب كويتي رسمي من المبادرة، ولا تفرحون.

ما جعل الأعين توجه أنظارها إلى احتمال اتخاذ خطوة جادة باتجاه سحب مبادرة السلام، ربما ربط البعض ما حدث هذه المرة بتصريحات سابقة تعد جريئة للعاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، حين قال خلال القمة العربية في الكويت مطلع العام الماضي وعلى وقع الصواريخ الإسرائيلية التي كانت تدك غزة: «إن المبادرة العربية لن تبقى مطروحة على الطاولة، والخيار بين الحرب والسلام لن يبقى طويلاً».

الشعوب العربية التي تتحرّق ألماً لأشقائها في فلسطين مازالت تتذكر ذلك التصريح الذي وجدت فيه بداية جيدة من قبل قيادة عربية لها ثقلها من أجل كسر الصمت الرسمي العربي قبل كسر الحصار على غزة، غير أن ما جعلها تتراجع بآمالها رفض الرئيس المصري حسني مبارك «ضمناً» سحب المبادرة كما طالبت بذلك سورية وقطر، مستغرباً الدعوة إلى سحب المبادرة العربية بالقول: «ألم نتفق عليها بالإجماع في قمة بيروت؟». أما أمير الكويت فقال حينها إن «المبادرة العربية الأساس لموقف عربي واضح وصريح من إسرائيل».

بالتأكيد لا يمثل سحب المبادرة العربية في حد ذاته خطوة كافية لإعادة الكرامة العربية المهدورة كما تعتقد ذلك الشعوب الغاضبة، إلا أنه لربما كان سيمثل أضعف الإيمان (هذا لو حدث، وذلك مستبعد حتى الآن). فخطوة من هذا النوع على الأقل كانت ستجاري بعض الشيء ما قامت به تركيا من خطوات جريئة نالت ارتياحاً والتفافاً وتشجيعاً واسعاً من قبل المتعاطفين المسلمين والعرب مع القضية الفلسطينية، فضلاً عن كونها خطوة دبلوماسية ذكية لن تطير فيها رؤوس ولن تُهدم بعدها قصور ولن تطيح كراس.

على رغم أن قرار سحب المبادرة العربية (لو حدث/ ولا أظنه سيحدث) كان سيحرك البيت الأبيض كما فعل مع تركيا حينما قام الرئيس أوباما مباشرة بالاتصال والتعزية، كما قامت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بالاجتماع مع السفير التركي في بلادها والاستماع إلى كلمات «ساخنة» منه تجاه موقف البيت الأبيض، ثم خرجت مطالبة «إسرائيل» في لهجة متغيرة بضرورة فك الحصار عن غزة.

تركيا على رغم لهجتها الساخنة وإعلانها تجميد علاقاتها مع «إسرائيل» فإنها لم تخسر حتى الآن بعض ما يخاف القادة العرب أن يخسروه، بل على العكس فإنها كسبت رصيداً سياسياً وهيبة دولية يحسدها عليها «جماعتنا».

«إن العالم كله في حالة غضب شديد، ولكن الزعماء هم الذين يلتزمون الصمت». بهذه الكلمات توّج الكاتب الصحافي روبرت فيسك مقاله في صحيفة «الإندبندنت» البريطانية بعد يوم من الاعتداء على «أسطول الحرية». وقال إن الوضع لم يكن بهذا الشكل في الماضي، مشيراً إلى الجسر الجوي في العام 1948 الذي مده الأميركيون والبريطانيون لسكان برلين، على رغم أن الألمان كانوا أعداء، ولكنهم كانوا يعانون من الحصار الذي فرضته القوات الروسية على برلين.

وشن روبرت فيسك هجوماً على الساسة والقادة في العالم ساخراً من بيانات «الأسف» الصادرة عن الأمين العام للأمم المتحدة والبيت الأبيض.

القادة العرب لا يهمهم إعادة الاعتبار إلى شعوبهم. هذا متفق عليه. ولكن ماذا عن ماء وجوههم؟ ألم تحرجهم تركيا بمواقفها ومبدئيتها، في حين أنهم هم المعنيون قبلها باتخاذ مواقف مشابهة؟ ألم يفكروا – ولو مجاملة – إعادة بعض الكرامة المسلوبة؟

حتى الآن لم تحفظ «كياسة» الحكام العرب دماً ولم تصن عرضاً ولم ترجع حقاً مغتصباً، بينما لاتزال تراهن على النفَس الطويل حتى تأتي «إسرائيل» على آخر قطرة دم في المسلمين. وإلا فبماذا يفسر السكوت الممعِن مقابل غضب شعبي عارم يكاد يشعل الدنيا غيضاً وألماً؟ ليس سوى «الخنوع».

إقرأ أيضا لـ "عبدالله الميرزا"

العدد 2830 - السبت 05 يونيو 2010م الموافق 22 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:25 ص

      أعجبتني هذه الكلمات...أجودي

      حتى الآن لم تحفظ «كياسة» الحكام العرب دماً ولم تصن عرضاً ولم ترجع حقاً مغتصباً، بينما لاتزال تراهن على النفَس الطويل حتى تأتي «إسرائيل» على آخر قطرة دم في المسلمين. وإلا فبماذا يفسر السكوت الممعِن مقابل غضب شعبي عارم يكاد يشعل الدنيا غيضاً وألماً؟ ليس سوى «الخنوع».

اقرأ ايضاً