العدد 2917 - الثلثاء 31 أغسطس 2010م الموافق 21 رمضان 1431هـ

العراق والكويت: عقدان على كارثة الحرب والاجتياح

شفيق الغبرا - أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت، 

31 أغسطس 2010

بعد عشرين سنة على اجتياح الكويت وربما الأصح غزو صدام للكويت، يشعر العراق كما تشعر الكويت بالكثير من الإنهاك. لكل إنهاك أسبابه، إذ يعود في كلا البلدين في جانب منه لما وقع العام . لقد أرهقت تلك التجربة الأليمة البلدين ومازالت تساهم في ذلك بعد مرور عشرين سنة. وهذا يعود ويؤكد لنا أن لا احد يستطيع أن يهرب من التاريخ وأحداثه، فما يقع من حروب واقتتال يغير أحوال المجتمعات والناس بما يتجاوز الزمان والمكان.

قبل العام بدت الكويت وكأنها الطريق الذي يحقق عبره صدام حسين المجد الذي يحلم به. بل بدت أكثر، وكأنها ذلك السراب الذي أوهمه بإمكانية تعويضه كل خسائر الحرب العراقية - الإيرانية. ذلك السراب اختفى بأسرع من المتوقع. وفي مرحلة لاحقة، تغيرت الأدوار وكأننا في لعبة كراسي لا تهدأ ولا تتوقف، وبدا صدام حسين بشخصه والعراق بنظامه وجغرافيته ونفطه وكأنه طريق الولايات المتحدة وطريق يمينها المحافظ لتحقيق طموحات الحفاظ على الامبراطورية الأميركية وقوتها العالمية بعد الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول. في اليوم الأول من هذه الدراما العربية في العام حلم صدام بامبراطورية كبرى من خلال الكويت، وفي اليوم الثاني من هذه الدراما العام حلمت الولايات المتحدة حلماً لن يتحقق. لقد خسر صدام حسين العام ثم العام لكن الولايات المتحدة هي الأخرى حققت مكاسب مهمة العام لكنها لم تكسب العام ، إذ تبدد هجومها إلى معارك استنزاف ولم يبق من انتصارها إلا الأقل. ففي الشرق الأوسط تتحول الحروب سراباً، وكل حرب تمهد للتي تليها. ليس في الشرق من منتصرين دائمين، فكم من انتصار تحول مع الوقت إلى نقيضه.

إن ما وقع العام دمر الكويت اقتصادياً وإنسانيا كما انه دمر العراق بسبب حرب تحرير الكويت ثم بسبب العقوبات الطويلة المرتبطة بها. وبينما انتقل من الكويت بسبب صدام وغزوه ثم بسبب رد الفعل الكويتي بعد تحرير الكويت والمرتبطة بموقف منظمة التحرير آنذاك، زهاء نصف مليون فلسطيني كانوا يمثلون عصباً رئيسياً للحياة الاقتصادية والإدارية والثقافية للكويت، ما أضعف بنية الكويت على مستويات كثيرة، نجد في المقابل أن العراق إبان العام ثم في السنوات المقبلة فقد كل قدرته على جذب القدرات العربية والعالمية ورؤوس الأموال والخبرات وسط عزلة خانقة وهجرة كفاءات.

لقد بدأت الكويت أعمال إعادة البناء وإعادة البلاد إلى سابق عهدها العام ، لكن المعوقات الإدارية والسياسية والهاجس الأمني الذي سيطر على البلاد ساهم هو الآخر في وضع حدود للكفاءة والتنمية. لهذا تعطل مشروع التنمية في الكويت طوال عقد التسعينيات من القرن الماضي، مما ساهم في نمو متسارع لقوى المعارضة والاحتجاج في البرلمان وخارجه. فقد سيطر شعور سلبي بين الكثير من مواطني الكويت مصدره عدم قدرة الكويت على استعادة تلك الحقبة الذهبية التي ميزتها في السبعينيات والثمانينيات وقبل العام . هكذا ارتفعت الأصوات محمّلة الحكومة ورؤساء الوزارات والوزراء مسئولية التردي. ويمكن القول إن المأزق السياسي اليوم في الكويت يعود في شكل من الأشكال إلى ما وقع العام من اقتلاع للنظام بواسطة الاجتياح المفاجئ، ثم من عودة للنظام في ظل تمسك المجتمع بشرعيته وفي ظل الحرب التي هزمت النظام العراقي العام ، ثم ارتفاع وتيرة المساءلة بين المواطنين والبرلمانيين بفضل طبيعة التحديات التي برزت بعد العام ، ثم صعوبة استعادة قدرات الكويت التنموية والمتقدمة كما كانت في الزمن الذهبي، ويتم كل ذلك في ظل بروز أجيال كويتية جديدة تحمل هموماً جديدة وتصورات مختلفة.

أما في العراق فبعد حرب تغير النظام العراقي العام ، انتهى الأمر بحرب أهلية وصراع كبير بين القوى الرئيسية السياسية والطائفية والقومية العراقية، وارتفعت الحدة في الصراع الداخلي كما ارتفعت الحدة في الصراع مع الولايات المتحدة، كما ارتفعت حدة التدخلات الإقليمية الإيرانية والسورية والسعودية بالإضافة إلى الأميركية. لايزال العراق يبحث عن نفسه وسط ضياع كبير ويتصارع على تركيبته الداخلية من دون أن ينجح في الارتقاء إلى صيغة مقبولة. ولاتزال الكويت، حتى يومنا هذا، تسعى نحو التنمية من دون أن تحققها بالصيغة التي تعلن أنها تريدها.

اليوم يقف كل من العراق والكويت في وجه الآخر، هذه المرة ليس من أجل الحرب أو الاجتياح، فكل من الكويت والعراق يمثل اليوم مرآة لما وقع العام . كلا البلدين يحاول التعامل مع تبعات التاريخ والبحث عن المستقبل. ومع ذلك فالماضي يسهل اجتراره عبر الشكوك والمخاوف والمشاعر التي يثيرها. لكن، من جهة أخرى، معظم الذين يعيشون اليوم في البلدين كانوا العام أطفالا أو لم تلدهم أمهاتهم بعد، ومع ذلك مازالت الآثار غير المرئية والأصح النفسية لما وقع العام قائمة في كلا البلدين.

إن أكثر ما يفصل بين البلدين هو الثقافة الشعبية. فهناك ثقافة في العراق تشكك بالكويت وحقوقها السيادية تقابلها في الكويت ثقافة شك وعدم ثقة في العراق ونياته.

الثقافة هي المشكلة الأكبر التي قد يؤسس عليها السياسيون في المستقبل قرارات ومواقف وانتهاكات، فهي السبب الذي يجعل الموقف من الكويت والحدود والتعويضات تتحول إلى موضوع سياسي في حملة انتخابية في العراق. هكذا يتم إقحام الممر المائي والترسيم والتعويضات بين البلدين في سوق للتنافس السياسي العراقي - العراقي. ويحصل ذلك في الكويت أيضا، إذ تتحول قضية التعويضات وإسقاط الديون العراقية إلى مشكلة داخلية حكومية برلمانية. ووفق زهير الدجيلي، الصحافي العراقي، «فإن المسألة الثقافية وطبيعة النظرة الشعبية المنتشرة في العراق والكويت هي رافد رئيسي للخلافات. المشكلة في الثقافة الأوسع سواء أكانت ثقافة اعتبار الكويت أو أجزاء منها جزءاً من العراق أو ثقافة الشك والتخوف في الكويت».

ويسجل لمصلحة الكويت أنها هرعت بسرعة إلى العراق بعد تغير النظام العراقي العام في محاولة لبناء العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية. لكن الحالة الأمنية عادت وعكرت الإمكانات ودفعت باتجاه هروب الاستثمارات. العراق سيخلق استقراره، فهو لن يبقى في موقع صراع مفتوح كما هو حاله اليوم. ويسجل لمصلحة العراق أن نظامه السياسي ممثلاً بحكوماته المختلفة تعاملت بنضج مع الكويت كما تعاملت الكويت بنضج مع الواقع الجديد في العراق.

لكنّ هناك أمورا معلقة في إمكانها أن تعكر صفو العلاقة بين البلدين. إن مسائل كالديون والتعويضات في إمكانها أن تخلق أزمة بين البلدين وخاصة بعد الانسحاب الأميركي من العراق. إيجاد حل متوازن وتنموي شرط أساسي لحل هذه القضايا المعلقة. وبينما لايزال العراق يفكر باتجاه البحر والمنفذ المائي وتوسعة مينائه، إلا انه لا توجد مشكلة مهما بلغت جديتها لا يمكن حلها حلاً تعاونياً بخاصة إذا توافرت النيات الايجابية. فالسعي الاقتصادي لا تحده حدود. نتساءل عن إمكان بناء مناطق حرة بين العراق والكويت تسمح للعراق بحل مشكلته المائية بما يتناسب واحتياجات البلدين. المناطق الحرة بهدف التجارة والاقتصاد أمر انتشر بين دول العالم، سيكون هذا أفقا مفيداً لكلتا الدولتين.

يبقى السؤال بعد مرور عشرين سنة على واحدة من أسوأ كوارث العرب، هل في إمكان كل من الكويت والعراق الاتفاق على ما يساهم في بدايات جديدة لبناء مصالح اقتصادية وتجارية وإنسانية بين البلدين؟ أم يترك الأمر للأمم المتحدة والفصل السابع ومجلس الأمن ليحله؟ ولكن ماذا بعد أن يخرج العراق من الفصل السابع وبعد أن تنسحب الولايات المتحدة، هل تتغير المواقف ويعود العراق طارحاً أن ظروفاً قاهرة هي التي فرضت عليه القبول بما يقبل به؟

على الأغلب سيسعى العراق في المرحلة اللاحقة لتعديل الاتفاق على الحدود والتعويضات وإن استطاع غيرها من المسائل بين البلدين. لن يكون هذا صراع وجود بين البلدين، بل في أسوأ حالاته صراع حدود وتعويضات وآثار الماضي.

السؤال الأكبر: هل تستبق الدولتان تغير الظروف فتقع بينهما مبادرة تحقق تقدماً قابلاً للصمود والبقاء بعد أن تتغير الظروف؟

هل في إمكان خطوة الألف ميل بين البلدين أن تبدأ بخطوة استراتيجية تسجل كإنجاز للقادة السياسيين في البلدين في المدى المنظور؟

هل يمكن تحقيق ذلك على رغم الأزمة التي يعيشها العراق على المستوى السياسي والأمني وعلى رغم الأزمة التي تعيشها الكويت على المستوى التنموي والسياسي؟

العدد 2917 - الثلثاء 31 أغسطس 2010م الموافق 21 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً