العدد 289 - السبت 21 يونيو 2003م الموافق 20 ربيع الثاني 1424هـ

قانون تنظيم الصحافة والطباعة البحريني نموذجا

حرية النشر والتعبير غائبة في العالم العربي

خالد علي أحمد comments [at] alwasatnews.com

.

صدر بتاريخ 23 اكتوبر/تشرين الأول 2003 مرسوم بقانون رقم (47) بشأن تنظيم حرية الصحافة والطباعة والنشر وبموجب المادة (94) منه فقد تم صراحة الغاء المرسوم بقانون رقم (14) لسنة 1979 بشأن المطبوعات والنشر.

لاشك في ان هذا القانون وضع قيودا كثيرة على الصحافة بشكل خاص ما حدا بالكثيرين من اصحاب المهنة أن يرفضوه ومنهم من وصفه بانه غير دستوري ومنهم من وصفه بانه قانون لا يختلف في مضمونه عن مضمون قانون أمن الدولة.

وفي هذا المقال نود ان نبين كيف تمت صياغة هذا المشروع، وهل التزم المشروع بأصل الحق عندما صاغ هذا المشروع، ام انه خرج عن اصل الحق.

هل هناك فرق بين الصحافي وغير الصحافي؟

تنص المادة (23) من دستور 2002 على أن (حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة ولكل انسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول او الكتابة او غيرهما وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون مع عدم المساس بأسس العقيدة الاسلامية ووحدة الشعب وبما لا يثير الفرقة او الطائفية). كما تنص المادة (24) من دستور 2002 ايضا على انه (مع مراعاة حكم المادة السابقة تكون حرية الصحافة والطباعة والنشر مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون). من قراءة نص المادتين السابقتين يتبين ان الدستور اورد في المادة (23) نصا عاما لحرية الرأي بينما اوردت المادة (24) منه نصا خاصا يتعلق بحرية الصحافة والطباعة والنشر. والسؤال هو: هل الصحافي يتمتع بحرية أوسع وأشمل من الشخص العادي ام ان الكل سواء؟ ان ورود نص، في الدستور خاص بحرية الصحافة والنشر قد يجعل الذهن يظن بأن الصحافي يتمتع بحرية اوسع من غيره من الافراد. وهذا اعتقاد خاطئ لان ورود النص الخاص بحرية الصحافة هو لتأكيد شمول الصحافي مع غير الصحافي في الحرية او في الادانة. ولو افترضنا ان الدستور لم يفرد نصا خاصا للصحافي واكتفى بنص المادة (23) فقط لأمكن القول بان الصحافي له مطلق الحرية فيما يكتبه وينشره بلا معقب. من هذا المنطلق فان الصحافي تسري عليه عقوبات جرائم السب والقذف وغيرها اضافة إلى جرائم الصحافة الاخرى.

وعلى هذا فالصحافي ليس استثناء بموجب الدستور والقانون وانما تحكم هذه المسألة الاحكام القضائية وتقدير القاضي والتي من شأنها ان توسع او تضيق من حرية الصحافي بحيث تعترف هذه الاحكام بانه من الاهمية بمكان ان يعطى الصحافي هامشا اوسع من النقد مما يسمح به للافراد العاديين لان للصحافة دورا اجتماعيا مهما، وعلى عكس ذلك هناك احكام تصدر عن القضاة تحد وتضيق من حرية الصحافي وتجعله كالشخص العادي ولا تولي اهتماما بهامش ولو قليل من الخصوصية التي يتمتع بها الصحافي.

السلطة التقديرية للمشرع

ان الدساتير العربية في مجملها خولت المشرع العادي القيام بصوغ التشريع وفق ما يراه، فاذا قرر الدستور بان حرية الصحافة والنشر والطباعة مكفولة وفقا للشروط والاوضاع التي يبينها القانون، فان عبارة (وفقا للشروط والاوضاع التي يبينها القانون) هي عبارة صريحة تفيد بان حق المشرع في وضع القانون حق مطلق غير مقيد بقيد سوى ان يكون القانون هو أداته في ممارسة هذا الحق.

فالمشرع هنا عندما يضع القانون لا يخالف النص الدستوري ولكنه يكون ضمن السلطة التقديرية التي منحها اياه الدستور.

وعلى هذا، فالدستور هو الذي يحدد لكل سلطة من السلطات العامة اختصاصاتها، فالمشرع العادي من المفترض ان يضع التشريع ضمن النطاق المحدد له دستوريا وعندما يمنح الدستور المشرع العادي هذه السلطة فيعني ذلك انها تترك له حق اتخاذ القرار.

وفي هذا يقول عادل الطبطبائي «ان ممارسة السلطة للمشرع تتوقف على عدة عوامل:

اولا: ان المشرع الدستوري قد يغفل عن تنظيم مسألة ما ففي هذه الحال يملك المشرع العادي سلطة تقديرية واسعة في العمل ولكنها ليست سلطة تحكمية او بغير حدود وانما يلتزم بحدود النظام الدستوري بمجمله واحترامه وعدم الخروج عليه والتوافق مع مبدأ الشرعية بوجه عام.

ثانيا: ان المشرع الدستوري قد يترك للمشرع العادي حرية الاختيار بين حلين او اكثر فهنا يملك المشرع العادي سلطة تقديرية عند قيامه باختيار احد الحلول ولكن ضمن الحدود الدستورية.

ثالثا: ان حرية المشرع العادي في اختيار مضمون التشريع الذي يسنه وتحديد الاهداف التي يسعى إلى تحقيقها من خلاله تكون مقيدة في حدود التنظيم الدستوري الا ان هذه الحدود تبقى نظرية طالما لا توجد جهة قضائية تتولى فحص مدى التزام المشرع لحدود التنظيم الدستوري المحدد له، فاذا لم توجد جهة قضائية تراقب المشرع العادي فانه يستطيع ان يضع القانون من دون ان يخضع لمدى اتفاقه مع احكام الدستور.

رابعا: ان النصوص الدستورية تصاغ بشكل عام ومرن تسمح بقدر اكبر من الاختيار فهنا تكون المنطقة التي يعمل فيها المشرع اكثر اتساعا، فالدستور لا يحدد في الغالب موضوع العمل التشريعي وأهدافه والاسباب الدافعة اليه وانما يترك ذلك للمشرع العادي وهنا يجد القاضي نفسه ملزما باحترام خيار المشرع طالما كان ضمن حدود التنظيم الدستوري ولا يتعارض معه».

اما عبدالحميد متولي فانه يرى ان المشرع متى خول من قبل الدستور تنظيم حرية من الحريات فان له بمقتضى هذا التخويل ان ينتقص منها لان من له حق التنظيم لاحدى الحريات له حق وضع القيود على ممارستها والقيود تتضمن دون شك انتقاصا من هذه الحرية. فاذا ما قرر دستور من الدساتير ان يترك للمشرع العادي حق تنظيم الحرية فان المشرع ليس عليه من الناحية القانونية سوى قيد قانوني واحد وهو عدم الغاء هذه الحرية اما ماعدا ذلك من قيود فلا تعتبر سوى قيود سياسية ضمنية يرجع فيها إلى البرلمان تحت رقابة الرأي العام وحده.

أين يكمن الخلل؟

بعد ان ادركنا جيدا من خلال ما سبق بيانه ان الدستور متى ما اطلق يد المشرع في وضع التشريع فان للمشرع الحرية المطلقة في توسيع هذه الحرية او تضييقها شريطة الا يمس اصل الحق.

واذا ما عدنا إلى قانون تنظيم الصحافة والطباعة والنشر فانه صدر من منطلق المادة (24) التي اعطت المشرع الحق في وضع التشريع من دون ضابط او معيار الا ضابطا واحدا ورد في المادة (23) من الدستور وهو (مع عدم المساس بأسس العقيدة الاسلامية ووحدة الشعب وبما لا يثير الفرقة او الطائفية) وهذا الضابط لا يوجد في دستور 1979.

وبما ان الأداة التي صدر بها تنظيم الصحافة والطباعة والنشر هي غير الأداة التي كان من المفترض ان يصدر بها وهو (القانون) وليس (مرسوما بقانون) فان المشرع في هذه الحال اصبح هو السلطة التشريعية والتنفيذية إذ استقلت السلطة التنفيذية كونها في الوقت نفسه سلطة تشريعية اطلق الدستور يد المشرع العادي في وضع القانون فقامت وبناء على ما تراه بوضع تشريع للصحافة أضيق مما ينبغي واستعملت الرخصة لصالحها. وكان خليق بالسلطة التنفيذية ان تتريث لبعض الوقت حتى يبدأ البرلمان عمله ومن ثم تقوم بعرض مشروع القانون عليه لمناقشته واصداره بصورة شرعية.

ومن وجهة نظرنا المتواضعة نرى أن الخلل الاساس ليس في التشريع وانما الخلل في النص الدستوري الذي اطلق يد المشرع العادي في ان يضع القانون من دون ضوابط بحيث لا يستطيع المشرع العادي من خلاله ان يضيق من الحرية، وهذا مسلك جميع الدساتير العربية لانها تنطلق من فكر واحد وهو تقييد الحرية قدر المستطاع.

ولو أردنا ان نجري مقارنة بين الدستور البحريني او اي دستور عربي ودستور الجمهورية الشعبية الصينية لرأينا ان الفرق كبير فالمادة (87) من دستور الجمهورية الصينية الشعبية الصادر العام 1954 تنص على ان (لمواطني الجمهورية الشعبية الصينية حرية الكلام وحرية النشر وحرية الاجتماع وحرية تنظيم الجمعيات وحرية الخروج بالمواكب وحرية المظاهرة وتقدم الدولة التسهيلات المادية الضرورية لضمان تمتعهم بهذه الحرية) فدستور الصين أعطى حرية مطلقة للنشر والكلام وغيرهما بل زاد على ذلك بأن تقدم الدولة التسهيلات اللازمة لضمان تمتع المواطن الصيني بتلك الحريات. اما دستور البحرين ودساتير الدول العربية فهي على عكس ذلك إذ اطلقت يد المشرع العادي ليضيق من الحرية ويكمم الأفواه من خلال القيود الكثيرة والعقوبات القاسية.

الخلاصة

ونخلص مما تقدم إلى عدة نقاط، من اهمها:

1- ان قانون تنظيم الصحافة والطباعة والنشر لم يصدر وفق الأداة الدستورية المناسبة.

2- ان الدستور تنازل للمشرع العادي في كثير من المواد ليضع التشريع من دون ضابط ما جعل التشريع العادي اسمى من الدستور، إذ انه كان من الواجب على المشرع الدستوري ان يضع ضابطا ومعيارا لكي يهتدي به المشرع العادي عند وضعه التشريع.

3- كان خليقا بالمشرع الدستوري ان يضمن حرية التعبير والنشر بضمانات وليس ان يطلق يد المشرع العادي في صوغ التشريع اطلاقا يستطيع من خلاله المشرع التعسف في استعمال الحق

العدد 289 - السبت 21 يونيو 2003م الموافق 20 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً