العدد 2887 - الأحد 01 أغسطس 2010م الموافق 19 شعبان 1431هـ

مبادرة الحكم الذاتي وقضية الصحراء...

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

منبر الحرية

إدريس لكريني - كاتب مغربي، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org» 

أمام الوضعية المأزومة والحرجة التي وصل إليها ملف قضية الصحراء، نتيجة استحالة تطبيق خيار الاستفتاء، وازدياد المخاوف من انهيار اتفاقيات وقف إطلاق النار المبرمة بين الجانبين (المغرب والبوليساريو) وإمكانية اندلاع مواجهة عسكرية بين الطرفين من جديد، وذلك بعد استقالة مبعوث الأمين العام الأممي المكلف بملف القضية «جيمس بيكر»، كان من اللازم والضروري البحث عن سبل جديدة تمكن من إيجاد حل يحظى بموافقة الطرفين.

فالأمم المتحدة لم تخف رغبتها في الإسراع لإيجاد حل لهذه المعضلة التي كلفتها كثيراً من الوقت والإمكانات، كما أن بعض القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة وبعض دول أوروبا، ومن باب اهتمامها بالموقع الاستراتيجي للمنطقة وتنوع مكوناته الاقتصادية، أصبحت مقتنعة تمام الاقتناع بأن مكافحة ما تسميه «إرهاباً»، يتطلب احتواء مناطق التوتر ومواجهة الانفلاتات الأمنية وبخاصة بعد ظهور «قاعدة المغرب الإسلامي» وتمركزها في المنطقة.

وبخاصة وأن هذه الأخيرة توجد على مقربة من أوروبا وقبالة القارة الأميركية وبمحاذاة منطقة إفريقيا جنوب الصحراء، المعروفة بتوتراتها ومشاكلها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

في ظل هذه الأجواء التي طبعها الجمود، قام المغرب بطرح مبادرة الحكم الذاتي، كاقتراح يستلهم عمقه من تجارب ومقاييس دولية عديدة متعارف عليها في هذا الشأن.

والحكم الذاتي هو نظام يستمد مقوماته من القانون الدستوري للدول، اعتمدته العديد من الدول كسبيل لتحقيق التنمية ولتدبير بعض الاختلافات العرقية أو الثقافية، داخل بعض الأقاليم، عبر منحها استقلالاً لممارسة مجموعة من الصلاحيات في إطار لامركزية سياسية، تحت إشراف السلطة المركزية، الأمر الذي يجعل منه حلاً توفيقياً يوازن بين مطالب الاستقلال من جهة ومطالب فرض السيادة الكاملة من جهة أخرى.

إن الممارسة الدولية تحفل بتجارب نموذجية رائدة في هذا الشأن، سواءً داخل الدول البسيطة كفرنسا وإسبانيا، أو المركبة كبريطانيا وألمانيا، والتي أثبتت نجاعتها على مستوى تدبير العديد من الصراعات الإقليمية أو العرقية المزمنة وتحقيق التنمية.

وإذا كان المغرب كدولة بسيطة قد اختار اللامركزية في بعدها الإداري منذ عدة سنوات، فإنه من خلال هذا المقترح يحاول توسيع وتطوير هذه اللامركزية الإدارية إلى لامركزية سياسية في هذه المنطقة.

وتشير المبادرة ضمن مقتضياتها إلى أن المغرب «يكفل من خلالها لكافة الصحراويين مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيداً عن أي تمييز أو إقصاء»، كما أن الفقرة 27 منها تنصّ على أنه: «يكون نظام الحكم الذاتي للجهة موضوع تفاوض، ويطرح على السكان المعنيين بموجب استفتاء حر، ضمن استشارة ديمقراطية».

وجاء أيضاً في المادة 28 من المشروع أنه سيتم «مراجعة الدستور المغربي وإدراج نظام الحكم الذاتي فيه، ضماناً لاستقرار هذا النظام وإحلاله المكانة الخاصة اللائقة به داخل المنظومة القانونية للمملكة».

ويبدو أن نظام الحكم الذاتي المقترح في حالة الموافقة عليه، سيطبق في المنطقة بشكل خاص، حيث سيستثني باقي المجال الترابي الذي سيظل خاضعاً للقواعد الإدارية القائمة (الجهوية، اللامركزية، اللاتركيز).

ويلاحظ أن المشروع لم يتحدث بتفصيل عن محددات الحكم الذّاتي، بقدر ما حدّد توجّهاته العامة، وهو وإن كان يحرص على سيادة المغرب في الأقاليم الصحراوية، من خلال احتفاظ الدولة بمجموعة من الصلاحيات السيادية المرتبطة بالعلم والنشيد الوطني والعملة والاختصاصات الدستورية والدينية للملك والدفاع والعلاقات الخارجية، فهو ينصّ على مجموعة من الصلاحيات الحيوية والمهمة التي ستخول للسكان، مع تخصيص مجموعة من الموارد المالية، بما سيضمن للساكنة هامشاً مهمّاً لتدبير شئونهم المحلية، عبر مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية خاصة.

كما أنه تضمن عدداً من الركائز والمقتضيات التي تحرص على صيانة حقوق وحريات الساكنة، وتضمن ممارستها. ويلاحظ أيضاً أن المشروع أشار بشكل مكثف ضمن فقراته إلى التفاوض، فهو يتأسس في جزء كبير منه على الحوار، حتى أنه لم يشر بتفصيل مدقق إلى الاختصاصات التي ستخول للسكان في هذا السياق، ويبدو أن واضعي المشروع كانوا على وعي بهذا الأمر، وذلك لإتاحة الفرصة في هذا الصدد لما قد يتم بلورته من معطيات ومقترحات تفصيلية ستثريه وتعززه، من خلال المفاوضات المباشرة بين الطرفين.

ومن ناحية أخرى، حاول المقترح المغربي استحضار الخصوصيات الاجتماعية والثقافية للمنطقة في كثير من بنوده (الفقرات 12 و19 و22 و25 و26 من المشروع).

كما نص على إمكانية عرض الصيغة النهائية المتفاوض بشأنها منه على استفتاء حرّ أمام السكان، كشكل من أشكال تقرير المصير الذي يستمدّ أساسه من الميثاق الأممي (الفقرة الثانية من الفصل الأول) وقرار الجمعية رقم 1415.

ويبدو هذا الطرح موضوعياً وواقعياً إذا ما استحضرنا أن العديد من المبادئ التي أقرّها القانون الدولي من قبيل عدم التدخل في الشئون الداخلية والمساواة في السيادة. تطورت ولم تعد بالقداسة والصرامة التي كانت عليها سابقاً، نتيجة لمجموعة من التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي أفرزها تطور العلاقات الدولية في العقدين الأخيرين. فهي (التحولات) تتيح التعامل مع مبدأ تقرير المصير بنوع من المرونة والواقعية؛ لأن الحكم الذاتي يمكن أن يشكل امتداداً لتقرير المصير، إذا ما مورس الحكم الذاتي في إطار ديمقراطي وضمن اختصاصات حيوية ومهمة.

ولعل هذا ما دفع المبعوث الأممي السابق إلى الصحراء «فان فالسوم» الذي تابع تطورات الملف ووقف على خلفياته لأكثر من ثلاث سنوات، إلى التعبير صراحة في تقريره المقدم إلى مجلس الأمن عن عدم واقعية إنشاء كيان مستقل في الصحراء.

إن الانفصال هو أحد المظاهر المتعددة لحق تقرير المصير؛ لأن هناك سبلاً أخرى تجد أساسها في القانون الدولي بإمكانها تحقيق أهداف وغايات هذا المبدأ، والحكم الذاتي يعد من أهم هذه المظاهر الناجعة، وتبدو موضوعية هذا الطرح في ضوء الحقائق والوقائع التي تجسدت في المنطقة على امتداد أكثر من ثلاثين سنة.

لقد لقي المشروع استحساناً كبيراً من قبل مجموعة من دول العالم، بما فيها بعض القوى الدولية الكبرى كالولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا. وهو استحسان يترجم الشعور بواقعية وموضوعية هذه المبادرة، وبخاصة وأن المجتمع الدولي أصبح أكثر وعياً واقتناعاً بأهمية وضرورة حسم هذا المشكل الذي أضحى من بين أقدم النزاعات التي خلفتها مرحلة الحرب الباردة، وكلّف شعوب المنطقة والمنتظم الدولي الكثير، كما أن مجلس الأمن أشاد بدوره بهذه المبادرة واعترف بجديتها، بل إن المجلس في قراراته التي أعقبت طرح المبادرة (القرار1754 بتاريخ 30 أبريل/ نيسان 2007 والقرار 1783 بتاريخ 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2007، والقرار 1813 بتاريخ 30 أبريل 2008، والقرار 1920 بتاريخ 30 أبريل 2010)، وإن أشار إلى التزامه بمساعدة الطرفين على التوصل إلى حل سياسي عادل ودائم «يكفل لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره»، فقد ظلّ يؤكد أهمية التفاوض بين الطرفين وعلى ضرورة بلورة حل مقبول لدى الطرفين.

إن استمرار التوتر في هذه المنطقة الحيوية لن يكون في صالح أي طرف، فخيار التسوية السلمية والبحث عن حل واقعي مقبول لدى الطرفين يفتح آفاقاً واسعة من التنسيق والتعاون، تفرضه التحديات الدولية الراهنة التي تؤكد يوماً بعد يوم أن مناطق التوتر والصراع تفرز تداعيات اجتماعية وسياسية واقتصادية خطيرة تتجاوز الحدود.

ومعلوم أن المشكل فوت فرصاً عديدة على المنطقة المغاربية برمتها، فهو أثر بشكل سلبي ملحوظ في مسيرة المغرب العربي في زمن أصبح فيه التكتل أمراً ملحاً، وأسهم في تنامي المشاكل بين المغرب والجزائر، كما كانت كلفته الاقتصادية على دول المنطقة ضخمة جدّاً.

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 2887 - الأحد 01 أغسطس 2010م الموافق 19 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً