العدد 2866 - الأحد 11 يوليو 2010م الموافق 28 رجب 1431هـ

مؤتمر المراجعة النووية وتحية للدبلوماسية المصرية

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

لقد عقد مؤتمر المراجعة الدورية لمعاهدة منع انتشار الأسلحة النووية في 3 مايو/ أيار 2010 بنيويورك، وحضرته الدول الأطراف في المعاهد، وهو المؤتمر الذي يعقد كل خمس سنوات لاستعراض ما تحقق، وما تم إنجازه، وما لم يتحقق، والعقبات التي حالت دون ذلك.

وكان واضحاً أن ثمة خلافات جوهرية طرأت على مواقف الأطراف، فمن ناحية الولايات المتحدة حدث تطور في موقفها منذ تولي الرئيس باراك أوباما السلطة، وأصبح هدف نزع السلاح النووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل، وخصوصاً الصواريخ، هدفاً رئيسياً من أهداف سياستها الخارجية. ولهذا عقدت مؤتمر قمة للأمان النووي في واشنطن في أبريل/ نيسان 2010 كما وقعت اتفاقية ستارت الثانية مع الاتحاد الروسي قبل المؤتمر بأيام، وهذه خطوة رئيسة وأن كانت صغيرة في مجال تحقيق هدف نزع السلاح الشامل على المستوى العالمي، وهو هدف ليس سهل المنال، وكما يقول المثل الصيني إن «مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة».

ولا يمنع المقام لاستعراض ما تحقق في مؤتمر المراجعة للعام 2010، ولكن يهمني التركيز على خطوة هامة تتعلق بالشرق الأوسط، والتي خصصت لها الوثيقة النهائية البند الرابع بعنوان «الشرق الأوسط وخاصة تطبيق قرار العام 1995 حول الشرق الأوسط» وهو العام الذي تم فيه اتخاذ قرار بالمد اللانهائي لمعاهدة منع الانتشار النووي، ولكي يتحقق التوافق حول هذا التوجه آنذاك، وافقت الدول على مطلب مصر مؤيدة من الدول العربية، وكثير من الدول النامية، على العمل من أجل جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي، ودعوة إسرائيل للانضمام لمعاهدة منع الانتشار. ولكن هذا القرار رغم إعادة التأكيد عليه في مؤتمرات المراجعة التالية واجه ثلاث عقبات.

الأولى: رفض إسرائيل الانضمام لمعاهدة منع الانتشار النووي.

الثانية: الموقف الأميركي المؤيد لإسرائيل والرافض لأية وسيلة للضغط عليها.

الثالثة: عدم وجود آلية محددة وواضحة لتنفيذ قرار العام 1995.

ولكن مؤتمر المراجعة للعام 2010 حقق خطوة هامة في سبيل تطبيق قرار العام 1995 بإيجاد هذه الآلية، وباتخاذ خطوات عملية وتنفيذية لذلك والحصول على موافقة الأطراف المتعاقدة كافة وبخاصة للولايات المتحدة على هذه الخطوات، والتي تتمثل في قرار عقد مؤتمر العام 2012 تحضره جميع الأطراف الإقليمية، ويتم الإعداد لذلك بالتعاون والتشاور من قبل الأمم المتحدة والدول المتبنية لقرار العام 1995 والتي من بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا وهي الدول الوديعة للمعاهدة. ومن ناحية أخرى قرر المؤتمر أن يتم تعيين «مسهل Facilitator» وأن يقوم الأمين العام للأمم المتحدة والدول الراعية لقرار العام 1995 بتعيينه بالتشاور مع دول المنطقة. ويتولى هذا المسهل إجراء مشاورات مع دول المنطقة حول الإعداد لعقد مؤتمر العام 2012 والمساعدة في تنفيذ خطوات المتابعة التي تتفق عليها الدول الإقليمية المشاركة في مؤتمر 2012، وبقديم تقرير عما يحدث في المؤتمر إلى اللجنة التحضيرية لمؤتمر المراجعة للعام 2015.

هذا باختصار شديد خلاصة القرار المتعلق بالشرق الأوسط في مؤتمر المراجعة العام 2010. ولكن صدور هذا القرار كان صعباً للغاية وإن ساعدت عدة عوامل في التوصل إليه.

الأول: حدوث تغير في مواقف وأساليب الإدارة الأميركية الجديدية وأهدافها مما جعلها تجد ذاتها في موقف صعب إذا عارضت صدور مثل هذا القرار حيث كان سيوجه لها الاتهام بالخضوع لإرادة إسرائيل والكيل بمكيالين وخروجها عما يشبه الإجماع الدولي، بل تناقض موقفها ذاته بين الدعوة لعالم خالٍ من السلاح النووي وبين معارضة هذا القرار. وفي النهاية خضعت للتوجه الصحيح المعبر عن إرادة المجتمع الدولي، ومع ذلك حاولت الولايات المتحدة تخفيف صبغته وقد أكد المؤتمر على مطالبته إسرائيل بالانضمام لمعاهدة منع الانتشار النووي ووضع كافة منشآتها النووية تحت الضمانات الشاملة للوكالة الدولية للطاقة الذرية وهذا في إطار تأكيد المؤتمر على أهمية تحقيق العالمية للمعاهدة.

الثاني: استمرار التعنت الإسرائيلي ليس فقط تجاه موضوع الانتشار النووي ورفض الانضمام لمعاهدة منع الانتشار بل حتى رفض الالتزام باتفاقيات السلام خاصة المعقودة مع الفلسطينيين والتي تكاد تكون حبراً على ورق فضلاً عن عمليات القمع الوحشية للفلسطينيين في الأراضي المحتلة رغم أنهم مسئولون جزئياً عما يحدث لهم بسبب انقسامهم وتفرقهم، ولكن هذا لا يعفي إسرائيل من التزاماتها الدولية كدولة احتلال وفقاً لاتفاقيات جنيف وغيرها من مواثيق حقوق الإنسان في هذا الصدد. هذا التعنت الإسرائيلي ضد الفلسطينيين أسقط حجتها بأن السلام هو الذي يقود لجعل المنطقة خالية من السلاح النووي وليس العكس وأدى ذلك لمساندة الدول الأخرى للموقف المصري.

الثالث: قيادة مصر لحركة عدم الانحياز ولمجموعة الأجندة الجديدة ونشاطها الدبلوماسي عبر التكتلات الدولية بحكمة واقتدار وعقلانية تحسب لصالح السياسة المصرية بقيادة الرئيس حسني مبارك الذي كان حريصاً على المتابعة اليومية لأعمال المؤتمر، وتحركات واتصالات ومفاوضات وفد مصر برئاسة ماجد عبدالفتاح المندوب الدائم في نيويورك الذي قاد مفاوضات مكثفة مع مختلف الدول والتكتلات الدولية وقام بدور ثلاثي الأبعاد: رئاسة حركة عدم الانحياز، عضوية مجموعة الأجندة الجديدة، والتنسيق المصري مع الدول العربية والإسلامية. ولذا يمكن القول بحق إن الدبلوماسية المصرية في ذلك المؤتمر عبرت عن أعرق تقاليد مصر في العمل المتعدد الأطراف، وفي منهج العمل الجماعي للوفد الذي ضم معظم خبراء مصر بتوجيهات الوزير أحمد أبوالغيط صاحب الخيرة في المنظمات الدولية.

وهذا يذكرنا بالدور المتميز لمصر في نجاحها في التحكيم حول طابا بقيادة وزير الخارجية آنذاك الدكتور عصمت عبدالمجيد وكان مليمتر والتنسيق اليومي السفير القدير الدكتور نبيل العربي والذي قاد فريقاً مصرياً ضم بين أعضائه عدداً من خبراء القانون الدولي وكان بينهم الدكتور مفيد شهاب أستاذ القانون الدولي، وكذلك المؤرخ المرحوم يونان رزق وغيرهما من أفذاذ وعلماء مصر في الدبلوماسية والقانون والجغرافيا والتاريخ والعسكرية، وكل ذلك بمتابعة مستمرة من الرئيس مبارك ولهذا تحقق النجاح.

وتجارب عديدة لعل من أبرزها نجاح مصر في اقتحام قناة

السويس وتحقيق العبور في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973 بقيادة الرئيس السادات، ونجاحها في بناء السد العالي في عهد الرئيس جمال عبدالناصر وغير ذلك كثير، وهذا يدل على أن لدى مصر كفاءات عظيمة في مختلف المجالات، ويسكن الاستفادة بها لتحقيق المعجزات إذا نظمت في أطر واضحة، وفي عمل جماعي، ومن ثم يمكن حل الكثير من مشكلات مصر والصين بدورها انطلقت في معراج التقدم وحققت معجزة تنموية باستدعاء الموارد والخبرات الصينية من مختلف دول العالم، وإعطائها دورها في العمل الوطني، وهذا ما ينبغي أن تقتدي به مصر أسوة بما فعلته في مناسبات عديدة.

ولقد عدد للتو من فرانكفورت حيث شاركت بصفة شخصية في ورشة عمل بحثت فكرة جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من الصواريخ، ودعا لها معهد فرانكفورت لأبحاث السلام، ولمست إشادة مختلف الخبراء من العديد من الدول بما تحقق في مؤتمر المراجعة بنيويورك، ونور وفد مصر في هذا للصدد، وقام العديد من الخبراء بتقديم التهنئة للوزير المفوض سامح أبوالعينين لمشاركته ضمن وفد مصر في ذلك المؤتمر. وشعرت بصفتي مصرياً ودبلوماسياً بأن أجيال مصر الدبلوماسية والسياسية بل في شتى المجالات بخير وهم فقط ينتظرون تنظيم الاستفادة بهم.

وقد أشار قرار المراجعة لدور المجتمع المدني في مجال نزع السلاح وهنا أود التنويه لدور للسفير محمد شاكر رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية أثناء اجتماعات مؤتمر المراجعة بنيويورك وهو عضو في العديد من المنتديات المدنية وسبق له أن ترأس مؤتمر المراجعة النووية.

هذه رسالتي لمن يريد أن يعرف قدر مصر ومكانتها وإمكانياتها الراهنة والمستقبلية، ولمن يتحدثون عن ضياع دور مصر تقول إن دور مصر باقٍ ومستمر وإن كان بأسلوب مختلف وعليها الاستفادة من كوادرها وخبرائها وعلمائها.a

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2866 - الأحد 11 يوليو 2010م الموافق 28 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً