العدد 292 - الثلثاء 24 يونيو 2003م الموافق 23 ربيع الثاني 1424هـ

حق العمل وعدالة الأجر في الدستور

عزت عبدالنبي comments [at] alwasatnews.com

نص الباب الثاني من دستور مملكة البحرين الخاص بالمقومات الأساسية للمجتمع على أن حق العمل يعتبر من بين هذه المقومات وأنه واجب على كل مواطن، تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام، وأن لكل مواطن الحق في العمل وفي اختيار نوعه وفقا للنظام العام والآداب.

وأضاف الدستور في المادة (13) انه لا يجوز فرض عمل اجباري على أحد إلا في الأحوال التي يعينها القانون لضرورة قومية وبمقابل عادل، أو تنفيذا لحكم قضائي، كما نص على أن ينظم القانون، على أسس اقتصادية مع مراعاة قواعد العدالة الاجتماعية العلاقة بين العمال وأصحاب الأعمال ويثير هذا النص الدستوري عدة أسئلة من أهمها:

1- ما المقصود بأن العمل حق وواجب؟

2- هل يعني اعتبار العمل حقا أن الدولة تلتزم بتوفيره لكل مواطن في آن واحد بصرف النظر عن معدلات نموها الاقتصادي وقدراتها وأوضاعها ونطاق تقدمها؟

3- ما الآثار المترتبة على حق العمل؟

4- ما المقصود بالعمل الاجباري؟

5- ما الشروط اللازمة لضمان أن يكون الأجر مقابلا للعمل؟

6- ما واجبات العمال تجاه الحقوق التي كفلها لهم الدستور؟

العمل واجب

أكد الدستور بالنص أن العمل واجب على كل مواطن تقتضيه الكرامة ويستوجبه الخير العام. المعنى الاقتصادي للعمل في الاسلام باعتباره الوسيلة الاساسية لاستمرار الحياة وتطور المجتمعات وكونه المقياس الحقيقي لقيمة الانسان التي تقدر بعمله وسعيه ومثابرته.

ويبدو واضحا المعنى الاقتصادي لكلمة العمل في قوله تعالى «ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم»، (يس الآية 35) وقوله تعالى «وأن ليس للانسان إلا ما سعى»، (النجم الآية 39) وقوله تعالى «ان سعيكم لشتى» (الليل الآية 4) أي ان عملكم متعدد ومختلف وفي قوله تعالى «فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله» (الجمعة الآية 10) اي اسعوا واعملوا من أجل الرزق مما أنعم الله به عليكم من خيراته. وقوله تعالى «فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه» (الملك الآية 10) اي اسعوا واعملوا وابتغوا من أجل الرزق والعيش مما خلق الله لكم وأنعم عليكم ولا يتحقق هذا السعي والابتغاء والمشي والعمل الا ببذل الجهد البدني والعقلي وهذا هو العمل (صادق مهدي السعيد، مفهوم العمل وأحكامه العامة في الاسلام - من مطبوعات منظمة العمل العربية - 1983).

ويترتب على المفهوم الاقتصادي والاجتماعي والانساني للعمل في الاسلام الذي استمد منه الدستور النص على أن العمل واجب على كل مواطن أنه لا يجوز القعود عن العمل أو التلكؤ فيه للقادرين عليه، وبذلك يصبح من يشترط العمل في القطاع الحكومي أو في الشركات الكبرى أو يرفض العمل بدوامين مخالفا لتعاليم الاسلام وللدستور ويصبح من حق الدولة أن تضع الشروط اللازمة لقيام المواطن بأداء واجب العمل، ومثالها اسقاط حقه من الترشيح للوظائف المتوافرة اذا تخلف عن قبولها ثلاث مرات او اسقاط الحق في التأمين ضد البطالة - بعد تقريره - اذا رفض العمل اكثر من مرة في الوظائف التي يرشح لها.

العمل حق

وأرسى الدستور بالنص على أن لكل مواطن الحق في العمل وفي اختيار نوعه وفقا للنظام العام والآداب، نظرة الاسلام للعمل باعتباره حقا إذ أوجب على ولي الأمر وعلى الدولة بجميع أجهزتها ضمان وجود العمل وادواته لكل مواطن بدليل قوله (ص) «الامام راع وهو مسئول عن رعيته» وأهم صور هذه المسئولية حق حماية حق المواطنين في الحياة الذي لا يتحقق إلا بضمان العمل.

ونخلص مما تقدم إلى أن ما نص عليه الدستور من اعتبار العمل حقا يعني أنه مكفول من الدولة سواء بتشريعاتها أو بغير ذلك من التدابير، وأنه لا يجوز تقريره ايثارا أو منحة أو تفضلا، ويجب ألا يكون تنظيم هذا الحق مناقضا لفحواه وألا يكون نوع العمل طاردا لقوة العمل، بل ملائما جاذبا لها، وأن يكون فوق هذا اختيارا حرا، والطريق اليه محددا في اطار شروط موضوعية، متوخيا دوما تطوير أنماط الحياة وتشكيلها في اتجاه التقدم، معززا ببرامج رائدة تزيد من خبرة العامل وتنميتها وتعين على تعاون العمال فيما بينهم، وتكفل خلق مناخ ملائم يكون العمل في إطاره اسهاما وطنيا وواجبا. (حكم المحكمة الدستورية في مصر في القضية رقم 30 لسنة 16 قضائية).

حق العمل وقدرة الدولة

إن الآراء والاتجاهات التي تطالب الحكومة بتوفير العمل فورا للباحثين عنه والقادرين عليه لها كل التقدير والاحترام فهي تنادي بتنفيذ مبدأ ونص دستوري تكفل بمقتضاه الدولة حق العمل للمواطنين إلا أن هذه الآراء والاتجاهات يجب أن تضع في اعتبارها أنه يستحيل توفير العمل لجميع العاطلين في آن واحد وان تحقيق هذا الهدف النبيل والعظيم يرتبط بالأوضاع والقدرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة ومدى استقرارها الداخلي، وقدرتها على جذب الاستثمارات الوطنية والعربية والاجنبية وامكانات زيادة معدلات النمو الاقتصادي والاجتماعي، وهكذا ينمو ويتطور حق العمل وفق تدابير تمتد زمنا وتتصاعد كلفتها بالنظر إلى مستوياتها وتبعا لنطاقها، ويعني ما تقدم ضرورة تضافر جميع الجهود التي تبذلها الدولة مع جهود منظمات العمال وأصحاب الأعمال ومنظمات المجتمع المدني للعمل على تنمية القدرات الاقتصادية لمملكة البحرين وتحقيق مزيد من التطور الاجتماعي والاستقرار الداخلي، ويصبح من واجب أجهزة الإعلام وكتاب الأعمدة اليومية والمقالات في الصحف الاهتمام بالاجابة على سؤال مهم هو: كيف نعمل لزيادة معدلات النمو الاقتصادي والاجتماعي ودعم الجبهة الداخلية؟ بدرجة اهتمامها نفسها بالمطالبة بتوفير العمل لطالبيه من المتعطلين باعتبار أن الاجابة على هذا السؤال هي الوسيلة الرئيسية لتوفير مزيد من فرص العمل.

مقتضيات حق العمل

لحق العمل أوضاع يقتضيها وآثار تترتب عليه يأتي في مقدمتها ضمان الشروط التي يكون أداء العمل في نطاقها، منصفا وانسانيا ومواتيا، ومن أهم هذه الشروط امتناع التمييز بين العمال في مجال استخدامهم لاعتبار لا يتعلق بقيمة العمل، أو النزول بأجورهم عن حد أدنى يكفيهم لمعاشهم، وضمان راحتهم الأسبوعية، وأن يكون زمن عملهم محددا، وعجزهم عن العمل مؤمنا وعطلاتهم الاسبوعية مأجورة، وضمان المساواة بينهم في الأجر عن الأعمال المتماثلة وهو مبدأ قررته المادة (75) من العهد الدولي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وكفلته كذلك المادة (15) من الميثاق المبرم بين بعض الدول الافريقية في شأن حقوق شعوبها.

وقاعدة الأجر المتكافئ للأعمال ذاتها، هي التي تبنتها الاتفاقية رقم (100) التي أقرها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية، والنافذة اعتبارا من (23) مايو/ أيار 1953، ذلك أنها تنص في مادتيها الثانية والثالثة على أن تتخذ الدول أطراف هذه الاتفاقية التدابير الملائمة التي تكفل لكل رجل وامرأة أجرا متماثلا عن الأعمال التي تتكافأ قيمتها، سواء من خلال تشريعاتها، أو عن طريق آلية تنشئتها أو تقرها في مجال تحديد الأجور، أو على ضوء اتفاق جماعي فيما بين العمال واصحاب الاعمال، أو بمزج هذه الوسائل جميعا، على أن يكون مفهوما أن تفاوت الأجور فيما بين العمال، لا يناقض مبدأ الاجر المتكافئ عن الأعمال ذاتها، كلما كان ذلك راجعا إلى التقييم الموضوعي للأعمال التي يؤدونها على ضوء متطلباتها، وما يكون لازما لإنجازها، وليس راجعا إلى ذكورتهم أو أنوثتهم.

وقد أكدت المادة (36) من دستور جمهورية الهند هذه المعاني فنصت على أن تعمل الدولة بوجه خاص على أن تؤمن خلال توجيهها سياستها، أجرا متكافئا في شأن الاعمال ذاتها أيا كان القائمون بها، ونصت المادة (36) من الدستور الايطالي على أن لكل عامل الحق في أجر يكون متناسبا مع الأعمال التي يزاولها في كمّها ونوعها، وكافيا لأن يوفر للعمال وعائلاتهم وجودا حرا كريما، ونص البند (4) من المادة (38) من الدستور الروماني، على أن للمرأة أجرا مماثلا للرجل عن الأعمال عينها، كما نصت المادة (95) من الدستور التركي على أن تتخذ الدولة التدابير اللازمة التي تكفل بها حصول العمال على أجر يكون منصفا ومناسبا للأعمال التي ينجزونها (حكم المحكمة الدستورية في مصر السابق الاشارة اليه).

ويعني مما تقدم أن التمايز في أداء العمال هو المدخل الوحيد للمفاضلة بينهم، أي ان الشروط الموضوعية وحدها، هي التي يعتدّ بها في تقدير العمل وتحديد أجره، وتبيان الأحق بالحصول عليه، وايضاح الأوضاع التي ينبغي أن يمارس فيها، والحقوق التي يتصل بها، وأشكال حمايتها ووسائل اقتضائها، ويندرج تحتها الحق في ألا يناقض العمل العقيدة التي يؤمن العامل بها، وألا يكون مرهقا أو مشروطا بشروط يُحْمَل العامل معها على القبول بأجر أقل أو بظروف أسوأ، فلا يكون العمل منتجا، ولا كافلا لتحقيق الانسان لذاته، ولا نافيا عن ضمانة الحق في الحياة واحدا من أهم روافدها، بل عائقا للتنمية في أعمق مجالاتها.

عدالة الأجر

نص الدستور على أنها لا يجوز فرض عمل اجباري على أحد إلا في الاحوال التي يعينها القانون لضرورة قومية وبمقابل عادل، أو تنفيذا لحكم قضائي.

ويعني هذا النص أن الاصل في العمل أن يكون اراديا قائما على الاختيار الحر، فلا يفرض عنوة على أحد، إلا أن يكون ذلك وفق القانون وبمقابل عادل. وهو ما يعني أن عدالة الأجر لا تنفصل عن الأعمال التي يؤديها العامل، سواء في نوعها أو كمها، فلا عمل بلا أجر، ولا يكون الأجر مقابل العمل إلا بشرطين:

أولهما: أن يكون متناسبا مع الأعمال التي أداها العامل، مقدرا بمراعاة أهميتها وصعوبتها وتعقدها وزمن انجازها، وغير ذلك من العناصر الواقعية التي يتحدد على ضوئها ونطاقها ووزنها.

ثانيهما: أن يكون ضابط التقدير موحدا، فلا تتعدد معايير هذا التقدير بما يباعد بينها وبين الأسس الموضوعية لتحديد الأجر، ومن هنا فإن القرار الذي اتخذه مجلس الوزراء أخيرا بدراسة وضع حد أدنى للأجر في بعض قطاعات النشاط الاقتصادي يعتبر خطوة أساسية ومهمة لتحقيق مبدأ عدالة الأجر وتوفير الشروط التي يتطلبها حق العمل، بعد أن وصل الحال الى أن يكون الأجر المعروض على العامل الوطني في بعض منشآت القطاع الخاص طاردا لقوة العمل وليس جاذبا لها لأداء الأعمال المطلوبة وضمان الحد الأدنى اللائق من مستوى المعيشة، ويصبح من المأمول بعد فترة الوصول إلى تحديد حد أدنى للأجر في جميع قطاعات النشاط الاقتصادي.

واجبات العمال

تتطلب الحقوق الدستورية السابق الاشارة اليها والمتمثلة في حق العل وعدالة الأجر والمساواة في الأجر عن الأعمال المتماثلة أداء ما يقابلها من واجبات، من هنا فإنه تقع على عمال البحرين مسئولية اتقان العمل وأدائه بأمانة واخلاص والابداع فيه وعدم النظر إليه على أنه وسيلة للكسب فقط وانما سبيل لبناء نهضة البحرين وتحقيق تقدمها الاقتصادي والاجتماعي، وعلى عمال البحرين وقد أثبتوا جدارتهم وكفاءتهم في المنشآت الاقتصادية الكبيرة وفي قطاع المصارف وغيره من الأنشطة الاقتصادية أن يثبتوا لأصحاب الأعمال أنهم أهل للاعتماد عليهم والثقة فيهم وأن في امكانهم أداء ما يكلفون به من أعمال بإنتاجية أكبر من انتاجية العامل الوافد وذلك هو التحدي الرئيسي الذي يجب على أجهزة الإعلام العمل على مواجهته في المرحلة المقبلة

إقرأ أيضا لـ "عزت عبدالنبي"

العدد 292 - الثلثاء 24 يونيو 2003م الموافق 23 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً