العدد 2927 - الجمعة 10 سبتمبر 2010م الموافق 01 شوال 1431هـ

القس الأميركي... وعالم الصورة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ظاهرة القس الأميركي تيري جونز التي استفزت أطراف العالم واستنفرت الدول الكبرى وشدت الأنظار إلى بلدة غينسفيل في فلوريدا طرحت أسئلة بشأن مدى دور الإعلام في تدوير المعادلات وإحباط عشرات المحاولات التي جرت في السنوات الأخيرة لتقريب العالم إلى بعضه؟

في أسابيع قليلة نجح قس يرأس كنيسة معمدانية يبلغ اتباعها نحو 50 شخصاً في إثارة النفوس والمخاوف بسبب إعلانه عن قرار شيطاني لا معنى له سوى دفع الانقسامات باتجاه التصادم. والإعلان الذي رفع من حدة التشنج جاء في وقت دقيق لأنه استغل مناسبة 11 سبتمبر/ أيلول ليؤسس عليها قراءة ايديولوجية تهدم كل ما أسفرت عنه تلك المؤتمرات واللقاءات التي عقدت تحت يافطات الحوار والتعايش والتسامح بين الديانات والحضارات.

كيف يمكن لرجل دين متخلف ومتعصب وحاقد أن يخلط الأوراق ويبعثرها على الطاولة من دون تعب يذكر سوى الإعلان عن خطوة عنصرية أراد القيام بها أمام عدسة الكاميرا؟

إنه الإعلام في عالم أخذ يتقارب في الصورة ويتباعد في الواقع. فالصورة التي يمكن مشاهدتها في اللحظة عينها في مختلف أرجاء العالم أصبحت تلعب دور المحرك الآلي للمشاعر المتعارضة وتلك الأنظار التي تلاحق المشهد. وبسبب هذا الدور الخاص للصورة في إثارة الفوضى أو الانتباه تحولت الكثير من المشاهد إلى حلقات فولكورية تطمح إلى الشهرة حتى لو كلف الأمر جرجرة الناس إلى ساحة الاقتتال والعنف.

الإعلام الحديث الذي نقل الناس من عصر الكلمة (المطبعة) إلى عصر الصورة (الكاميرا) يتحمل مسئولية غير مباشرة في كسر ميزان الاختيار بين الصحيح والعاطل، بسبب التنافس على السبق الصحافي أو الطموح في تسجيل مواقف من دون اعتبار لقيمة الخبر أو وزن الطرف الذي يتحرك في وجه العدسة. فالنقل المباشر والتركيز على الموضوعات الخفيفة أو تلك النقاط المثيرة للجدل والحساسية أصبح يلعب الإطار الذي ينتج القضايا ويختارها بوصفها تشكل مادة مرغوبة للمشاهد.

هذا النوع من الإعلام المفتوح لا يمكن ضبطه في عالم يتقارب في صورة المشهد ويتباعد ثقافياً حين تنقل الكاميرا وقائع يومية من مختلف بقاع الأرض. وبسبب هذه الضريبة التي فرضها على العالم الإعلام الحديث أصبحت الكثير من الأمور لا تخضع للقوانين والمقاييس والمعايير بقدر ما هي نتاج آليات سوق يلاحق بضاعة رائجة أو يروج لبضاعة تعاني الكساد.

هذه الفجوة الزمنية بين لقطات الصورة وثغرات الواقع أخذ يستغلها منذ أكثر من عقدين الفاشلون وطلاب الشهرة وأصحاب المصلحة في إثارة الفوضى والفتن وتلك الفئات الباحثة عن جاه وجوائز وأوسمة وميداليات وحفلات تكريم وترفيه.

في حال العودة إلى الماضي القريب يمكن ملاحظة الكثير من حالات التضخيم جرت لرجال فكر أو شعر أو رواية لا يستحقون التقدير، ولكن الإعلام صنعهم بسبب تصريح استفزازي أو شتيمة أو قصة سخيفة أو قصيدة تافهة. وهناك الكثير من الصحافيين أو الرسامين أو الكتاب ارتقوا درجات الشهرة والجاه وحصدوا الجوائز تقديراً لمخالفة مقصودة أو إهانة لمشاعر الناس أو إساءة لحضارة أو دين أو ثقافة أو لون.

أسماء كثيرة نالت أوسمة وميداليات وتوصلت إلى تصدر قائمة المبيعات لأنها ترمز إلى خطوة استفزازية ضد الإسلام والمسلمين. فهناك بعض الأسماء حصلت على جائزة نوبل لأنها تحدثت عن الشعوب المسلمة باحتقار. وهناك بعض الفنانين توصلوا إلى مراتب متقدمة في الجاه والمال (جائزة أوسكار) لانهم صنعوا شريطاً سينمائياً يحتقر فيه عادات هذا الشعب أو ذاك. بعض الكتب التي لا قيمة أدبية أو فنية أو نقدية لها احتلت المواقع العليا في التسويق لكون الإعلام الحديث صنع لصاحبها الشهرة لسبب سخيف وتافه.

هذه السياقات المتتالية والمتراكمة على مدى أكثر من عقدين يمكن أن تساعد على تفسير ظاهرة القس المعتوه في فلوريدا. فهذا النوع من الحثالة بات يمتلك القدرة على التقاط الإشارات التي تنقل زاوية مظلمة إلى الأضواء وتضخم حجمها لتصبح على مستوى الخبر العالمي الذي يهز الدنيا ويقض الأمم.

الكاميرا في عصر تسارع الاتصالات والمواصلات أصبحت أحياناً تلعب دور القناة الناقلة لكل الأعراض والأمراض ما يؤدي إلى خلط الأوراق والتعتيم على الجيد وتعويم السيئ وتحويله إلى قوة يصعب احتواء انفعالاتها وتداعياتها.

القس الأميركي مجرد مثال على نمط من الإعلام المعاصر الذي يعطي الانتباه للصراخ والحركات البهلوانية والخطوات الاستعراضية ويهمل تلك الاتجاهات والتيارات والمدارس التي تبذل الجهود للدفاع عن القيم الإنسانية وما تنتجه من أفكار عاقله تطمح نحو تقريب العالم على أرض الواقع لا من خلال صورة الكاميرا.

مشكلة القس لاشك ثقافية وتأسست زمنياً على تقاليد موروثة من عصور سالفة. ولكن المشكلة التي نقلها الإعلام عن عزمه الشيطاني بحرق نسخ من القرآن أصبحت متضخمة لكونها دخلت في عالم شديد التعقيد ولا يحتاج إلى جهد لدفعه نحو التوتر والاشتعال بسبب تكرار المشهد وتحويله إلى قياس للحكم على الناس.

ضحايا كثيرة يمكن أن تسقط بسبب تصرف قس مهووس طلب الشهرة والجاه وحصل عليهما من باب الكاميرا وعالم الصورة وسرعة الاتصالات والمواصلات. وهذا الأمر تتحمل مسئوليته جهات مختلفة منها دور الإعلام الحديث في خلط الأوراق وإسقاط الجيد من الحسابات وتعويم الرديء ليحتل موقع الريادة في قيادة المعادلة.

هذا العالم المرئي لا يمكن تغييره للأسف لانه نتاج الصورة وآليات السوق والدعاية والإعلام وسياسات الترويج لما هو مثير بغض النظر عن الفوائد والمضار. وبسبب القانون اللاواعي المذكور يمكن أن نتوقع الكثير من الحالات المشابهة ما دامت النتيجة هي الانجرار نحو عالم افتراضي تصنعه الكاميرا فيؤدي الأمر إلى فوز روائي بجائرة نوبل لأنه شتم الإسلام، وفوز رسام كاريكاتير بأوسمة تقدير وحفلات تكريم لأنه أهان ديانة، وفوز رئيس حزب بالانتخابات لأنه طالب بمنع تداول القرآن الكريم وبيعه في مكتبات بلاده. وحين يسقط المقياس إلى درجه متدنية في التعامل والرؤية والتقدير والتقييم تصبح احتمالات ارتفاع التوافه والحثالات إلى القمة أكثر سهولة في عالم يبحث عن الصورة (الكاميرا) ويبتعد رويداً عن الكلمة (المطبعة)

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2927 - الجمعة 10 سبتمبر 2010م الموافق 01 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 11:24 ص

      14نور::تابع:: يا أستاذنا الكريم لو أردنا الخلاصة فعلينا بالتحليل وأبدأ تحليل بسؤال وإجابته ستكون بعد التحليل

      في محكم كتابه :: لن يغير الله ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم :: وعندما نغيرها أولاً فأجزم لكم قاطعاً بأن أمر العزة والقوة قادمُ ُ لا محالة.

    • زائر 5 | 11:22 ص

      14نور::تابع:: يا أستاذنا الكريم لو أردنا الخلاصة فعلينا بالتحليل وأبدأ تحليل بسؤال وإجابته ستكون بعد التحليل

      من رادع له سوى الله فكما رمى الله عز وجل إبرهة بحجارة السجيل التي حملتها الطير الأبابيبل وفجهم فجاً فهو أيضاً من سفعل بالمثل لهذا القس ومن يدعمه أما السؤال عن ردت الفعل العربية والإسلامية فهي التالي إما تغاضي أو خروج للمظاهرات في الشوارع وهي نهاية الجواب على ذلك السؤال ولا داعي للحيرة فالعقل مستشار صاحبه ومن لديه عقلُ ُ يعمل سيصل لهذه الإجابة عاجلاً أم آجلاً ولكن الحل الجذري لهذه المعضلة هي التحرك للتغيير وكما قال الله عز وجل في

    • زائر 4 | 11:18 ص

      14نور::تابع:: يا أستاذنا الكريم لو أردنا الخلاصة فعلينا بالتحليل وأبدأ تحليل بسؤال وإجابته ستكون بعد التحليل

      من ذهب تحت أقدام مستعبدينا وهم من يقررون بقول هذه العبودية من عدمها ونضع القوة بدل الضعف ميزاناً لتعاملنا معهم لما تجرأ مثل هذا القزم أن يضع إصبعه على كتابنا ومكنون ديننا ولا التهديد بحرقه لعلمه بأننا سنحرقه إن تلكم بذلك لا إن فعل وهي القشة التي قصمت ظهر البعير فنحن وللأسف لا نزال نقدم صكزك العوبديات على نفس الطشوت الذهبية وننتظر منهم القبول و ننتظر من أقزامهم أن يحرقوا قرآننا ونسائنا وأطفالنا وبلداننا وهم بالفعل يفعلون ذلك وعلى الملئ وبقية الجواب, لو إن هذا القس المتخلف قام بفعلته فليس هنالك

    • زائر 3 | 11:13 ص

      14نور::تابع:: يا أستاذنا الكريم لو أردنا الخلاصة فعلينا بالتحليل وأبدأ تحليل بسؤال وإجابته ستكون بعد التحليل

      مستعبدة وتحت الوصايات أصبحت تعامل مواطنينا بالمثل وتهينهم حتى في صحفها ومواقعها الإلكترونية وكما تقول الفلسفة من لا يمتلك القوة فليس هناك من يحميه وهي فلسفة قانون الغاب الذي نعيش اليوم في وسطه فالمواطن العربي والعربي المسلم لا يساوي الكفن الذي يلف فيه في بلداننا وبين حكامنا وحكوماتهم فلم يا ترى سيكون به ثمناً أفضل لديهم وبأي مقياس فإن كانت الأم لا تحنوا على رضيعها وأولادها فهل تنتظر من الغريب ذلك وهو جوابي على سؤالي الذي بدأت به تعليقي فلو كانت للمسلمين قوة بدل العبودية التي نقدمها على طبق من

    • زائر 2 | 11:09 ص

      14نور:: يا أستاذنا الكريم لو أردنا الخلاصة فعلينا بالتحليل وأبدأ تحليل بسؤال وإجابته ستكون بعد التحليل

      أصبح المسلم والعربي المسلم والعربي من أوهن المخلوقات على وجه هذه الخليقة وأصبح من آخر الأمم التي تطالب بالحريات والمعتقدات فأصبحوا يعاملون كما العبيد ومن يريد التأكد فاليذهب بنفسه لأي دولة من هذه الدول التي تدعي الديموقراطية ومن لا يمكنه ذلك فاليلق نظرة على ما يفعلونه بالمسلمين في أفغانستان والعراق والشيشان ومن قبلها في البوسنه والهرسك وكل أقطاب العالم الإسلامي ولدرجة إن الشعوب التي

    • زائر 1 | 11:04 ص

      14نور:: يا أستاذنا الكريم لو أردنا الخلاصة فعلينا بالتحليل وأبدأ تحليل بسؤال وإجابته ستكون بعد التحليل

      ماذا لو أحرق هذا القس نسخ القرآن كما قال؟؟ لو لم تكن أمتنا مستعبده لما تطاول علينا متخلفيهم هكذا ولحسبوا لنا ألف حساب ولكن أمتنا وبعد وقوعها فريسة للخلافات والقوميات والتعدديات والتبعيات لأمم الكفر والفسق هي السبب الرئيس لهذه العبودية

اقرأ ايضاً