العدد 2914 - السبت 28 أغسطس 2010م الموافق 18 رمضان 1431هـ

كارثة الفيضانات في باكستان النتائج والدروس المستفادة (1 - 2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

بعد أمطار كثيفة أدت إلى فيضانات عارمة لم يسبق لها مثيل منذ أكثر من قرن، وبالتأكيد منذ قيام دولة باكستان العام 1947، أدت الفيضانات إلى تشريد نحو 20 مليون نسمة، وأضرار بالغة بما يقرب من 4.8 مليون نسمة، وامتدت الفيضانات من إقليم السند في الجنوب إلى إقليم سوات والإقليم الشمالي الغربي، فضلاً عن إقليم البنجاب، وبذلك تشارك الباكستانيون في المعاناة في الكارثة والتي بدأت ولكنها لم تتوثق كما أن تداعياتها مازالت قائمة وسوف تستمر لفترة طويلة وربما يكون لها آثارها البعيدة المدى على النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

تساؤلات حول الكارثة

لقد أثارت كارثة الفيضانات والأسلوب الذي تم التعامل به معها عدة تساؤلات ذات دلالة:

الأول: غياب الرئيس الباكستاني آصف زرداري عن بلاده في جولة شملت فرنسا وبريطانيا، ولذا وجه له الكثير من النقد من الباكستانيين سواء مواطنين عادين أو قوى سياسية وحزبية معارضة والأكثر من ذلك أن ردوده لم تكن مقنعة، وبغض النظر عن مدى قانونية مضمون تلك الردود، إلا أنه من الناحية السياسية فإن الاستمرار في جولة خارجية لرئيس الدولة وللزعيم السياسي يعبر من وجهة نظر بعض المحللين السياسيين، عن ضعف الحس السياسي لديه لأن المواطن العادي لا يبحث عن القانون وإنما يبحث عن الزعيم في وقت الأزمات.

ولعل قيام الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بزيارة باكستان وتفقد آثار الفيضانات وتوجيه ندائه للعالم للمساعدة نموذج واضح على أن الشخص المسئول عليه أن يتصرف بسرعة وحكمة تفوق متطلبات وظيفته في حالات الكوارث والأزمات لأن الشعوب والإفراد يبحثون عن قادتهم في هذه اللحظات الحرجة ويتطلعون إليهم لمشاركتهم آلامهم وأحزانهم والمآسي التي يعيشونها.

الثاني: بروز دور الجيش الباكستاني في أعمال الإغاثة بخلاف الأداء الضعيف للحكومة وإدارتها المدنية، مما أدى إلى صدور بعض التحليلات حول احتمال قيام الجيش بانقلاب ضد السلطة المدنية، وخاصة أن تدخل الجيش الباكستاني في السلطة له سوابق وعمل متكرر لما تتسم به السلطة المدنية أحياناً كثيرة من صراعات فيما بينها وممارسات من الفساد المالي والإداري والأخلاقي ومن ثم كان الجيش هو مؤسسة الإنقاذ الوطني الذي يتطلع إليه الشعب في مثل هذه الحالات، في الكثير من دول العالم النامية التي شهدت الانقلابات العسكرية والثورات، وباكستان لها نصيب كبير من مثل هذه الممارسات مع أكثر من حكومة منتخبة ديمقراطياً ولكنها عجزت عن تلبية مطالب وتطلعات الشعب الباكستاني.

الثالث: ضعف مساندة المجتمع الدولي لباكستان لمساعدتها على مواجهة الكارثة، وكان الضعف أكثر بروزاً أيضاً بالنسبة للدول العربية والإسلامية، وهي التي تشارك باكستان في الانتماء الديني والتراث الثقافي، وتحظى دائماً بمساندة باكستان للقضايا العربية والإسلامية على الساحة الدولية ولكنها في المرحلة الأولى من الكارثة لم تكن بالمستوى المطلوب.

أما بالنسبة للدول الغربية فلم يكن موقفها عند المستوى المتوقع أيضاً، رغم أن لها سوابق طيبة في مساندة الأعمال الإنسانية، وهي التي اتخذت من باكستان ركيزة لتحقيق مصالحها الإستراتيجية في أفغانستان إبان الغزو السوفياتي، وأيضاً ركيزة للحرب ضد الإرهاب.

تفاعل الموقف الباكستاني والأميركي ونتائجه

لقد أدى تفاعل الدور الباكستاني تاريخياً مع الموقف الأميركي بوجه خاص والغربي بوجه عام إلى نتائج بالغة الخطورة في مقدمتها:

1 - تزايد الاتجاه الديني المتطرف في باكستان وهو اتجاه لم يكن في بداية نشأة الدولة يحظي بشعبية كبيرة وخاصة في الانتخابات الحرة التي كانت تجري بين الحين والآخر.

2 - مزيد من الصراع الداخلي السياسي والعسكري ضد الاتجاهات المتطرفة خاصة في مناطق القبائل الحدودية مع أفغانستان وفي إقليم سوات والمناطق القبلية في إقليم الحدود الشمالية الغربية، فضلاً عن العديد من التفجيرات الإرهابية في كراتشي وإسلام أباد وهو ما راح ضحيته المئات بما في ذلك الزعيمة الكارزماتية بنظير بوتو رئيسة الوزراء السابقة.

3 - مزيد من التهميش الدولي لباكستان واقترابها من حالة ما يوصف بالدولة الفاشلة وفقاً لما ذكرته تحليلات مجلة «الفورن بوليسي» الأميركية لقائمة تلك الدول للعام 2010.

4 - بروز قلق دولي شديد من احتمال وقوع المنشآت النووية الباكستانية في يد الاتجاهات الإسلامية المتشددة أو عناصر من الطالبان مما يخشى معه من استخدام هذه العناصر للسلاح النووي لتهديد السلم والأمن الدوليين وحقيقة أن هذا القلق كانت له بعض دوافع خفية من تلك الدول التي أخذت في الترويج له بهدف التخلص من السلاح النووي لدى الدولة الإسلامية الوحيدة في العالم.

5 - توتر العلاقات الباكستانية الهندية بصورة شبه دائمة على خلفية قضية كشمير ومشاكل الحدود والتراث التاريخي بين الهند وباكستان منذ انقسامهما وقيام دولتيهما العام 1947 وحتى الآن.

6 - توتر شبه مستمر في العلاقات مع أفغانستان لانعدام الثقة التاريخي بينهما وتبادل الاتهامات حول المسئولية عن الإرهاب في أفغانستان وإيواء العناصر الإرهابية والمتطرفة وبعض تلك الاتهامات حقيقي وبعضها غير صحيح وبعضها ملتبس لتداخل المصالح والقبائل بين الدولتين.

7 - توتر العلاقات الباكستانية مع بريطانيا لاتهام دافيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني - أثناء زيارته للهند - في يوليو/ تموز 2010 لباكستان بأنها تصدر الإرهاب وتعمل بسياستين، كما سبق أن تم توجيه نقد مماثل، وإن كان بدرجة أقل حدة، من الإدارة الأميركية للموقف الباكستاني ومطالبتها باتخاذ مواقف أكثر حزماً لمواجهة المتشددين والمتطرفين.

8 - توتر بين السلطة العسكرية والسلطة المدنية على خلفية الاتهامات البريطانية، وإلغاء رئيس المخابرات الحربية الباكستانية زيارته لبريطانيا في أغسطس/ آب 2010، في حين أصر الرئيس آصف زرداري على زيارته رغم الضغوط العسكرية والمطالبات المدنية بإلغاء الزيارة. ومن ناحية أخرى برز الصراع العسكري المدني على خلفية أسلوب معالجة قضية طالبان باكستان في إقليم سوات وإقليم الحدود الشمالية الغربية المجاور لأفغانستان. ومن ناحية ثالثة استياء القبائل الباكستانية من افتئات الجيش على مناطقهم، ومن أعمال القصف الجوي الأميركي الذي تقوم به الطائرات الأميركية بدون طيار، وأدى إلى قتل العديد من المدنيين وانتقادات باكستانية رسمية للتصرف الأميركي، لأنه يقتل مدنيين، ويضعف موقف الحكومة، ويفتئت على سيادتها وعلى أراضيها.

9 - نشاط بارز للجمعيات الإسلامية لمساعدة المواطنين في التخفيف من معاناتهم، وأدى ذلك لحساسية سياسية ودينية لأنه مزيد من إظهار ضعف وعجز الحكومة وكسب أرضية للجماعات الإسلامية المتشددة. وهو ما أدى إلى فرض الحكومة قيوداً على جمعيات الإغاثة المرتبطة بالجماعات الإسلامية التي تستغل مساعداتها الإنسانية لأغراض سياسية وهذا قمة الخطأ فبدلاً من أن تحسن الحكومة من أدائها تذهب لمعاقبة من يساعدون بدعوى الأغراض السياسية أليست مساعدات الحكومة وعملها هو ذاته عمل سياسي؟ فالحكومة بدلاً من أن تواسي المتضررين سعت لإطفاء الشمعة التي تساعدهم وهذا هو المنطق الخطأ في الدول النامية في أوقات الأزمات والكوارث بوجه خاص والمسئولين في مثل هذه الدول في حاجة لتعلم فن إدارة الأزمات وفن مسئولية السلطة السياسية من الدول الغربية

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 2914 - السبت 28 أغسطس 2010م الموافق 18 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً