العدد 2923 - الإثنين 06 سبتمبر 2010م الموافق 27 رمضان 1431هـ

عندما يرسُمُ التَّعليمُ خريطةَ البرنامجِ الانتخابي!

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

ربما يُنظر إلى التعليم في الأنظمة السياسية الديمقراطية بوصفه المخلص لجميع مشاكلها، فبمقدار مساحة الحرية المتاحة نرى كيف تتنافس الأحزاب والقوى السياسية ذات التوجه التكنوقراطي في الارتقاء بمستوى التعليم، تارة من خلال الضغط باتجاه رفع حصة التعليم من الموازنة العامة للدولة، وتارة أخرى من خلال إعادة النظر في المناهج التعليمية بما يتواكب مع التطورات العلمية، ووضع البرامج التأهيلية المستقبلية للقيادة من أجل النواتج.

ونحن إذ نقترب من موعد الانتخابات النيابية فإننا معنيون بالدرجة الأولى بدراسة البرنامج الانتخابي للمرشحين، والذي يعدُّ بمثابة المشروع الفكري، الذي يشمل الرؤى والاستراتيجيات والأهداف، ففي حال فوز المرشح بمقعد في البرلمان فإنه من المؤمل أن يتحول إلى برنامج عمل، فمن غير الملائم أن يخلو البرنامج الانتخابي لأي مرشح كائناً من كان، من رؤية واضحة لملف مهم وخطير مثل «التعليم»، فأول سؤال يجب أن يُطرح لمن يتطلع إلى كسب أصوات الناخبين في الانتخابات المقبلة: كيف تقرأ واقع التعليم في البحرين؟ وما هي رؤيتك لمستقبل التعليم بدءاً من رياض الأطفال وانتهاءً بالتعليم العالي؟

وما موقف الجمعيات السياسية والكتل النيابية بجميع مكوناتها من قضايا التعليم في البحرين؟ وما مدى نجاحها في تحقيق ما جاء في برامجها حول التعليم؟

وتتفرع من الأسئلة السابقة أسئلة أخرى: ما موقف الكتل والتنظيمات السياسية التي تُصنَّف على أنها من «الموالاة» من قضايا التعليم في البحرين بحسب ما ورد في برامج عملها السياسية والانتخابية؟ وما موقف الكتل والقوى والتنظيمات السياسية «المعارضة» من قضايا التعليم كما أشارت في برامجها السياسية والانتخابية؟

ما تأثير الخطاب التعليمي للتنظيمات والجمعيات السياسية على برامج إصلاح وتطوير التعليم في البحرين؟ وما مدى نجاحها في تنفيذ كل أو بعض ما نادت به في برامجها حول التعليم؟

إن التعرف على موقف التنظيمات السياسية، سواءً تلك التي شاركت في العملية السياسية أو التي قاطعت، من قضايا التعليم في البحرين يكون من خلال الرصد والدراسة والبحث لأعمال فصلين تشريعيين خلال الأعوام 2002ـ2010، مع التأكيد في الوقت ذاته على دور المجالس البلدية المنتخبة في توفير بيئة تعليمية صحية ملائمة.

قبل عامين دعينا إلى لقاء مع أحد أعضاء مجلس النواب، حول تقييم الأداء بشكل عام وجدولة الأولويات، وطرح أحد المهتمين والمتابعين لأداء السلطة التشريعية مداخلة نصح فيها النواب ـ بجميع أطيافهم ـ ترتيب الأولويات من خلال الاتفاق على ثلاث ملفات رئيسية حسب التالي: 10 آلاف منحة دراسية، و10 آلاف فرصة عمل، و10 آلاف مسكن.

جرياً على العادة السنوية يقوم بعض النواب، بتكريم الطلبة المتفوقين من أبناء دائرته بعد انتهاء العام الدراسي وهذا أمر جيد ومطلوب، والأهم من ذلك أن يدرك المرشحون تلك المفردات التي تشكل تحديات حقيقية تُواجه البنية التحتية للنظام التعليمي، فإذا كنا نتحدث عن أهم التشريعات والأنظمة التي تشكل خارطة الطريق لأي برنامج انتخابي يتناول التعليم في مملكة البحرين، فإننا نقصد قانون رقم (3) لسنة 2005 بشأن التعليم العالي، وقانون رقم (27) لسنة 2005 بشأن التعليم، وما عدا ذلك يكون الحديث في الهواء.

ولنبدأ بقطاع رياض الأطفال، من حيث جدوى إلزامية ومجانية وإلحاق هذه المرحلة بالتعليم الأساسي، وأوضاع المناهج التعليمية، والتي تمَّ بناؤها وصياغتها حسب اجتهادات كل إدارة روضة، وتأهيل معلمات رياض الأطفال والإسراع في سن القوانين والتشريعات التي تحفظ لهذه الفئة حقوقها من حيث الأجور والحوافز والترقيات، وحل مسألة البطالة من خلال توظيف البحرينيات العاطلات من جهة، ورفع الحرج عن الأمهات العاملات من جهة أخرى.

قبل أيام ذكر لي أحد رجال الأعمال، بأن لديه صديقاً من الدنمارك، وكان الأخير راجعاً مع طفله من الروضة، وفي الطريق طلب من طفله البالغ من العمر 5 سنوات ـ بقصد اختباره ـ أن يرمي بالمنديل الورقي من النافذة، فتفاجأ الأب برفض الطفل، وبأن هذا العمل سيلحق ضرراً بالبيئة!

من دون أدنى شك بأن هذا الموقف يعزز ثقافة الحوار بين الأب والطفل، كما أن الطفل اكتسب ثقافة بيئية راقية في فترة مبكرة ومهمة من حياته، يطلق عليها علماء النفس «الفترة الحرجة أو الحاسمة للنموCritical Period»، فالعامل الحاسم في هذه الفترة هو التوقيت، فمن الخطأ التأخر في تعليم الطفل بانتظار وصوله على مستوى النضج المناسب.

بغض النظر عما صدر في الصحافة مؤخراً من تسابق في استعراض ملامح البرامج الانتخابية لبعض المرشحين، والتي لا تختلف في عناوينها العريضة بين تعليم وإسكان وصحة، فإن أي برنامج انتخابي يهدف إلى تطوير التعليم إنما يكون برصد موازنات أكبر للتعليم، أكثر مما هي عليه الآن (أي 12 في المئة) من مجموع الموازنة العامة للدولة، وإعادة تدريب وتأهيل البحرينيين للتقليل من حجم البطالة، وزيادة المخصصات التعليمية من خلال إشراك القطاع الخاص للدفع باتجاه التعليم العالي الذي لم يعد مقتصراً على فئة من صفوة المجتمع البحريني، فالشهادة الجامعية هي بمثابة بطاقة الدخول للاقتصاد العالمي في هذا العصر.

وبالعودة إلى التعليم العالي، فإن الجامعات في الغرب مرت بتطورات وإصلاحات مهمة، فقد كان دورها مقتصراً على نقل المعرفة من خلال التدريس كما هو واقع جامعاتنا وللأسف الشديد، بدلاً من إنتاج المعرفة من خلال التشجيع على البحث العلمي، كما وبرزت فكرة مساءلة Accountability الجامعات عن مدى تقديمها للخدمات ذات الأغراض المجتمعية، وعن كفاءة استخدامها للأموال التي تخصص لها.

تعالوا أيها المرشحون لندقق في واقع جامعاتنا، حيث لا مسابقات علمية أو تخصصية أو تمثيل على مستوى الأولمبياد العلمية، بل وحتى الفنية، فما هي النتيجة؟ ضعف المخرجات، وملازمة حالات التلعثم والتوتر وعدم الثقة بالنفس للخريجين في مقابلات التوظيف!

الجدل القائم بين مجلس التعليم العالي والجامعات الخاصة، لا بد أن يأخذ بعداً علمياً، من خلال تضافر الجهود في عملية جادة لإصلاح جذري للتعليم العالي، بعيداً عن الحرب الكلامية والإعلامية بين الفينة والأخرى، من خلال استمرار مسئولية الدولة مع تحرير مؤسسات التعليم العالي من هيمنة الجهاز الحكومي أو الرسمي ومن حافز الربح الباهظ للجامعات الخاصة والذي يرهق كاهل الأسر البحرينية، بحيث تضم مجالس الأمناء أو الإدارات ممثلين عن: الدولة والأكاديميين وقطاع الأعمال والمجتمع المدني.

إن مؤسسات التعليم العالي القائمة حالياً مطالبة بتقليل نسبة الاستيعاب، وبوجه خاص في تخصصات العلوم الإنسانية والاجتماعية، تلك التي تزداد فيها نسبة البطالة بين خريجيها خصوصاً الإناث، ووضع برامج فعالة للارتقاء بمستوى أعضاء هيئات التدريس، وبخاصة البحثية، فطول سنوات الخدمة جعل البعض منهم بعيداً عن وتيرة التطورات الحاصلة على مستوى شبكة المعلومات والاتصالات، وأخيراً إعادة النظر في البنية الهيكلية وبرامج هذه المؤسسات القائمة.

فهل نحن بحاجة إلى هزة مدوية وقوية كالتي انطلقت من مجلس التعليم العالي ضد الجامعات الخاصة القائمة بقصد تحسين النوعية والأداء، مع التشديد وعدم السماح بمنح التراخيص لمؤسسات جديدة إلا وفق المعايير العالمية؟

النقد الذاتي النابع من مؤسسات التعليم العالي أمر لا مفر منه، تقول الحكمة «أتقن العمل، فإن الناقد بصير»!

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 2923 - الإثنين 06 سبتمبر 2010م الموافق 27 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:38 ص

      شكرا استاذ فاضل على هذا المقال الرئع

      عجبتني قصة الاب وابنه والبئة . اما الخبر الذي سمعنه قبل بضع سنين عن استقالت وزير التربية في احد الدول الغربية بسبب قيام احد الطلبة في احد المدارس بقتل بطة في حديقة المدرسة اعتبره الوزير المذكور تقصير منه شخصيا وفشلا ذريعا يتحمل مسئوليته وزير التربية تدعو للاستقالة.

      نعم، اشد بيدك واقول للمرشحين انفسهم ان يتبنوا طرحك في ورقة عملهم للبرلمان

اقرأ ايضاً