العدد 284 - الإثنين 16 يونيو 2003م الموافق 15 ربيع الثاني 1424هـ

صراع البطولات ومجاميع البلهاء

أفق آخر (منصور الجمري) editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

في احدى حملات الحج السنوية انطلق مسئول الحملة ومعه جمع من افراد اشتركوا في حملته وسط الخيام المتداخلة والزحام الشديد الذي ادى إلى ضياع احد الحجاج مع زوجته واخته. التفتت الزوجة والاخت الى «القائد البطل» الذي سيخلصهم من المحنة التي وقعوا فيها، واشتد احساس الرجل بمسئوليته تجاه زوجته واخته، كما اشتد حنقه على مسئول الحملة الذي «ضيعهم».

تغير لون وجهه وهو يضرب ويقسم ماذا سيحصل له ان لم يصل خيمته بالسرعة المطلوبة. سار يمنة ويسرة وهو يتوعد بالمسئول الذي ضيعه ... كل ذلك واخته وزوجته تلحقانه أينما اتجه وتؤيدانه في كل ما يقول. بعد قرابة الساعة من اللف والدوران، صادف ان رأى مجموعة ظن انه يعرف احد افرادها فاتجه راكضا نحوها، ولكن حظه كان اسعد اذ التفت يسرة (عن طريق الخطأ) ليرى ان الحملة التي يبحث عنها هي في ذلك الاتجاه. وقف وقفة الابطال لينادي على زوجته واخته وبدأ بفتل عضلاته وتصعيد لهجته حتى وصل للمسئول «يا عديم المسئولية، يا... يا... كيف لا تلتفت لمن خلفك وانت تدعي انك قائد الحملة... لولا انني «رجّال وسبع» لضعت مع زوجتي واختي»... الاخت والزوجة وقفتا خلفه ترددان كلماته: «نعم: لولا انه رجال وسبع لكنا قد ضعنا وانتهينا».

هذه القصة تتكرر يوميا بأشكال اخرى. تتحدث مع شخص ما وترى في ردود كلماته: «انا قمت، قلت، وجهت، صححت، نهرت فلان وفلان» ... ان هذه الفكرة التي تتحدث عنها «كنت قد اقترحتها ونفذتها قبل سنوات واستنتجت ان لا فائدة منها» ... انا البطل الذي علم كل شيء قبل ان تعلمه أنت، انا البطل الذي عرف ووجه وانقذ الآخرين، انا البطل الذي لم اولد مصادفة وانما ولدت لانقاذك وانقاذ امثالك! لولا وجودي في الازمنة والامكنة التي وجدت فيها لكانت الحياة اكثر مأساة مما هي الآن، انني البطل الذي انقذ البلهاء الاغبياء، الاقل ذكاء مني! هو انا.

«صراع البطولات» هذا يأتي من فراغ فكري واشتباه منتشر في اوساطنا يتحدث عن «القادة الذين يولدون ابطالا لينقذوا مجاميع البلهاء الذين كانوا سيتيهون لولا ان تفضلت عليهم أمّ البطل بولادة ابنها». هؤلاء يرون ان القيادة «سمة» تولد مع الشخص وليست مهارة يمكن التدرب عليها واكتسابها من خلال الخبرة. ولو ترك الامر لهؤلاء لتم اغلاق الجامعات ومعاهد التدريب.

على ان موضوع «البطل المنقذ» نراه لا ينتشر الا في البلدان المتخلفة. فعلى رغم ان الامم تحتاج بين الفينة والاخرى إلى قائد حازم ونوعي لاخراجهم من ازمة ما، فإن ما يجمع عليه المفكرون والمتمرسون في حضارة اليوم هو ان القيادة قد خرجت من ذلك الاطار البدائي. فلا يوجد اليوم «لورنس العرب» ولو وجد «لورنس» فانه لن يستطيع الا ان يعمل ضمن مجموعات عاملة وهادفة تتوزع الادوار بينها وتدير عملية الحوار والخلاف واتخاذ القرار بما يمكنها من خوض الحياة المعقدة بصورة سليمة. فلورنس العرب هو بطل للبداة وللصحراء وعلينا ان نعود إلى تلك البدائية في نمط الحياة اذا اردنا ان نبقى مع «لورنس».

المؤسسات المدنية والقنوات المعلوماتية المنفتحة وضمانات الحرية الشخصية، هي الامور التي تمكن رجالا في الثلاثينات والاربعينات من قيادة دول كبرى ومؤسسات عظيمة. ويقول محللو الشخصيات القيادية ان هؤلاء لم يصلوا إلى ما وصلوا إليه لانهم اعتقدوا انهم ولدوا ومعهم «سمة» القيادة ولكنهم تعبوا على انفسهم وتعلموا مهارات القيادة التي مكنتهم من الوصول إلى ذلك المنصب. ولم يصلوا إلى ذلك المنصب لانهم الوحيدون الذين يمتلكون تلك المهارات، وانما لانهم، بالاضافة إلى كل مهاراتهم، ناسبوا اوضاعهم وزمانهم ومكانهم. بمعنى آخر تناسبت اوضاعهم مع كفاءاتهم فارتفعوا إلى سلم المسئولية. وهؤلاء ايضا لا يعني ان كل واحد منهم البطل الوحيد الاوحد الذي لم يولد قبله احد ولن يولد بعده احد، وانما هم خاضعون للمراقبة والمحاسبة المستمرة التي تسقطهم اذا لم يحققوا النجاحات للمجموعات التي اوصلتهم إلى تلك المكانة، فتلك المجموعات (احزاب، شعوب، سوق اسهم الخ) تمتلك حريتها ولا يمكن لمن تسلم المنصب الاهم ان يسلبها تلك الحرية... حرية الكلمة وحرية المشاركة وحرية الابداع في تطوير المسيرة

إقرأ أيضا لـ "أفق آخر (منصور الجمري)"

العدد 284 - الإثنين 16 يونيو 2003م الموافق 15 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً