العدد 2860 - الإثنين 05 يوليو 2010م الموافق 22 رجب 1431هـ

هل فعلاً تركيا تدفع أيَّ أثمان عنا؟

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

يجزم فهمي هويدي في مقالة نشرتها له الزميلة «الخليج» مؤخراً، أن تركيا تدفع الثمن نيابة عن العرب وعن تصالحها مع ذاتها وتضامنها مع الشعب الفلسطيني، وهنا يقصد تحديداً موقفها الذي تشكل إثر الاعتداء الإسرائيلي على «أسطول الحرية» لكسر حصار غزة والذي استشهد فيه تسعة من ركابه الأتراك، متوقعاً أن ما حدث يجعل الطريق ممهداً لانقلاب استراتيجي في الشرق الأوسط بسبب غياب مصر عن المشهد، منوّهاً إلى استيقاظ الضمير التركي منذ عدوان غزة في العام 2008، وموقف رجب طيب أوردغان تجاه شمعون بيريز في دافوس، وما أعقبه من إهانة للسفير التركي في تل أبيب.

تأسيساً على الوقائع السابقة وغيرها، يخلص هويدي إلى احتمالية تدهور العلاقات التركية - الإسرائيلية أيضاً وإعادة النظر في (59) اتفاقية بين البلدين بينها (16) اتفاقية عسكرية وأمنية تبلغ (7) مليارات ونصف المليار تسددها تركيا لإسرائيل، فضلاً عن صفقات شراء طائرات دون طيار و(1000) دبابة ومدرعة من طراز «ميركافا 35» بقيمة (5) بلايين دولار، ومشروع آخر مشترك لبناء صواريخ بقيمة (105) ملايين دولار وتحديث طائرات فانتوم ودبابات وتأهيل طيارين أتراك وتدريب طيارين «إسرائيليين» في الأجواء التركية وغيرها مما يتطلب السرية ولا يعلم عنه، بيد أن ثمة سؤال منطقي يفترض طرحه حتى عند تثمين الموقف التركي من المقاومة الفلسطينية وهو يتمحور حول بعدين سياسيين هامين هما:

- هل فعلاً تركيا تدفع أثمان لأجل خاطر عيون العرب والشعب الفلسطيني؟!

- وهل يمكن لتركيا كسر قاعدة Business is» Business» والتضحية بمصالحها الإستراتيجية الممتدة عقوداً من الزمن مع إسرائيل؟! ثم لماذا وكيف تمت الصفقات المشار إليها بالمليارات أصلاً؟

قبل الإجابة، وبرغم اتفاقي حول فرضية الانقلاب الاستراتيجي ودونما الإغراق في استنتاجات رغائبية بشأن تدهور العلاقات التركية/ الإسرائيلية، الأمر يتطلب مراجعة ما تضمنته التقارير وتناولته التحليلات السياسية التي تجيب على الأسئلة أعلاه وغيرها. فالتقارير بتعددها وتنوعها تبين أن شراكات تركيا وتحالفاتها مع أميركا وإسرائيل لم تعد كما كانت عليه منذ 90 سنة، وإنها الآن تحولت إلى قوة إقليمية دولية تحتل المرتبة (17) في الاقتصاد العالمي و(6 أوروبياً) مما يدفعها للحصول على موقع ودور متميز في النظام الدولي يتلاءم مع ما حققته إلى جانب الاعتراف بها كقوة كبرى واحترام مصالحها في الشرق تماماً كما حدث لدور البرازيل في أميركا اللاتينية وتايلاند وماليزيا في جنوب شرق آسيا، هنا الكاتب سعد محيو يرى أن هذا ليس موقف أوردغان فقط، بل إنه يمثل إجماع النخبة التركية من عسكريين، ومدنيين يساراً ويميناً، علمانيين وإسلاميين، وأن أوردغان نفسه لا يريد الوصول إلى محصلة تدفعه إلى العداء السافر مع الغرب، ولا إلى المراهنة بخسارة الموقع الاقتصادي الذي حققه، فتركيا لن تكتمل قفزاتها التنموية لو انفصلت عن الغرب وأدارت له الظهر، ناهيك عن أن جيشها لن يقبل الوصول إلى هذه المرحلة بسهولة وهو واقف بالمرصاد لأرودغان. بالطبع ما يظنه محيو خلاف ما يظنه هويدي من أن نفوذ الجيش العلماني قد تقلص ولم يعد بالقوة التي كان عليها سابقاً بسبب تراجع دوره في مجلس الأمن القومي وبسبب تورط بعض قادته وعناصره في التنظيم السري الانقلابي الذي أثر على رصيده مؤخراً، وإذا كان ما يظنه هويدي صحيحاً، فالصحيح أيضاً أن الإقرار بضعف الجيش التركي يعني التقليل من قوة تركيا إقليمياً وما يمكن أن تلعبه من دور في الشرق.

وإن اتفقنا مع القول أن تركيا تصالحت مع ذاتها وتبنت الدفاع عن الشعب الفلسطيني وحتى من بعد إنساني بسبب غياب مصر عن المشهد السياسي العربي وتحمل مسئوليتها القومية، إلا أن ثمة شبه إجماع عند المحللين السياسيين على اختلاف منطلقاتهم أن هناك أولاً وتالياً مصالح إستراتيجية مشتركة بين تركيا وأميركا وإسرائيل تتعلق بطبيعة النظام الاقتصادي والأمني لهم، بل وما تبتغيه أنقرة حالياً وكما ورد في التحليلات هو بالضبط ما يحقق المصالح الأميركية المتمثلة في رغبتها باستقرار الشرق الأوسط وتوسيع مجال أسواقها اقتصادياً والحفاظ على قوة واشنطن الراهنة المسيطرة على النفط والنفوذ بالمنطقة، الأهم من هذا وذاك لم نتلمس حتى هذه اللحظة مؤشرات تشي بمناصبة تركيا العداء للغرب، بل استمرارية سعيها الدؤوب إلى التأورب حتى وهي تحت قيادة الإسلامي أردوغان. هذه حقائق يستدعي النظر نحوها بجدية وعقلانية حين الجزم أن تركيا تدفع أثمان هزائمنا وتخاذلنا تجاه قضايانا الوطنية.

وحتى لا تأخذنا حموة اللحظة والحماس بعيداً عن الواقع، من المهم النظر إلى جانب آخر إضافي له بعد تاريخي محفور في الوجدان العربي والتركي، فكما هو مدرك أن العلماني الإصلاحي أتاتورك حقق لبلاده الاستقلال وصار «أباً للأمة»، وأصبح كما يفيد أمين معلوف في كتابه (اختلال العالم، الفارابي، بيروت 2009، صفحة 111-118)، يتمتع بولاية مديدة قولب فيها تركيا والأتراك على هواه، فشرع بالقوة بوضع حد للأسرة الملكية العثمانية، وألغى نظام الخلافة ونادى بفصل الدين عن الدولة وأقام علمانية صارمة، وطلب من شعبه أن يتأورب، واستبدل الأبجدية العربية بالإنجليزية اللاتينية، وأجبر الرجال على حلق لحاهم والنساء على نزع حجابهن، ومشى شعبه وراءه، تركه يخلخل العادات والمعتقدات لأنه أعاد إليه كبرياءه وكرامته من الاستعمار حتى وإن بدا طاغية، إلا أنه أسس الدولة الحديثة التي تتمتع بالقوة الاقتصادية الآن، وحتماً الشعب التركي لن يتخلى الآن الحداثة، حتى وإن اتجه نحو البحث مجدداً عن هويته الإسلامية.

يضيف معلوف أيضاً أن انفجار السلطنة العثمانية في الحرب العالمية الأولى أشبه بطلاق بين رعايا السلطان العرب ورعاياه الأتراك. فيوم رفع هاشميو مكة راية الثورة سنة 1916 بتحريض من الإنجليز، كان أحد أهدافهم المعلنة هو استعادة مقام الخلافة الذي كان يتجلبب به سلاطين بني عثمان على مدى (400 سنة)، وبعد أن انعتق العرب من نير العثمانيين، أمسوا قادرين على استعادة أمجادهم، وصار لدى القوميين الأتراك مشاعر نقمة مماثلة، كانوا يقولون: إذا عجزنا عن التقدم، فذلك لأننا نجرّ العبء العربي الثقيل منذ قرون، آن الأوان للتخلص من تلك الأبجدية المعقدة، والتقاليد البالية والذهنية الهرمة، بل كان بعضهم يضيف بصوت خافت: بل من هذه الديانة. «يريد العرب أن ينفصلوا عنا؟ حبذا هذا الأمر! سنرتاح منهم! فليذهبوا عنا!»، فالطلاق المصحوب بالمرارة برأيه كان انفصالاً بين الأجساد والنفوس في آن.

إذن، تركيا ومن المعطيات السابقة لا تدفع أثماناً عن العرب، برغم شجاعة أبنائها وتضحيات من لم تنشفْ دماؤهم بعد على متن «سفينة الحرية» التي حاولت كسر حصار غزة وهجم عليها البرابرة الصهاينة في المياه الدولية، ذلك لأن تركيا النظام تسعى لممارسة دور في المنطقة يستند إلى مصالح إستراتيجية يحقق لها وضعاً ندياً تنافسياً مع القوى الدولية، فضلاً عن منافع لشعبها وتقدماً اقتصادياً وهيبة سياسية وأمنية إقليمية وعالمية، والتحدي للنظام الرسمي العربي يكمن هنا في الإجابة على السؤال:

- كيف يتعاطى هذا النظام مع كل ما يحدث؟

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 2860 - الإثنين 05 يوليو 2010م الموافق 22 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 9:57 ص

      شاهد

      الى زائر رقم(2) و (3) عليكم ان تتصفحو صحيفه القدس العربي لليوم ، وتقرأون المقال الاخير و المقال الخامس قبل الاخير . اذا مكن لتروا انفسكم كيف انتم لا تعقلو ن او انتم حاقدون او انتم لا ترون ضوء الشمس في قصور في نظركم

    • زائر 6 | 9:49 ص

      عبد علي البصري

      الى زائر رقم (3) الامام الخميني ومن اول يوم وصل الى طهران قال الموت لامريكا الموت لاسرائيل واستبدل السفاره الاسرائيله في طهران بسفاره فلسطينيه يوم لا سفاره لفلسطين العالم العربي والسلامي . وهي مازالت تتحمل الحصار والحرمان من اجل فلسطين ، وانت تقول طنطنه يا للخيبه ؟!! انتم الآن كما كنتم من قبل جد الامام الخميني الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم . تخافون ان يتخطفكم الناس من حولكم ، اذله خاسئين .

    • زائر 5 | 9:44 ص

      عبد علي البصري

      الى زائر رقم (2) الكذب وبالخصوص في كتابه الاحداث ؟ غريب أمركم يا عرب تحبون التدليس كما احدثتم في تاريخكم تريدون ان تحدثو في واقعكم . الواقعه لم يمضي عليها اكثر من شهرين !!، وهاأنتم تعمون . تركيا قدمت العديد من الشروط لاعادت العلاقات الى مجراها الطبيعي من بينها فك المحصار ، ودولتكم مصر تحاصر وتلعب بأعصاب الحماسيين مره تفتح ومره تغلق حسب رياح السياسه وأحداث المنطقه فهي كلما رأت بوادر الى فتح الحصار بسرعه هي تقوم بفتح المعبر .

    • زائر 4 | 3:51 ص

      مقال معقول و لكنه ناقص

      تحياتي للجميع. مقالات تفسير تصرفات الدول بالمصالح معقولة جدا و إلى حد بعيد. و الأرقام الواردة في هنا عن حجم التعاون وكمية العقود والاتفاقات السرية و العلنية يهول أي قارئ. لكن لم يرد في هذا المقال و لاكثير من المقالات مثله أي موقف أو توصية للعمل. نعم الدول تعمل لمصالحها ولكن أين مصالحنا نحن؟ يبدو الهدف من هذه المقالات و التحليلات المضادة هو (هل نحب تركيا أم لا نحبها) (هل نطمئن لإيران أو الغرب أو أمريكا و نواليها أم لا) حبذا للمقالات هذه عرض طرق الاستفادة من هذه الفرص و استثمارها بدل ذلك

    • زائر 3 | 2:58 ص

      الكلام ينطبق على جمهوري اسلامي ايران

      فتركيا وعت للعبة و علمت بأن المفتاح لقلوب الشعوب العربية هو ... احزر؟ فلسطين صح ... و هذا ما كانت تطنطن به ايران منذ ثلاثين سنة... يوم قدس عالمي و مهرجانات لدعم المقاومة و مساعدات مالية و عسكرية و انتهى الموضوع ... في النهاية فلسطين هي تجارة لا تبور في منطقتنا العربية.. قل الموت لإسرائيل و الجماهير ستصفق لك و تهلل و تكبر! لا يهم ماذا فعلت على أرض الواقع و لكن الأهم هو أنك خطفت الأضواء و أسرت القلوب و أقنعت العقول بأنك المسيح يسوع و المهدي الموعود!

    • زائر 2 | 12:43 ص

      ما حك جلدك مثل ظفرك,, فتولّ أنت جميع أمرك

      صدق الشاعر الذب قال هذا البيت ,, فلا تركيا ولا غيرها يقاتل عنكم ياعرب ومادمتم هكذا فإبشروا بالويل والثبور وعظائم الأمور ,, لتركيا كما لغيرها مصالح تدافع عنها,, وإعلانها صريح ,, مطلوب الإعتذار والتعويض عن القتلى ((الأتراك)) وإن ذُكر الفلسطينيون فعلى الحاشيه ,,ولكن اللب هم الأتراك ,, هذه سياسه يعني مصالح وهي لعبة لا يفهمها العرب العاطفيّون , كلمه إتوديهم وكلمه إتجيبهم,, نعم شاطرين لرفع الشعارات ,, وبعدها ,, لا شيء,, وكأنهم يأخذون بأضعف الإيمان ,,,

    • زائر 1 | 11:48 م

      الغرب

      مقالة ممتازة وواقعية للأحداث .. الخلاصة ان تركيا تريد ان تساعد الفلسطينيين في إنهاء المقاطعة الإسرائلية لكن لن تضحي بالغرب في سبيل الشرق ...

اقرأ ايضاً