العدد 2860 - الإثنين 05 يوليو 2010م الموافق 22 رجب 1431هـ

دعاة الحرية... هل من يصدقهم؟!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

الثورة الفرنسية - كما كنا نقرأ عنها - قامت على مبدأ الدعوة للحريات العامة، والاتحاد الأوروبي جعل من مبادئه الكبرى تشجيع الحريات والدعوة لتطبيقها، أما أميركا فقد ادعت أن تطبيق الحريات والديمقراطية كان واحداً من أهم الأسباب لاحتلال العراق وأفغانستان.

أميركا والأوروبيون - بصفة عامة - يصنفون «إسرائيل» بأنها الدولة الوحيدة التي تطبق الديمقراطية من بين دول عربية لا تفعل ذلك!

الحديث عن الحريات وأهميتها وادعاء تطبيقها ليس حكراً على الحكومات وحدها، فالأحزاب كلها تقول ذلك، والمسئولون في مختلف أجهزة الإعلام يرددون القول نفسه، وكافة المسئولين على اختلاف مناصبهم يؤكدون أن من مبادئهم إعطاء الحريات لموظفيهم دون تفرقة بين هذا أو ذاك.

لكن الحقائق التي تطفو على السطح تقول إن كثيراً من تلك الادعاءات ليس صحيحاً على إطلاقه، ففرنسا قبل أيام أوقفت بث قناة «الأقصى» على قمر «يوتلسات» بدعوى أن قناة «الأقصى» تحرض على الكراهية! بطبيعة الحال المسئولون في المجلس الأعلى للإعلام المرئي والمسموع في فرنسا لا يريدون أحداً يحرض على كراهية الصهاينة! لا يريدون من شعب مقهور محتل يتعرض للاضطهاد اليومي أن يتحدث عن مستعربة كما هم حقاً!

الفرنسيون وتحت ضغط الصهاينة اتخذوا هذا القرار، ولو كان عندهم شيء من الإنصاف أو تطبيق بعض ادعاءاتهم في تطبيق الحرية لأوقفوا القنوات اليهودية لأنها هي من تحض على الكراهية والتمييز العنصري، لكنهم أغمضوا عينهم عن ذلك كله!

الفرنسيون اضطهدوا بعض كبار علمائهم لأنهم قالوا ما يعرفونه عن الصهاينة، واستخدموا ضدهم سلاح «السامية» وتناسوا دعواتهم للحريات العامة وأنها من أهم إجزاء ثقافتهم.

قناة «المنار» هي الأخرى تعرضت للحجب، ومثلها بعض القنوات الإسلامية وقد مارس بعض الأوروبيين والأميركان هذه المهمة والسبب هو السبب: هذه القنوات تدعو للكراهية! وكراهية مَنْ: الصهاينة المعتدون! ومرة أخرى... أين حرية التعبير عن الرأي؟!

عندما هوجم رسولنا الكريم ووصف بأبشع الصفات قالوا: هذه حرية رأي لا نستطيع منعها! ولكنهم يقتلون هذه الحرية عندما ينتقد البعض اليهود؟! الأميركان فصلوا «هيلين توماس» مع علو مكانتها لأنها طالبت اليهود أن يعودوا من حيث جاءوا، ولم يكتفوا بذلك بل شنوا هجوماً شنيعاً عليها! وتناسى القوم حديثهم عن حرية التعبير!

مجموعة من الكتاب الغربيين يطالبون باستمرار بعودة المهاجرين الذين يحملون الجنسيات الغربية إلى بلادهم الأصلية ولا أحد يتحدث عنهم أو ينتقدهم! «إسرائيل» تتحدث بصراحة عن نيتها طرد الفلسطينيين وهم أصحاب الأرض لكي تكون «إسرائيل» يهودية خالصة! ولم نسمع من دعاة الحرية الرسميين من شن عليهم حملات من أي نوع!

الشواهد كثيرة، وفي ظني أنها لن تتوقف ما لم يتحرك العرب والمسلمون لإيقافها.

مطلوب من الصحافيين ومن المسئولين في أجهزة الإعلام أن يضغطوا بقوة لإيقاف هذه الممارسات التي تتنافى مع أبسط قواعد حرية التعبير، ومطلوب من الفضائيات العربية أن تقف الموقف نفسه لأن ما أصاب تلك القنوات قد يصيبها في يوم ما... ومطلوب أيضاً معاملة بالمثل لكل من يسيء إلينا بأي صورة كانت.

كثيرون هم من يقفون ضد حرية التعبير إذا كانت لا تتفق مع مبادئهم، إسلاميين وغير إسلاميين، نشاهد هذا في القنوات الموصوفة بـ «الإسلامية» كما نشاهده في القنوات الموصوفة بـ «الليبرالية» وأيضاً أستطيع أن أقول الشيء نفسه في وسائل الإعلام الأخرى.

أتفق مع القول الذي يذهب إلى أنه ليست هناك حرية مطلقة، وأن الحريات يجب أن تكون منضبطة في إطار لا يسيء فيه أحد إلى أحد ظلماً ودون وجه حق.

لكن استغلال هذه الضوابط - عند من يراها - ينبغي عدم التوسع فيها بحيث تصل في نهاية المطاف إلى تقييد الحرية بصورة كبيرة لا تتفق مع أهميتها في تحسين حياة الناس.

إن ما فعلته فرنسا أو غيرها يعد خروجاً كبيراً على أبسط قواعد حرية التعبير التي أقرتها معظم القوانين والدساتير العالمية والتي يدعي أولئك القوم أنهم أهلها المنادون بها في كل مكان.

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2860 - الإثنين 05 يوليو 2010م الموافق 22 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً