العدد 2936 - الأحد 19 سبتمبر 2010م الموافق 10 شوال 1431هـ

لبنان... وازدواجية السلطة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

دخلت معادلة «سين سين» التي أرساها التقارب السعودي - السوري منذ أكثر من سنة في لبنان في امتحان صعب بدأ ينعكس في عودة التجاذبات الطائفية - المذهبية إلى النمو في إطار ساحة مكشوفة ولاتزال مفتوحة على احتمالات متعارضة.

الاستقرار السياسي المصطنع الذي تشكل في سياق عربي ثنائي أخذ يتعرض لضغوط دولية - إقليمية يرجح أن يتطور محلياً لينسجم مع تسويات بديلة ومؤقتة يتم ترتيبها في ساحات جغرافية مجاورة وبعيدة. وما يشهده لبنان من عودة للتوتر الطائفي - المذهبي، ما هو إلا صورة مصغرة عن تعديلات ديموغرافية - أهلية بدأت تتمظهر في أشكال من التسويات في بلاد الرافدين. ويرجح أن تلعب الصورة العراقية دورها الإقليمي في إعادة تشكيل المشهد اللبناني وما يمثله من تداعيات أمنية وامتدادات جوارية.

منذ أكثر من شهر أخذت التسوية القلقة (معادلة سين سين) تمر في اهتزازات طائفية - مذهبية مسيسة. وتسييس الطوائف والمذاهب في لبنان ليست مسألة جديدة ومفتعلة في اعتبار أن جوهر الانقسام في بلاد الأرز يقوم على أساس التوزع الأهلي وتقاسم الفعاليات الحزبية للحصص على مختلف المستويات الإدارية والقضائية والتشريعية والتنفيذية.

الانقسام الطائفي - المذهبي هو أساس النظام السياسي الذي يتشكل منه الكيان وتتألف من جغرافياته الحكومة ومنظومة العلاقات الأهلية. وهذا الشكل المحلي لمراكز القوى يمثل حيثيات سكانية معرضة للتعديل النسبي وفي الآن يعكس خريطة طريق إقليمية ترصد امتدادات طائفية - مذهبية أخذت تتشكل في بلاد الرافدين بعد تقويض الدولة وسقوط بغداد في العام 2003.

المعطى اللبناني في المجال الإقليمي يمكن أن يعتمد عليه للقياس العيني والتعرف على شكل الخريطة السياسية التي أخذت معالمها الجغرافية ترتسم في بلاد الرافدين ودول الجوار المحيطة بها. وبسبب ظهور متغيرات في التشكيل الديموغرافي المذهبي لمعادلة العراق الداخلية ستشهد بلاد الأرز اهتزازات أمنية يمكن أن تؤدي إلى زعزعة استقرار التفاهم الثنائي السعودي - السوري وإعادة تشكيله في صيغة ثلاثية تأخذ في الاعتبار جانباً من التحولات التي طرأت على الخريطة المذهبية - الطائفية الإقليمية.

تسوية «سين سين» القلقة كانت كما تبدو الأمور المنظورة مؤقتة وجاءت استجابة لمعطيات مرحلية أخذت تتجاوزها التطورات الدولية والإقليمية. فالعراق الذي شهد فترة تعثر في تأليف حكومته بسبب حال الانتظار لما سيسفر عنه موضوع الانسحاب الجزئي العسكري بدأ يدخل طور تسوية سيكون للتقاطع الأميركي - الإيراني دوره الراجح في التقاسم وتوزيع الأدوار.

هذا المعطى العراقي في حال انتقل من مرحلة المراقبة إلى ساحة التنفيذ سيكون له وزنه الضاغط ليعيد تشكيل صورة المشهد اللبناني لتكون متجانسة مع التوازن الإقليمي وامتداداته العابرة للحدود. ولذلك لن تستقر بلاد الأرز قبل أن تتوضح معالم خريطة سياسية تكون منسجمة مع توازنات القوى المحلية وعناوينها الطائفية والمذهبية.

العناوين التي تظهر على شاشات التلفزة والفضائيات سياسية في نمطها الايديولوجي العام ولكنها في أساسها تعتمد على قواعد أهلية سواء في جانب المحكمة الدولية والقرار الظني وشهود الزور أو في جانب المقاومة والمفاوضات والسلاح وشبكات المتعاملين. المظهر في تجلياته الإعلامية ينطق بالسياسة ولكن جوهره الداخلي يتحرك آلياً بقوانين الطوائف والمذاهب التي تتحكم في مفاصل القرار وامتداداته الإقليمية والجوارية.

معادلة سين سين يرجح أن تتعدل في الفترة المقبلة في إطار تسويات ستأخذ في الاعتبار التعديلات التي ستطرأ على المشهد العراقي وما يشكله الأمر من ضغوط سياسية إقليمية على دمشق بوصفها تمثل جغرافياً ذلك البرزخ الذي يربط ويفصل بين بغداد وبيروت.

لبنان الآن دخل طور ما بعد التسوية الثنائية القلقة الذي أخذ يهدد التفاهم اللفظي على ثلاثية الشعب، الدولة، المقاومة باتجاه توليد انقسامات سياسية تتوزع الولاءات على أساس الهويات العصبية الضيقة والانتماءات الطائفية - المذهبية. وهذا الانقسام العصبي لا يمكن رؤيته خارج سياقات المنظومة الأهلية والمعادلة الإقليمية والغطاء الدولي في العراق. فالمسألة ليست ايديولوجية حتى لو ظهرت على المسرح اللبناني في هذا السياق التمثيلي - الإخراجي. وهي أيضاً لا تتحرك على معطيات محلية حتى لو تسترت في عناوين فضائية للتغطية على الوقائع الميدانية، وهي تتمثل في المنعطف الراهن في عودة ثنائية السلطة إلى الظهور مجدداً على الشاشة السياسية.

ثنائية السلطة (دولة ومقاومة) هي مؤشر إضافي إلى ضعف تسوية سين سين وعدم قدرتها على احتواء التطورات والسيطرة على الانفعالات الناجمة عن تأثيرات المشهد العراقي وتجاذباته الإقليمية. كذلك ظهور ثنائية السلطة في محطات التلفزة وعلى الأرض يؤكد ذلك المؤشر الميداني الإضافي في وجود خلل في منطق معادلة الشعب، الدولة، المقاومة.

منطق المعادلة الثلاثي يعتمد جملة من التوازنات الوهمية التي تفترض أن الشعب موحد والدولة موحدة والمقاومة موحدة وبالتالي يتجه المسار العام نحو التصالح على خطة عمل متوافق عليها في البيان الوزاري. هذا المنطق الافتراضي يحتاج إلى فحص مختبري للتأكد من صحة فعاليته وإمكان نجاحه في تشكيل صورة تتخطى الانقسامات الأهلية. فالواقع السياسي غير ذلك؛ لأن الدولة ضعيفة ومشلولة، والشعب منشطر أهلياً على حلقات لا تتوافق في تطلعاتها ورؤيتها، والمقاومة لم تعد تشكل ذلك الجاذب الذي يوحد الناس على هدف مشترك.

ازدواجية السلطة ستكون على الأرجح محور التجاذب الطائفي - المذهبي في لبنان خلال الفترة المقبلة باعتبار أن منطق السلاح لا يقتصر على المواجهة مع «إسرائيل» وإنما بات له أيضاً مفاعيله الإقليمية ومردوده المحلي وما ينتجه من وظائف تضغط في إطار المساهمة على تسريع خطوة تعديل معادلة سين سين. فالمعادلة التي أرساها التقارب الثنائي السعودي - السوري منذ أكثر من سنة دخلت في امتحان صعب منذ شهر وهي تتعرض لضغوط إقليمية ليست بعيدة عن الفضاء العراقي وتداعياته وما سينتجه التقاطع الأميركي - الإيراني من خرائط سياسية ملونة بالطوائف والمذاهب.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2936 - الأحد 19 سبتمبر 2010م الموافق 10 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً