العدد 2833 - الثلثاء 08 يونيو 2010م الموافق 25 جمادى الآخرة 1431هـ

الأتراك الجدد على أبواب العرب!

سليمان الهتلان comments [at] alwasatnews.com

-

يقول لي صديقنا الدكتور طارق يوسف، عميد كلية دبي للإدارة الحكومية، إن تركيا نجحت أن تغير انطباعات العرب السيئة عنها والتي حملها العرب معهم لقرن من الزمان فقط في ثلاث سنوات!

كيف نجح حزب العدالة والتنمية التركي في ثلاث سنوات في قلب معادلة العلاقات المتوترة مع العرب منذ نحو المئة سنة؟

وبغض النظر عما يقال كثيراً عن العرب من كونهم «عاطفيين» يستطيع أي سياسي في العالم أن يكسب ودّهم بخطبة واحدة يشتم فيها إسرائيل وأميركا، إلا أن الوقائع تؤكد أن أتراك اليوم يملكون أجندات سياسية ذكية سيفتحون بها أبواب العرب المغلقة منذ عقود والكاسب الأكبر هنا هو الاقتصاد التركي والموقف السياسي التركي! وفي كل الحالات، ما الذي سيخسره العرب من صعود نجم تركيا إقليمياً ودولياً؟

الشعوب العربية – كما يبدو من الأحداث الأخيرة – بدأت تفقد ثقتها في وجود «قوة» سياسية عربية تحافظ على الحد الأدنى من «الكرامة السياسية» للعرب بعد أن خسرت تماماً كرامتها العسكرية أمام إسرائيل والعالم. إذن لماذا يستكثر البعض على متظاهرين عرب حمل الأعلام التركية في عواصم عربية كان المتوقع أن تقود هي نفسها زمام المواجهة «السياسية» مع إسرائيل ومسانديها؟ الحقيقة المهمة هنا أن تركيا فعلاً تتغير. وكانت المفاجأة أن حزباً محسوباً على «الإسلاميين» يقود هذا التغيير الإيجابي في تركيا بما فيه من انفتاح ذكي على العالم وبخطاب جديد متصالح مع ذاته ومتسامح مع الآخر.

ولعل أبرز أسباب المفاجأة في أن يقود «الإسلاميون» هذا التوجه الإصلاحي في تركيا يأتي نتيجة لانطباع شامل عن الإسلاميين الذين يمارسون العمل السياسي مما شكل صورة سالبة تصور الإسلاميين كإقصائيين وذوي أجندات نفعية تستخدم الديموقراطية فقط كطريق تصل به للسلطة وبعد أن تتمكن تنقلب على الطريقة التي أوصلتها للحكم ثم تبدأ في تصفية القوى المنافسة أو تلك التي يمكن أن تنافسها مستقبلاً!

تلك صورة تأصلت في انطباعات العالم عن «الإسلام السياسي» لكن الغائب هنا أن تلك الصورة هي حقيقة سياسية ذات روح ونكهة عربية. أي أنها لصيقة بالإسلاميين في العالم العربي بالدرجة الأولى.

لكن الغائب في هكذا تحليل هو أن صفة النفعية السياسية وعقلية الإقصاء الفكري هي للأسف صفات عربية تنطبق على أغلب المنشغلين بالسياسة في العالم العربي سواء كانوا مصنفين في اليسار أو في اليمين، إسلاميون أو علمانيون، وطنيون أو شيوعيون، عسكريون أو مدنيون. ولهذا تزداد الدهشة المفعمة بالإعجاب بهذه الحركة التركية الجديدة التي شكلت توجهاً جديداً للأتراك في المنطقة وخارجها وبدأت تكسب تأييداً داخلياً متصاعداً حتى من العلمانيين أنفسهم داخل تركيا.

إن تركيا كانت إلى وقت قريب عملاقاً نائماً استطاع الحزب الحاكم حالياً أن يوقظه من نومته وأن يجيد توجيه مساراته فشرع في فتح أبواب جديدة مع العالمين الإسلامي والعربي وبدأ – وهذا الأهم – في إقناع الداخل التركي بوجاهة مشروعه على كل المستويات وعلى رأسها الاقتصادي.

هذا التوجه التركي الجديد نحو المنطقة والعالم تشير ملامحه اليوم أنه سيجعل من تركيا لاعباً قوياً في حراك المنطقة كلها ليس فقط لأن تركيا تملك أكبر اقتصاد في المنطقة ولكن لأنها أيضاً لا تخشى من منافسة عربية حقيقية على الأدوار التي تباشرها اليوم في منطقة الشرق الأوسط بالإضافة الى «الواقعية» السياسية في تعاطيها مع إيران. وإن نجحت أنقرة – وستفعل – في تحييد الموقف الإيراني تجاه الدور التركي الجديد في المنطقة فستكون تركيا بلا منازع هي اللاعب الأول إقليمياً وبالتالي ستكون البوابة الرئيسية لأي مبادرة أو حوار عالمي إزاء قضايا المنطقة.

وبقدر التقدير والإعجاب بعقلية وأداء رموز حزب العدالة والتنمية في الإدارة المحلية والتعاطي مع الخارج إلا أن المراقب العربي لابد أن يخجل من هذا التراجع العربي المتواصل إزاء قضاياه الرئيسية. أم أن على العرب اليوم انتظار ما تقرره – نيابة عنهم – طهران وأنقرة وربما تل أبيب؟

أين الدور العربي في كل ما يحدث في المنطقة اليوم؟ متى ستستعيد عواصم القرار العربي الكبرى مكانتها إزاء قضايا مهمة لدولها وأمتها؟

تلك أسئلة مكررة – على الأقل منذ عقد – وستتكرر كثيراً على مسامعنا خلال السنوات القليلة القادمة لأن تركيا – كما يبدو اليوم – عازمة على أن تكون اللاعب الإقليمي الأول في تحديد أجندات المنطقة الاقتصادية والسياسية ولكن - وتلك مسألة طبيعية - بما يخدم مصلحتا أولاً.

وهكذا فليس أمام العرب اليوم سوى تحكيم العقل – وليس العواطف – في التعامل مع تركيا الجديدة بنظرة واقعية تخدم المصالح العربية وتستثمر في الخطاب التركي الإيجابي تجاه العالم العربي.

وهنا أختم بمقطع كتبه الباحث المصري مصطفى اللباد في دراسته القيمة بعنوان «تركيا والدول العربية... شروط التعاون المثمر»، إذ شرح أن بروز الدور التركي من جديد كحقيقة جغرافية وتاريخية وعسكرية جاء «في لحظة تاريخية تعاني فيها الدول العربية في المشرق من مآزق بنيوية هي الأخطر منذ الاستقلال، وهو ما يخلق فراغاً كبيراً في المنطقة تتقدم تركيا - موضوعياً - كي تشغله. وبسبب اختلال القدرات الواضح بين الطرفين، يبدو أن القراءة العربية للدور التركي الإقليمي في الشرق الأوسط تنطلق من أنه حقيقة واقعة لا يجب الوقوف أمامها، بل التعامل معها لتعظيم المكاسب منها».

إقرأ أيضا لـ "سليمان الهتلان"

العدد 2833 - الثلثاء 08 يونيو 2010م الموافق 25 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:26 ص

      أبواب العرب والمقاومة

      أي ابواب يا استاذ ؟ العرب ان ملكوا ابواب فهي ابواب لا تغلق الا على المقاومة والا فابوابهم مشرعة للدخول !

    • زائر 1 | 10:10 م

      زائر رقم ن

      الشعوب العربية – كما يبدو من الأحداث الأخيرة – بدأت تفقد ثقتها في وجود «قوة» سياسية عربية تحافظ على الحد الأدنى من «الكرامة السياسية» للعرب بعد أن خسرت تماماً كرامتها العسكرية أمام إسرائيل ......
      هذا لو لا حرب 2006 في جنوب لبنان التي مرغت الكرامة العسكرية الإسرائيلية في الوحل.
      ترى ماذا يقول الحكام العرب لأنفسهم عندما يقرأون مقالك !!؟؟

اقرأ ايضاً