العدد 2941 - الجمعة 24 سبتمبر 2010م الموافق 15 شوال 1431هـ

الفقر آليات... وليس كلمة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل بالإمكان السيطرة على الفقر في العالم كما تطمح الأمم المتحدة في برنامجها الذي قررته في القمة الألفية التي عقدت في العام 2000. فالقمة حددت ثمانية أهداف طالبت الدول الأعضاء بتنفيذها قبل نهاية العام 2015 حتى يمكن التوصل إلى مستوى مقبول يضمن سيرورة مكافحة الفقر ومحاصرته عالمياً في السنوات التالية.

الطموح الذي حددته الأمم المتحدة في برنامجها مضى عليه عشر سنوات وأعيد في الأسبوع الماضي تداوله ومناقشته وتقييمه للكشف عن نجاحاته الجزئية وثغراته التي تهدد المشروع بالفشل بعد انقضاء المهلة الزمنية. ويرجح منذ الآن أن تعجز دول العالم في التوصل إلى تحقيق معدلات بسيطة من البرنامج الطموح. وهناك دلائل تشير إلى أن البشرية لن تستطيع خلال السنوات الخمس المتبقية أن تنجح في تخطي عقبات كثيرة تمنع الشعوب من التنعم بالخيرات التي تفيض عن حاجات الدول. وربما تحتاج البشرية إلى أكثر من 50 سنة حتى تتوصل إلى جزء بسيط من الطموح نحو تحقيق جوانب معقولة من برنامج الألفية.

العقبات كثيرة والصعوبات تتراكم والفجوة تزداد والهوة بين الأغنياء والفقراء تتوسع والآمال بشأن ضمان العدالة في نظام دولي جديد تتراجع... ومع ذلك هناك من لايزال يطمح في مكافحة الفقر اعتماداً على أرقام تقارن مستوى المعيشة كما كانت قبل عشر سنوات وكيف ستكون بعد خمس سنوات.

التفاؤل يسير إلى جانب التشاؤم. وفي الحالين تبدو الدول الأعضاء التي بلغ عددها 192 ويرجح أن يصل تعدادها السكاني في القريب إلى 9 مليارات نسمة تتنافس في أروقة الجمعية العامة للأمم المتحدة على تبيان قدراتها في الحد من الفقر ومحاصرته بينما الوقائع تؤشر إلى إخفاقات تهدد إمكانات ردم تلك الهوة بين الأمم والشعوب والدول والأفراد والطبقات.

التقارير التي تداولها أعضاء الأمم المتحدة أكدت أن نحو ربع سكان العالم تحت عتبة الفقر، ولا يحصل مليار إنسان على مياه الشرب، ويفتقد 2.5 مليار خدمات الصحة العامة، ويعاني مليار شخص من المجاعة، و70 مليون طفل يحتاجون إلى مدارس. هذه الهوة التي يطمح برنامج الألفية إلى ردمها قبل انتهاء المهلة الزمنية يرجح أن تتوسع دائرتها لا بسبب إحجام الدول الغنية عن الوفاء بالتزاماتها في المساعدة على التنمية فقط وإنما أيضاً بسبب نمو ظاهرة الاحتكار والطمع والفساد والسرقة وتمركز الثروات في يد حفنة من الأغنياء.

المشكلة أكبر من نقص برنامج المساعدات وإحجام الدول الكبرى عن تمويل خطط التنمية. والعجز في الموازنة لا يقتصر على عدم ضخ 20 مليار دولار في مشروعات التطوير والأنفاق وإنما هناك مجموعة عوامل رئيسية تردف احتمال الفشل وعدم التوصل إلى حد أدنى من التوازن المعقول لضمان المستوى العادل للحياة والمعيشة.

المشكلة لا تنحصر في البرامج والخطط والمشروعات والنقص في التمويل وإنما هي متشعبة وممتدة بسبب وجود آليات نظام دولي يمنع نمو نوع من التوازن المقبول في نسبة الاستثمار وتوزيع الثروة. ولأن العالم لايزال يعيش عصر الاحتكار والهيمنة والتسلط لن ترى البشرية تلك الطموحات الإنسانية متحققة على الأرض.

هناك أغنياء تعادل ثروتهم الفردية موازنة دول. وهناك أثرياء يملكون من المال أكثر من الدول. بيل غيتس مثلاً ارتفعت ثروته في عام واحد 4 مليارات دولار وهي تعادل في مجموعها اقتصادات كثير من الدول في إفريقيا وآسيا. وغيتس الذي احتل المرتبة الأولى في أثرياء العالم بلغت ثروته للعام 2010 أكثر من 54 ملياراً وهي تساوي ديون دولة لبنان مثلاً.

المسألة لا تتوقف على فرد وإنما تشمل شريحة من الأغنياء يحتكرون ثروات تعادل موازنات شعوب. ثروة كبار أغنياء الولايات المتحدة (400 ملياردير) تجاوزت 1.37 تريليون دولار وهي تعادل اقتصادات 22 دولة عربية بما فيها المغرب والجزائر ومصر ودول الخليج العربية والعراق وسورية وغيرها.

كل الدول العربية الآسيوية والإفريقية, النفطية وغير النفطية لا تزيد اقتصاداتها المجمعة في سنة واحدة ثروات 400 ملياردير يعيشون في الولايات المتحدة. وموازنة دولة إقليمية مثل سورية للعام 2010 لا تساوي نصف ثروة وارن بافيت التي وصلت إلى 45 ملياراً. كذلك يمكن تعميم المقارنات بموازنات الأردن وتونس والمغرب التي تعتبر أفضل مما هو عليه وضع اقتصادات السودان واليمن وموريتانيا.

المقارنة طبعاً صعبة وهي في المعيار الاقتصادي العام لا تجوز لأنها تضع قياسات متخالفة في ترتيب المداخيل ومستوى المعيشة ومعايير الإنفاق والتضخم... ولكن الوقائع المتراكمة دولياً تؤشر إلى نمو الفجوة واتساع الهوة حتى لو ظهرت في الميادين الآسيوية واللاتينية ملامح تطور متسارع في اقتصادات دول أصبحت تحتل مواقع متقدمة في لائحة العشر الكبار (الصين والبرازيل مثلاً).

هذا النمو الواعد الذي يشهده العالم في شرق شمال آسيا يقابله تراجع مؤكد في اقتصادات دول جنوب غرب آسيا. كذلك تقدم البرازيل المتسارع في قارة أميركا اللاتينية لا يضاهيه النمو الهادئ في بلدان وسط القارة الإفريقية وتلك الدول المهددة بالانهيار والتفكك والانشطار.

العالم يسير فعلاً نحو نوع من التعددية القطبية ولكنه لا ينمو موحداً وإنما يتقدم في سياقات متفاوتة ما يهدد مستقبلاً طموحات برامج الألفية ومشروعاتها التنموية وخططها المتواضعة في مكافحة الفقر ومحاصرته.

الفقر ليس كلمة وإنما هو نتاج آليات تصنعه الدول والشركات والأفراد وتعمل على المحافظة عليه. وهذه الآليات التي تقوم على قواعد مضبوطة في قنوات الاحتكار والطمع والسيطرة والسرقة والفساد تعتبر الأم الشرعية التي تولد سلسلة غير متناهية من حلقات الفقر. في العراق مثلاً تبخرت في السنة الماضية 50 مليار دولار من فائض الموازنة للعام 2009 ولا تعرف حكومة نوري المالكي وإدارة الاحتلال الأميركي أين ذهبت ومن سرقها وكيف يمكن استعادتها.

الفساد المنظم يتنامى دولياً وهو في إطاره الاقتصادي يشكل أحد قنوات السرقة والنهب والاحتكار وغياب الرقابة والمحاسبة. واستمرار هذا النوع من الآليات في ترتيب العلاقات الدولية (دول، شركات، أفراد) يعزز الكارتيلات والمافيات واللوبيات من جانب ويعرقل إمكانات التقدم نحو مكافحة الفقر ومحاصرته جغرافياً وإنسانياً.

المشكلة في تلك الآليات وليست في نقص وعود موازنة برامج الألفية نحو 20 مليار دولار. فالنقص المذكور لا يعادل ربع ما أصاب موازنة العراق من هدر وسرقة المال العام في سنة واحدة. وبعد كل هذا هل هناك من خلاف على الإجابة عن سؤال: هل بالإمكان السيطرة على الفقر في العالم خلال خمس سنوات كما يطمح برنامج الألفية الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل عشر سنوات؟

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2941 - الجمعة 24 سبتمبر 2010م الموافق 15 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 5:23 ص

      الثروة

      أنا في رأيي أن الخيرات على الكرة الأرضية كافية للجميع بحيث أنها لو وزعت بإنصاف لعاش جميع البشر حياة كريمة على هذه الأرض

    • زائر 2 | 3:00 ص

      فقر أم سرقة

      هذا العدد الهائل من الصنا\\يق الخيرية ف بلد بحجم البحرين معيب

    • زائر 1 | 1:40 ص

      المعادلة مقلوبة

      الأغنياء يزدادون غنىً، والفقراء يزدادون فقراً، عن أي إنماءِ يتحدثون؟

اقرأ ايضاً