العدد 2936 - الأحد 19 سبتمبر 2010م الموافق 10 شوال 1431هـ

العالم العربي والمشكلة العمرانية! (1)

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

منبر الحرية

حواس محمود - كاتب سوري، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org» 

تعيش المدينة العربية حالة الأزمة منذ أكثر من نصف قرن بسبب هجرة السكان من الريف إلى المدن، بحثاً عن الراحة والصحة والأمان، ولكن هذا البحث قد يؤدي إلى نتائج معكوسة، إذ تتفاقم الأزمة في المدن وتقل الخدمات الضرورية وتعج الأسواق بالمارة والسيارات، وتتكاثف المساكن المتجاورة، وتختلط المياه العذبة مع مياه المجارير وغيرها من المياه الملوثة ما يؤدي إلى الأمراض والأوبئة والتلوث البيئي.


أزمة المدينة العربية

بادئ ذي بدء لابد من التطرق إلى تعريف أرسطو عن المدينة التي يقول بأنها: «المكان الذي يعيش فيه الناس حياة جماعية من أجل هدف نبيل» ويقول الدكتور غانم هنا: «خلافاً لما قد يعتقد الكثيرون لم تنشأ المدن المتطورة عن تجمعات صغيرة في التاريخ، بل كان نشوؤها ملازماً للتجمعات الأولى، أي منذ بدأ الإنسان يستتب على بقعة من الأرض، وذلك كشكل مستقل للتجمع الإنساني»، ويشير أيضاً إلى أن: «المدن قد أنشئت ليس تجاوباً مع متطلبات التصنيع، ففي كولومبيا مثلاً أقام الرعاة في المدن، وفي الحضارات المصرية القديمة أو البابلية أو اليونانية أو الإيرانية نشأت المدن حول مراكز السلطة أو العشائر الدينية».

لقد مثلت المدينة كموضوع دراسة في العلوم الاجتماعية شيئاً أكبر من تخطيطها الفيزيقي وتنظيمها الخدماتي (كالخدمات التعليمية والصحية والأسواق وأجهزة الأمن... إلخ) أي أنها - أي المدينة - في واقع الأمر بناء أو تركيب معقد من الأنساق القيمية والثقافية، إنها وكما يقول روبرت بارك: «نسق من عادات وتقاليد واتجاهات ومواقف منظمة ومشاعر متلازمة مع هذه العادات تتناقل عبر هذه التقاليد»

والمدن كانت وستظل المراكز الرئيسية للعلم والإنتاج والفنون والثقافة، وباختصار للحضارة، وبالنسبة للعالم العربي فقد شهدت مدنه اتساعاً كبيراً لم يسبق له مثيل، إذ أن نسبة سكان المدن ارتفعت من 27,7 في المئة العام 1960 إلى 46,8 في المئة العام 1980، وهي نسبة آخذة في الارتفاع، وبحلول العام 2000 فإن ستة أشخاص تقريباً من بين كل عشرة أشخاص من سكان المنطقة سيكونون من أهل المدن، ولقد تسببت هجرة السكان من الريف إلى المدن في ظاهرة «ترييف المدن»، أي إضفاء طابع الريف على المدن، إذ تمركزت العوائل المهاجرة في ضواحي المدن الكبرى في العالم العربي، هذه الضواحي التي تنقصها الخدمات حتى أن بعض المهاجرين قد احتلوا مقابر الأموات في مدينة القاهرة، ويقدر عدد الذين يعيشون في مقابر تلك المدافن القديمة بـ 250000 و900000 نسمة، وتشير منى سراج الدين (التي تلقي محاضرات حول تخطيط المدن في جامعة هارفارد) إلى أن المدن العربية التي تضج بالنشاط تنتج في الوقت نفسه فرص الحصول على مغريات عديدة، فهذه المدن تمثل في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياسية البؤرة الديناميكية للحياة العربية وقطب المغناطيس القوي الذي يجتذب النازحين.

إن ازدحام السكان بات اليوم سمة عامة في الحياة اليومية للمدن في كافة أرجاء المنطقة، ويضطر أهل المدينة للتنافس سعياً وراء الحصول على موارد بعيدة المنال، وتختنق الشوارع بحركة المرور التي تلوث الهواء وتنفجر أنابيب المياه والمجاري، وتسد الطرقات، وتنتفخ الباصات بالركاب حيث توجد وسائل النقل العام، ولكي نكون على اطلاع واضح بأزمة المدينة يمكننا أن نذكر - هنا - بعض المشكلات الصحية في المدن العربية:

مياه الشرب: هناك سببان رئيسيان لأزمة المياه النقية يتعلقان بكمية المياه المتوفرة ونوعيتها، الأول النمو الحضري المتزايد وما يتمخض عن ذلك من تزايد في طلب المياه واستهلاكها. أما السبب الثاني فهو التلوث الذي صار يصيب جزءاً من هذه المياه من مخلفات السكان والصناعة.

النقل وآثاره: إن أكثر العناصر الضارة بالبيئة الحضرية وضوحاً للعيان عنصرا الازدحام والنقل، فساكن الحضر أول ما يميزه عن أخيه الريفي هو التوتر الناجم - لدرجة عالية - عن تعرضه المتواصل لاختناقات المرور والضوضاء وضياع ساعات العمل وتدني إنتاجيته المطلوبة. ويشار إلى أن وسائل النقل تقوم ببث مجموعة من الملوثات في الجو، تقدر بآلاف الأطنان في العام أهمها أول أكسيد الكربون والذرات العالقة في الهواء وثاني أكسيد الكربون وغيرهما، ويمكن القول بأن الرصاص مادة سامة تبثها الناقلات في شكل ذرات دقيقة في الهواء يستنشقها الإنسان، وتمتصها الرئتان بكفاءة شبه تامة، وعند دخوله الجسم يبدأ بمهاجمة المخ والأعضاء الأخرى، وحتى في الأطوار البسيطة لهذا التسمم يصاب الصبي بتدهور في أدائه الفكري وتشتت في ذاكرته للمدى القريب وضعف قراءته وتهجيه... إلخ.

الصرف الصحي: تتراوح نظم الصرف الصحي في المدن العربية من الشبكات العامة الحديثة للصرف إلى أحواض الترسيب والآبار في كل بيت إلى المراحيض البلدية ( الحفر) إلى المراحيض المهوَاة المحسَنة، وهذه كلها تحتاج إلى معايير تحكم أداءها، فالمراحيض البلدية مثلاً تلزمها مواصفات دقيقة في التربة الحجرية الصلبة والتربة الرملية القابلة للانهيار، وفي المناطق ذات المستوى العالي للمياه الأرضية والمناطق التي تزداد فيها أخطار تلوث المياه الجوفية المجاورة.

النفايات: ازدادت في عصرنا الحالي مخلفات المناطق المختلفة في المدينة (سكنية - تجارية - صناعية - خدمية ) حتى أضحى تراكمها يهدد صحة البيئة والمواطنين، وأصبحت تلال القمامة منظراً مألوفاً في كثير من المدن العربية، ومصدراً للأمراض، خصوصاً للصبيان، ويكون أثرها أبلغ ضرراً في المناطق الرطبة، وفي مواسم الأمطار التي تساعد على توالد الذباب والبعوض والبكتيريا والفطريات والقوارض، كما تزيد مخلفات المناطق الصناعية باحتوائها على الأبخرة والمواد الكيميائية الضارة بالتربة والهواء ومصادر المياه.

تصريف المياه السطحية: يخلق تجمع المياه السطحية وركودها في كثير من المدن العربية مشكلة صحية وبيئية كبرى، خصوصاً في الأحياء الفقيرة وفي مناطق السكن العشوائي التي لا تكون أرضها أصلاً صالحة للبناء عليها والسكن، والمشكلة لا تكون فقط من مياه الأمطار والسيول، بل تنبع إلى جانب ذلك من مواسير التغذية الرئيسية المسربة للمياه أو المنفجرة، ومياه الغسيل والاستجمام، بل أسوأ من ذلك مجاري التصريف الصحي الطافحة بسبب الانسداد أو ضعف طاقة المحطات على السحب، فتظهر بذلك برك المياه الآسنة والجداول المليئة كخط رئيسي ولاسيما حين تختلط مياهها بالنفايات المنزلية والصناعية.

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 2936 - الأحد 19 سبتمبر 2010م الموافق 10 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً