العدد 293 - الأربعاء 25 يونيو 2003م الموافق 24 ربيع الثاني 1424هـ

تدشين «البطاقة الوطنية» والدخول إلى العصر الرملي وتكسير الكراسي الهزازة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الحديث الذي أدلى به وكيل الجهاز المركزي للمعلومات الشيخ أحمد بن عطية آل خليفة قبل يومين لرؤساء الصحف المحلية عن المشروعات التي بدأتها الحكومة لتدشين البطاقة الذكية (البطاقة الوطنية) في العام 2005 تمتد جذوره إلى المداولات والحوارات والاختراعات العالمية التي بدأت منذ مطلع التسعينات وجميعها أشارت إلى انتقال العالم إلى «العصر الرقمي»... هذا العصر الذي تتحكم فيه تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.

الحديث بدأ في التسعينات بشأن استخدام التكنولوجيا الرقمية في التجارة والصناعة والخدمات، وانتقل بعد ذلك إلى الحديث عن المجتمع الرقمي والحكومة الرقمية (الحكومة الإلكترونية)... الحكومة الإلكترونية تتعلق أساسا بثلاثة جوانب. فمن ناحية اولى فإن تكنولوجيا المعلومات والاتصالات يمكن استخدامها لتحسين جودة وفاعلية وسرعة الإجراءات والمعاملات الحكومية بما في ذلك توفير الخدمات العامة للمواطنين.

ومن ناحية ثانية فإن من شأنها أن تفسح المجال للحكومة لتتحول إلى الشفافية في معاملاتها مع القطاع الخاص ومع المجتمع، ومن شأنها توفير أكبر قدر من المعلومات المخزنة لديها لمن يحتاجها، بحيث تصبح المعلومة (وهي مصدر القوة) متوافرة لأكبر عدد من الناس الذين يحتاجونها. وبالتالي فإن حركة القرار تكون واضحة، وأية محاولة لتدخيل «الواسطة» و«المحسوبية» و«المنسوبية» بالإمكان اكتشافها.

أما الأمر الثالث والمهم بالنسبة إلى تدشين الحكومة الإلكترونية فهو ما توفره تكنولوجيا المعلومات والاتصالات من فرص لتطوير العلاقة بين الدولة والمواطن، باتجاه المزيد من المشاركة بوسائل أقل كلفة وسهلة بحيث يتمكن المواطن من التأثير على القرار السياسي من خلال ارتباطه بنظم المعلومات الرقمية التي ترعاها الحكومة الإلكترونية. وهناك اتجاه الآن لإجراء الانتخابات من المنازل وإجراء استفتاءات استشارية واستفتاءات الزامية (مستقبلا) بينما المواطن في منزله.

المواطن الكندي يستطيع اليوم إجراء كثير من معاملاته واستخراج سجل تجاري والاتصال بأي دائرة وتخليص معاملاته وهو جالس في منزله. استراليا استطاعت مكافحة التزوير بالنسبة إلى الاشخاص الذين يستلمون إعانة البطالة والضمان الاجتماعي من خلال الوسائل الرقمية، وسنغافورة أطلقت على نفسها اسم «الجزيرة الذكية» لأن لديها أكثر من البطاقة الذكية...

على مر التاريخ كانت هناك اختراعات كبرى حركت التطورات الاخرى. ففي منتصف القرن الثامن عشر كانت بريطانيا هي الدولة الكبرى في العالم لأنها أمسكت بالاقتصاد «المتطور» آنذاك الذي كان يعتمد على الآلة التجارية. وثم بدأت الدول الأوروبية وأميركا بادخال «القطار» في العملية الاقتصادية في مطلع القرن التاسع عشر وفي منتصف واواخر القرن نفسه بدأت الكهرباء تظهر وبدأت استخداماتها في ألمانيا، ولذلك انتصرت ألمانيا اقتصاديا. وثم في مطلع القرن العشرين ظهرت السيارة في ألمانيا واروبا وانتشرت في أميركا، وتسلمت أميركا القيادة في هذه التكنولوجيا. وفي منتصف القرن العشرين ظهر «الكمبيوتر» بداية عند الجيش الأميركي... وبعد خمسين عاما من بدء استخدام الكمبيوتر فإن العصر تحول إلى «الرقمية» في جميع مجالات الحياة، ولا تستطيع التكنولوجيا القديمة (وهي مهمة وستبقى مهمة مستقبلا)، لا تستطيع الاستمرار في تقدمها إلا إذا ارتبطت بالتكنولوجيا الرقمية المعتمدة على نظم المعلومات والاتصالات...

على أن العصر الإلكتروني ربما انه عصر «رملي»، وهو عودة بالإنسان إلى الرمل والتراب الذي خلق منه... فالتكنولوجيا الرقمية والاتصالاتية كلها مستمدة من «السليكون» و«الفايبر الزجاجي» ... والسليكون والفايبر يتم استخراجهما من الرمل والتراب...

«السليكون» هو الذي يعطي الكمبيوتر القدرة على التعامل مع جميع الأمور بعد تحويلها إلى «صفر وواحد»، والفايبر الزجاجي هو الذي ينقل «الأصفار» و «الآحاد» بسعة كبرى لم يمكن تصورها إنسانيا قبل عشرين سنة... فالمعلومات بجميع أنواعها (نصوص، صوت، صور ثابتة أو متحركة، أرقام، معادلات... الخ) جميعها يمكن ضغطها وتكثيفها وثم إرسالها بسرعة الضوء بكميات هائلة عبر الفايبر الزجاجي.

«العصر الرملي» الذي سندخله من شأنه تكسير «الكراسي الهزازة»... فالمواطن اليوم يطلب منه الجلوس على «كراسي الانتظار» وثم يقابله شخص لديه «كرسي هزاز» ينظر إلى المواطن بطريقة فوقية استعلائية ليحدد فيما إذا كان هذا المواطن يستحق الخدمة أم لا... وفيما إذا كان هذا المواطن لديه «واسطة» أو أنه من فئة حرمت من المحسوبية والمنسوبية... في «العصر الرملي» من المفترض أن تختفي كراسي الانتظار والكراسي الهزازة، ومن المفترض أن يختفي المتمصلح من تعطيل معاملات الناس... فكلنا من آدم وآدم من تراب، والكمبيوتر ربما يذكرنا جميعا بذلك يوما ما، لان جذوره ترابية..

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 293 - الأربعاء 25 يونيو 2003م الموافق 24 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً