العدد 2836 - الجمعة 11 يونيو 2010م الموافق 28 جمادى الآخرة 1431هـ

وزراء إعلام من «أهل البيت»

الانتقال من غرف التحرير إلى كراسي الإعلام الحكومي

حمزة عليان comments [at] alwasatnews.com

.

عندما أصدر عبدالله اليافي صحيفة «السياسة» في أواخر الخمسينيات قبل أن يصبح رئيساً للوزراء، عمل على تقديم إغراءات للصحافيين للعمل عنده، وقتها كتب الأستاذ غسان تويني مقالة في «النهار» وجهها إليه مفادها...

«أن تبقى سياسياً ناجحاً، أفضل لك أن تكون صحافياً ناشئاً» لأن وصولك للصحافة سيخسرك السياسة ولن تربح الصحافة... بعد أشهر توقفت عن الصدور.. وعاد اليافي للقصر الحكومي...

بين الصحافة كمهنة والعمل السياسي خيط رفيع، إما أن تقطعه وتنحاز كلية إلى السياسية أي أن تحجز مقعداً في الطائرة التي ستقلك ذهاباً بدون عودة، أو ستجد نفسك في حالة من الضياع، وتكون أشبه بحكاية الغراب الذي أراد أن يقلد مشية الحمام فلا هو أجاد تقليدها ونسي مشيته!

الواقع أن عدداً من الصحافيين الذين مارسوا المهنة أغرتهم المناصب الوزارية، فخرجوا من رحم الصحافة إلى وزارات الإعلام، ظناً منهم أن التغيير سيزيد من رصيدهم المهني...

أذكر أن الزميل باسم السبع الذي أمضى في صحيفة «السفير» قرابة الـ 17 عاماً قادته أحلامه إلى أن يصبح وزيراً للإعلام في حكومة الرئيس رفيق الحريري العام 1996 وعشية تسلمه الوزارة التقى بعدد من المحررين ليسمعهم نظريته القائلة إنه «صحافي مع السياسيين وسياسي مع الصحافيين»..

وبعد سنتين من تجربة التوزير وجد نفسه في مكان لا يحسد عليه، بين مطرقة الإعلام وسندان السياسة، حيث أخفق بأن يكون من «أهل البيت» بعدما أمسك عدداً من الملفات المتفجرة أودت به إلى خارج الحلبة...

هناك صحافيون عرب تركوا الصحافة وتولوا «كرسي الوزارة» وتبعهم السؤال الدائم، هل نجاحهم بالصحافة يعني نقل التجربة إلى الوظيفة الحكومية وبنجاح أيضاً؟

وهل يفترض أن يكون الوزير متخصصاً في المجال الذي يشغله، أي أن يكون وزير الصحة طبيباً أو صيدلياً ويكون وزير الإعلام صحافياً ووزير الدفاع عسكرياً؟

المخضرمون من رجالات السياسة يفصلون بين المنصب الوزاري وبين أصحاب المهن والاختصاصات، فالوزير قد يجمع بين وظيفتين الوظيفة السياسية والوظيفة الإدارية وبذلك تختلط الأدوار ويصبح من الصعب القسمة بينهما، لكن تبقى المهنة تحمل دلالات أخرى...

جرت العادة في عدد من الحكومات أن يتم الاستعانة بتكنوقراط، أي أصحاب اختصاص، لشغل مواقع تحتاج إلى شخصيات بمثل تلك المواصفات دون أن تكون خلفيتهم وانتماءاتهم السياسية هي الرافعة التي حملتهم إلى الوزارة، ولذلك يمارس الوزير وظيفته من واقع اختصاصه بعيداً عن الوجه السياسي له أو لما يمثله...

أن يأتي وزير للإعلام من الأسرة الصحافية، ذلك هو السؤال وما يتبعه من كلام، كم من وزير تبوأ هذا المنصب استطاع أن ينجو من الغرق في مستنقع البيروقراطية والصراعات والمساومات وكان بمقدوره أن يضيف شيئاً إلى رصيده أو إلى الحريات بشكل عام؟

عدد من الأساتذة على سبيل المثال في الأردن، كصالح القلاب ونبيل الشريف ومروان المعشر عملوا في الصحافة وانتقلوا إلى الوزارة، سجلوا نهايات غير مشجعة، بل محبطة في أحيان كثيرة، أكلت من رصيدهم السياسي ولم تضف شيئاً إلى المهنة التي عرفوا بها، وبعضهم عاد للكتابة حيث وجد ضالته بقدر كبير من حرية التعبير دون قيود أو عوائق كما هو الحال في الوزارة.

الصحافيون الذين قادتهم طموحاتهم أو توهموا أنهم سيكافئون بالعمل الوزاري تحولوا إلى موظفين من الدرجة الأولى، لأنهم وجدوا أنفسهم مع بعض الاختلافات غير قادرين على اتخاذ قرارات مصيرية، بل هم منفذون لسياسة حكومية هم أعضاء فيها... لكنهم لا يملكون القرار...

اختلف الباحثون بشأن توصيف هوية الوزير، هل هي سياسية، أم إدارية، قبل أن تكون مهنية؟

وفي كل الحالات كانت المقاييس مغايرة من دولة إلى أخرى ومن حكومة إلى أخرى، لأن المنصب الوزاري يخضع لاعتبارات سياسية أكثر منه لاعتبارات المهنة والاختصاص وإن كان ابن المهنة أكثر فاعلية، لا سيما إذا كان يتمتع بقدرات وكفاءة تؤهله لأن ينطبق عليه القول «الرجل المناسب في المكان المناسب» ... وبما يجعله بمصاف «رجالات دولة»...

الحكومات العربية تزخر بهذه التجارب، ولبنان واحد منها، وإن تفرد عن غيره بأن من تولى رئاسة الجمهورية عمل في الصحافة والكتابة مثل شارل حلو الذي ينسب إليه العبارة الشهيرة عندما كان يستقبل الصحافيين في القصر الجمهوري يبادر بالترحيب بهم «أهلاً وسهلاً بكم في بلدكم الثاني لبنان» ! في إشارة منه إلى أن هناك من كانت ولاءاته للخارج ... وهو الصحافي والكاتب والدبلوماسي والمؤمن بالحريات والمدافع عن أصحاب الفكر ...في موازاة أسماء لمعت في الصحافة وبهتت في الوزارة، أمثال ، ميشال إده وطارق متري و غازي العريضي وغيرهم ممن لم تسعفني الذاكرة بإيراد أسمائهم... ومعظمهم استهلكوا بالوزارة ولم يتركوا بصمة لأبناء المهنة تعفيهم من مغبة الاتهام...

ومثلما كان في مصر عندما استبشر الصحافيون خيراً بقدوم محمد حسنين هيكل إلى الوزارة في عهد أنور السادات ليخرج منهما منكسراً وكسيحاً، كذلك الحال في الجزائر والسعودية والسودان حيث تساقط الواحد منهم تلو الآخر لينتهي عصره الصحافي من خلال توزيره أو لترميم وضعه وإعادة البناء من جديد..

تغيير الكراسي لعبة تحمل مخاطر بقدر ما تحمل تفسيرات وتأويلات، وعندما ينقل بعض الصحافيين من مكاتبهم المفتوحة إلى الأدوار الشاهقة بمباني وزارات الإعلام فهذا يعني أن التزاوج بين الصحافي والوزير بات محل ريبة وشكوك، وهذه ثقافة عامة قائمة على قناعة تقول إنه لا بد وأن يكون هناك مساحة واسعة بين الصحافي والسلطة من أجل تأكيد الصدقية واكتساب الاحترام، لكن عندما تسقط هذه الحواجز يصبح أسير الوزارة والعمل الحكومي وبالتالي سيعيش مكبلاً لا يقوى على الرفض والإصلاح، بل ممتثلاً لإرادة السلطة التي أتت به ويعزف لها اللحن الذي يناسبها فالعزف هنا يبقى لمن يحكم ويملك ويدفع !!! وإن كان بالأدبيات السياسية العربية من يجتهد بتشويه سمعة «الوزير» وإثارة الشبهات حول دوره وخلق أجواء غير صحية عن المهمة التي يقوم بها كما هو في قصة فيلم «الراقصة والسياسي» الذي يصوره كشخص ناكر للحقوق وانتهازي يستغل مركزه بطريقة بشعة..

إقرأ أيضا لـ "حمزة عليان "

العدد 2836 - الجمعة 11 يونيو 2010م الموافق 28 جمادى الآخرة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً