العدد 2851 - السبت 26 يونيو 2010م الموافق 13 رجب 1431هـ

«ممارسة التعذيب» بين النفي والتأكيد... مرة أخرى

هادي حسن الموسوي comments [at] alwasatnews.com

في مقال للكاتب قبل عام وبالتحديد في 15 يونيو/ حزيران من العام الماضي نشر له في صحيفة «الوسط» بعنوان «ممارسة التعذيب الجسدي والنفسي بين النفي والإثبات» صدَره بالفقرة التالية:

يصادف اليوم العالمي لمناهضة التعذيب 26 يونيو/ حزيران الجاري، وهي الذكرى الثانية والعشرون لليوم الذي بدأ فيه نفاذ «اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة» حيث بدأ نفاذ هذه الاتفاقية في 26 يونيو/ حزيران 1987م. وبعد مرور 12 عاماً وبالتحديد في 18 فبراير/ شباط 1998م انضمت البحرين لهذه الاتفاقية وتحفظت على بعض موادها، ثم عادت ورفعت التحفظ عنها في العام التالي.

ما يعني أن ممارسة التعذيب في البحرين محرمة رسمياً بحكم المصادقة على هذه الاتفاقية الدولية. وما جاء في دستور مملكة البحرين في الفقرة (د) من المادة 19 من الباب الثالث منه والتي تنص على «لا يعرض أي إنسان للتعذيب المادي أو المعنوي، أو للإغراء، أو للمعاملة الحاطة بالكرامة، ويحدد القانون عقاب من يفعل ذلك، كما يبطل كل قول أو اعتراف يثبت صدوره تحت وطأة التعذيب أو الإغراء أو تلك المعاملة أو التهديد بأي منها».

وبالطبع فإن التعذيب الجسدي والنفسي (المعنوي) يدور في مملكة البحرين بين النفي والإثبات كما في غيرها من دول العالم. وبعد عام منذ ذلك اليوم، تأتي فرصة أخرى ليعقب على ذلك بما فرضته الوقائع والأحداث في ذات الموضوع.

وفي الذكرى الثالثة والعشرين لهذه المناسبة يتأكد أن القوانين والدساتير والأعراف والمواثيق والمبادئ أجمعت على تحريم وتجريم ممارسة التعذيب، ذلك الإجماع متحقق ليس في البحرين فحسب، وإنما هو إجماع دولي، شامل لجميع المشارب والتعدديات في الكون، وهذا التحريم والتجريم معتمد على أرض الواقع في الأنظمة المتقدمة، القائمة في الأساس على مبدأ الديمقراطية التي تأتي السلطة فيه للحكم بإرادة المجتمع، وتسقط فيه السلطة بإرادة المجتمع.

أما الأنظمة التي لا يحق للمجتمع أن يأتي بسلطته، وإن أطلق عليه نظام ديمقراطي، فإن ممارسة التعذيب تعتبر أمراً غاية في الأهمية بالنسبة لها كأداة من أدوات استمرار استقرار النظام القائم، حيث يضعف المجتمع عن قدرة إيقاف السلطة عند حد ما، في ممارسة من ممارساتها، فضلاً عن إسقاطها - السلطة - من الأساس.

في البحرين وفي ظل تعهداتها المحلية والدولية بعدم ممارسة التعذيب، فإن الجدل قائم على أرضية دعاوى ضحايا التعذيب من جهة، ونفي السلطات لذلك من جهة أخرى. فما ان يأتي للبحرين زائر حقوقي سواء من المنظمات غير الحكومية أو من المنظمات بين الحكومية التابعة للأمم المتحدة، حتى نسمع تصريحات رسمية بصوت رفيع، لا توجد ممارسات التعذيب في البحرين! إنها صورة من صور خلط الأوراق، وتدليس الحقائق، لا نجد ما يتبعها من سعي رسمي أو همة سلطوية للتحقيق في ما ينشر أو يتداول في هذا الشأن. في حين نجد أن عددا من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والتجارية والمالية والأخلاقية وغيرها عندما تنشر في الصحافة أو تفوح رائحتها في المجتمع، فإن السلطة تنبري لتشكيل فريق للتحقق من ملابساتها والبحث عن خلفياتها، إلا قضايا ودعاوى ممارسة التعذيب.

قبل أقل من شهر وبالتحديد في السابع من الشهر الجاري، التقى وزير الداخلية ممثلي منظمة «هيومان رايتس ووتش» خلال زيارتهم للبحرين وصرح بالتالي: «التمييز هو أمر غير صحيح، حيث لا يوجد تمييز بين أطياف المجتمع البحريني...»، أما بخصوص التعذيب فكانت العبارة التالية التي نقلت عن الوزير هي: «التعذيب هو أمر مرفوض...» وهنا يتضح مدى دقة الألفاظ التي استعملها الوزير عند قوله «التعذيب أمر مرفوض» ولم يقل لا يوجد تعذيب. في حين كرر المسئولون قبل ذلك نفيهم لممارسة التعذيب، بل إن الوزير ذاته في رده على سؤال للنائب جواد فيروز في27 فبراير/ شباط كان قد أجاب بالتالي: «... إن الادعاءات ومزاعم التعذيب التي يرددها البعض هي مجرد ادعاءات مبنية فقط على أقاويل مرسلة، لم يقم عليها سند أو دليل قاطع...».

وهنا نتساءل ومن أجل حق المجتمع والدولة، والسلطة والمواطن، ومن أجل سمعة المملكة في المحافل الدولية، لتصبح بلداً خالياً من هذه الممارسات المخالفة لناموس السماء ولمبادئ حقوق الإنسان: لماذا لم يتم ولو لمرة واحدة التحقيق في ادعاءات التعذيب في البحرين والتعرض لشكل واحد من أشكاله؟

نحن من موقعنا كناشطين حقوقيين، وجدنا أن المواطنين الذين تم استدعاؤهم أو احتجازهم يرددون بشكل واضح وجلي، ما تعرضوا له أثناء التحقيق، فمنهم من نفى أي نوع من أنواع التعذيب، وإنما أشار إلى سوء المعاملة، والبعض الآخر فصل وأطنب في شرح ما تعرض له من تعذيب وإهانات لكرامته. ما يقود المراقب إلى الاستنتاج بأن الأقوال التي تصدر من الضحايا تمثل صورة واقعية عما يدور في مراكز التحقيق، حيث وجدنا أن جميع الضحايا يتكلمون أحيانا عن نمط متكرر من أساليب انتزاع الاعتراف، وهذه المنهجية يعتمدها الناشطون الحقوقيون في رصدهم وتوثيقهم وتحقيقهم في ادعاءات التجاوزات والانتهاكات التي يتعرض لها الضحايا حول العالم، في التعرف على ما إذا كان هناك تعذيب أم لا؟

نتطلع بشوق إلى يوم يحرم المعذبون على أنفسهم ممارسة التعذيب، ويوجب المسئولون على أنفسهم محاسبة المتجاوزين، وينتصر للضحايا من جلاديهم بالحق والقانون

إقرأ أيضا لـ "هادي حسن الموسوي"

العدد 2851 - السبت 26 يونيو 2010م الموافق 13 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 11:37 م

      اللهم ارنا معذبينا بين القضبان ؟؟

      التعذيب موجود بشهاده الناس اجمعين .. هل هي من الصدفه ان جميع منظمات حقوق الأنسان في كل تقاريرها تدين البحرين جملتا وتفصيلا يا سبحن الله ... يا حكومه اذا اردتم اغلاق الملف فانصفوهم لعل الله يغفر لكم ذنوبكم وينكشف ماء وجهكم امام العالم لحلحله القضيه ... والسلام

    • زائر 1 | 11:36 م

      مراقب ...

      لقد أصبح العزف على هذه الأسطوانة المشروخة مقززا ومملا لمسامعنا حتى بات الكذب والتدليس فيه مفضوحا للقريب والبعيد ... ونحن بدورنا نطالب بمعاقبة المسؤولين عن التخريب وترويع الآمنين وبمعاقبة رؤوس الفتنة الكبار وكل من له صله بتشويه سمعة هذا البلد الطيب ووقوفه بالطابور الخامس تنفيذا لأجندة خارجية حاقدة على عروبة البحرين وعروبة شعبها ... تحياتي

اقرأ ايضاً