العدد 284 - الإثنين 16 يونيو 2003م الموافق 15 ربيع الثاني 1424هـ

لمن كان له قلب... 3 دروس نتعلمها من الإخوان المسلمين

محمود حسن جناحي comments [at] alwasatnews.com

-

إن المشاركة في خضم هذه الحياة السياسية والفكرية، وقضاياها ومشكلاتها تستدعي نوعا من المسئولية والأمانة، تلزم الخائض فيها ضرورة استشعار حجم التبعة الملقاة على عاتقه نحو أمته وحاضرها ومستقبلها. لقد دأبت بعض الأقلام العلمانية الحاقدة بمختلف أطيافها من يمين ويسار، ومن خلال بعض صحفنا، دأبت على النيل من حركة الإخوان المسلمين، وكيل السباب والاتهامات الجائرة لها، مستفيدة من الوضع البائس الذي أضحينا نحياه في ظل الهيمنة الأميركية المطلقة، ومستفيدة كذلك من ولوج بعض الشخصيات الخليجية المهمة لهذا المعترك - تشويه سمعة الإخوان - طلبا لرضا السيد الأميركي، وإثباتا له «أننا تقوم بالواجب !!».

وهكذا أصبحنا نقرأ بأن الإخوان هم «أصل البلاء !»، وبأنهم «أدخلوا التشدد إلى منطقة الخليج!»، وبأنهم «السبب في انتشار ظاهرة التكفير!» إلى غير ذلك من الاتهامات الخالية تماما من الإثبات، البعيدة تماما عن الإنصاف. لقد ساء بعض من ارتضوا لأنفسهم العبودية الفكرية للرأسمالية أو الماركسية، ساءهم أن يجدوا الجماهير وهي ترجم الرموز والمبادئ المستوردة كافة من عند (الأعمام !)، وتتشبث بمقدساتها الإسلامية العظيمة، وذهلوا وهم يرون الجماهير المخلصة في ديار العروبة والإسلام كافة وهي ترفع الشعارات التي تؤكد انتماءها للإسلام، وإعراضها عما سواه. ولما كان للإخوان المسلمين الدور الرائد في تشبث الجماهير بإسلامها، استحقوا في نظر أساطين العلمانية النصيب الأكبر من حملات التشويه الإعلامي والتحريف الفكري.

هذه دروس ثلاثة، يقدمها الإخوان المسلمون للشعوب، والحكومات، والأحزاب الإسلامية والعلمانية كافة لتكون نبراسا لها وهي تتعاطى مع الشأن السياسي والإسلامي الفكري، وهي في الوقت ذاته، شهادة تبين مدى صدق توجه الإخوان، ومدى افتراء أصحاب الأقلام والألسن السوداء، الذين يتحملون مسئولية ما يقومون به من تحريف وتشويه أمام الله والأمة.

الدرس الأول: في مسألة التكفير والتشديد

إن التكفير قضية خطيرة جدا، ولا يجوز التساهل فيها، فإن الذي نحكم عليه بالكفر نخرجه من الملة ، ونفصله عن الأسرة، ونفرق بينه وبين زوجه وولده، ونعتبره عدوا لله ورسوله والمؤمنين، كما أن جمهور الفقهاء يحكمون عليه بالقتل. لهذا انتبه حسن البنا (رحمه الله) لهذا الأمر الخطير، فذكر في الأصل العشرين من الأصول التي ذكرها في رسالة (التعاليم) ما يلي: «لا نكفر مسلما أقر بالشهادتين، وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض، برأي أو معصية، إلا إذا أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسره تفسيرا لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر».

إذن، فللإخوان أصول يرجعون إليها في مسائل خطيرة كهذه، ولقد كانت سيرتهم العملية مصداقا لأصولهم النظرية.

في فترة الخمسينات والستينات، عندما كان الآلاف من الإخوان يعانون شتى أنواع التعذيب والتنكيل في سجون حاكم مصر، بدأت تظهر بين البعض منهم دعوات غريبة عن منهجهم الفكري، دعوات أخذت تتخذ شيئا فشيئا طابع التكفير، وكانت هذه النظرة قائمة على أساس أن أعمال التعذيب الرهيبة هذه لا يمكن أن تصدر عن أناس مسلمين، فانتهى بهم ذلك إلى تكفير الحكومة، أي الدولة ورجالاتها، وبما أن المجتمع لا يبدي اعتراضه على هذه الممارسات، فالمجتمع كافر أيضا!! أعلن الإخوان حال الطوارئ بين صفوفهم، وهم في الزنازين !، وأقاموا دروسا فكرية توعوية، وضّحوا لأفرادهم خلالها المنهجية الصحيحة في التعامل مع الحكام والشعوب في مثل هذه الأوضاع. نعم، الكل يعلم كم قدم الإخوان من شهداء، وكم قدموا من تضحيات، وكم ارتوت السياط من دمائهم، وسحقت أدوات التعذيب من عظامهم، ولكن يظل التكفير أمرا خطيرا له ما بعده. أما الشعوب فهي مغلوبة على أمرها، ومهما ابتعدت عن أمر دينها في فترات معينة، فإنها تعود إلى أصولها، وتشتاق إلى إسلامها مهما بعدت الشقة. لقد تذكر الإخوان في حملات التوعية تلك أن الشعوب هي مادة الدعوة، وأن الفطرة السليمة مزروعة فيها، ولابد أن تستجيب يوما لنداء هذه الفطرة ، وأن التكفير هو الجدار الذي سيحول بين الدعاة وبين إيصال كلمة الحق إليها.

لقد أدت جهود الإخوان، وخصوصا تلك الجهود التي بذلها حسن الهضيبي (رحمه الله)، والتي منها كتاب (دعاة لا قضاة) الذي ألفه للتصدي لظاهرة التكفير، كان لهذه الجهود، وبفضل الله الأثر العظيم في محاصرة الفكر التكفيري في مصر، والحد من انتشاره، فلما أبت بعض النفوس إلا الاستمرار في التكفير، وشكلت جماعة بقيادة مصطفى شكري في السبعينات، وسمت نفسها (جماعة المسلمين)، وسمتها وسائل الإعلام (جماعة التكفير والهجرة)، نجد أن هذه الجماعة لم تزد على عدة عشرات، سرعان ما اضمحلت وتلاشت.

أما ظاهرة التشدد الديني والفقهي، فإن الإخوان هم أبعد الناس عنها، وهم يلتزمون بالقاعدة الذهبية التي تقول: «نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه». إن آلاف الكتب والرسائل التي كتبها قادة الإخوان ومفكريهم، من أمثال حسن البنا وحسن الهضيبي وعمر التلمساني ومصطفى مشهور ومصطفى السباعي ويوسف القرضاوي ومحمد الغزالي وفتحي يكن وغيرهم الكثير، والسيرة العملية للإخوان طوال العقود الماضية لهي خير شاهد على الفكر الوسطي المتسامح الذي يلتزمه الإخوان أينما وجدوا، وحيثما حلّوا.

فخلاصة الكلام أن الإخوان بفضل الله هم من صان الفكر الإسلامي، وحافظ على شباب الأمة، خصوصا في مصر من أن يسلكوا سبيل التشدد والتكفير، فأدوا خدمة عظيمة لدينهم ووطنهم. وما نستفيده من هذا الدرس أيضا أن بعض الحكومات الجائرة بممارساتها اللاإنسانية، هي السبب الرئيسي في نشوء فكرة التكفير في بعض البيئات العربية والإسلامية، فهل من متعظ؟

الدرس الثاني: في فقـه الجهـاد

قسم الإمام ابن القيّم الجهاد أربع مراتب: جهاد النفس، وجهاد الشيطان، وجهاد الكفار والمنافقين، وجهاد الظلم والبدع. وقد فصل كل مرتبة حتى بلغ عدد مراتب الجهاد التي صنفها ثلاثة عشر مرتبة، يمثل الجهاد باليد (القتال) واحدة فقط منها. وهذا الجهاد القتالي له قيمة عالية المقام، ويمثل ركنا ركينا في منهج الإسلام، ولا يقلل من شأنه إساءة البعض توظيفه، أو ابتذاله للمصطلح، باعتبار أن القيم لا تجرح أو تهدم بمجرد أن طرفا حاول الاتجار بها ، أو طبقها على غير وجهها المنشود، وإلا لما بقيت قيمة على وجه الأرض.

لقد عمل الإخوان المسلمون على إحياء معنى الجهاد الإسلامي، ولم تقف به عند جهاد النفس والشيطان، وإن كان ذلك جزءا أصيلا من مناهجها التربوية ، ولكنها ارتفعت به، ليشمل جهاد قوى الاستعمار الرابض على أرضنا، المنتهك لحرمات ديارنا ومقدساتنا. لقد كاد الإخوان أن يكونوا هم الفئة الوحيدة التي جاهدت اليهود وقاتلتهم قتالا حقيقيا في حرب فلسطين العام 1948، وهاهي معارك عسلوج، وتبة اليمن، والتبة 86، وصور باهر، والنقب تشهد على بطولاتهم، وهاهو التاريخ يسجل أن قيادة الجيش المصري كانت تستنجد بمجاهدي الإخوان كلما عانت من صعوبات في ميدان القتال. كما كان للإخوان النصيب الأوفر في أعمال المقاومة ضد الاحتلال الإنجليزي في منطقة القنال في مطلع الخمسينات. وهكذا وجه الإخوان جهودهم الجهادية ضد أعداء الأمة، وليس ضد أوطانهم وأبناء مجتمعاتهم ، الذين اضطرتهم الظروف بعضهم للعمل مع الأنظمة الظالمة، فعصموا بذلك أنفسهم من أن يقعوا فيما وقع فيه بعض الجماعات الإسلامية في مصر والجزائر، التي تسببت في مجازر رهيبة ذهب ويذهب ضحيتها غالبا أناس أبرياء. هذا هو فقه الجهاد عند الإخوان، ولكن أين الإنصاف!

الدرس الثالث: بين العمل السياسي السلمي والعنف السياسي

منذ أن خرج الإخوان من المعتقلات في بداية السبعينات، أي منذ أكثر من ثلاثين عاما، لم تسجل ضدهم حادثة عنف واحدة. الا يدرك العلمانيون وكل أعداء المشروع الإسلامي هذه الحقيقة الواضحة! بلى، ولكنه الحقد الأسود، والتنافس غير الشريف الذي يعمي الأبصار عن الوقائع والحقائق.

صرح الرئيس حسني مبارك لصحيفة «لوموند» الفرنسية أثناء زيارته لفرنسا سنة 1993 بتصريح نشرته الصحف المصرية، وفي مقدمتها صحيفة «الأهرام» بتاريخ 1/11/1993 قال فيه: «إن هناك حركة إسلامية في مصر تفضل النضال السياسي على العنف، وقد دخلت هذه الحركة بعض المؤسسات الاجتماعية واستطاعوا النجاح في انتخابات النقابات المهنية، مثل الأطباء والمهندسين والمحامين». وعندما سئل وزير الداخلية المصري اللواء حسن الألفي في مؤتمره الصحافي الذي نشرت وقائعه صحيفة (الأهرام) وصحيفة (الجمهورية) في 14/4/1994، عندما سئل عن علاقة الإخوان بتنظيم الجهاد أو الجماعة الإسلامية، أجاب: «الإخوان جماعة لا يرتكب أفرادها أعمال عنف، بعكس تلك المنظمات الإرهابية». كما أكد ذلك خبير الإرهاب الدولي بالأمم المتحدة اللواء أحمد جلال عز الدين، إذ صرح في مقابلة موسعة له عن التطرف والإرهاب مع صحيفة (الأنباء) الكويتية بتاريخ 13/8/1994 قائلا: «أن الإخوان المسالمين حركة دينية سياسية ليس لها صلة بالإرهاب والتطرف».

لقد ارتضى الإخوان بالنضال السياسي السلمي، وشاركوا في العملية الديمقراطية، مع ما يشوب هذه الديمقراطية عادة في بلادنا العربية من أعمال التزييف والبلطجة! فشاركوا في انتخابات 1984 متحالفين مع حزب الوفد الجديد، وعلى رغم الخصومات التاريخية المعروفة بين الطرفين. وفي العام 1988 دخلوا في تحالف مع حزبي العمل والأحرار، وحققوا نتائج طيبة في الانتخابات البرلمانية في تلك السنة. كما خاضوا انتخابات العام 2000 ونجحوا في الفوز بـ 17 مقعدا، على رغم الحرب الشعواء غير القانونية التي شنت ضدهم، ما يدل على شعبيتهم الواسعة أولا، وقناعتهم ثانيا بأن العمل السياسي السلمي هو المطلوب

العدد 284 - الإثنين 16 يونيو 2003م الموافق 15 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً