العدد 2942 - السبت 25 سبتمبر 2010م الموافق 16 شوال 1431هـ

حماية سرية المصادر الصحافية بين التأييد والمعارضة

ثلاث دول عربية تحميها من أصل 22 دولة...

حمزة عليان comments [at] alwasatnews.com

.

رفع «موقع ويكيليكس» قضية حماية سرية المصادر الصحافية إلى درجة عالية من الاهتمام على المستوى العربي... واتجهت الأنظار إلى كيفية حماية الجسم الصحافي من الاختراقات سيما وأن معظم هذه البلدان تفتقر إلى ما يسمى بحرية تداول المعلومات...

وبحسب الكتاب الذي أصدره الزميل والمحامي ناهس العنزي «الجرائم الصحفية والأسرار التحريرية» هناك ثلاث دول عربية من أصل 22 دولة لديها قوانين تنص صراحة على حماية سرية المصادر الصحافية وهي البحرين والجزائر ومصر... وهذا يعني أن التقصير في هذا المجال واضح للعيان، فالدول التي لا تورد في تشريعاتها مواد تحمي أبناء المهنة من السجن والملاحقة تعاني في الأساس من ضيق في الحريات ومن قيود مشددة تجدها في قوانين الجزاء والعقوبات والمطبوعات... ولعل الجديد في هذا الموضوع هو الربط بين ما يحدث في المجتمعات الغربية وما تتعرض له الحريات الصحافية في ديار العروبة...

لقد استفاد موقع «ويكيليكس» من القانون السويدي الذي يوفر حماية لسرية المصادر وكذلك من القانون المعمول به في بلجيكا وإن كان من غير الواضح ما إذا كانت هذه القوانين تنطبق على الأمن القومي لدولة صديقة للسويد أو بلجيكا كالولايات المتحدة الأميركية، فهاتان الدولتان على سبيل المثال يباح فيهما للنائب العام التدخل لمنع نشر مواد أو معلومات قد تضر بالأمن الوطني للبلد الذي صدرت منه أي السويد وبلجيكا كما جاء في تقرير موقع «المختصر للإخبار»...

ما حصل في تلك الدول الإسكندنافية حرّك المياه الراكدة في آيسلندا ودفع باتجاه صياغة وإعداد الخطط المتعلقة بمبادرة الإعلام الآيسلندي الحديث والذي يدعو حكومة البلاد لقوانين تحمي الصحافيين ومصادرهم...

تحول موقع «wiki leaks» إلى نموذج في عالم كشف الأسرار دون أن تطاله يد القضاء والرقابة، وبقي جليان أسانغ، الأسترالي المولد، حراً وطليقاً يمارس أعماله كالمعتاد بعد نشره نحو 260 ألف وثيقة عن الممارسات غير القانونية للجيش الأميركي في أفغانستان والعراق...

بصرف النظر عن الهدف الذي سعى إليه القائمون على هذا الموقع ومن جعل الصحافة أقل كلفة وتمكين الصحافيين من القيام بها وحدها كما جاء في أدبياتهم المكتوبة... فهناك وجه آخر للحدث وهو كيف يتم حماية مصادر المعلومات للصحافيين؟

من الأسماء ذات الشهرة في عالم الصحافة والذين حوكموا وسجنوا بسبب رفضهم الاعتراف «بمصادرهم» كان الأساتذة غسان تويني صاحب صحيفة «النهار» اللبنانية، ومحمد جاسم الصقر، رئيس تحرير صحيفة «القبس» الأسبق وصحيفة «الجريدة» حالياً، والسيد بوب وودوارد صاحب كتاب «فضيحة ووترغيت» والسيدة جوديت ميلر العاملة في صحيفة «نيويورك تايمز»... ولكل منهم قصة، الأستاذ غسان تويني استطاع الحصول على قرارات مؤتمر القمة العربي «السرية» الذي عقد في الرباط العام 1974 وأحيل للمحكمة وأدخل «سجن الرمل» في بيروت ولم يعترف بالمصدر الذي زوّده بالقرارات والأستاذ محمد جاسم الصقر والزميل خضير العنزي أحيلا لمحكمة عسكرية بسبب نشر الهيكل التنظيمي للجيش وتنقلات وتعيين ضباط وقادة بوزارة الدفاع العام 1992, ولم يعترفا بالجهة التي زوّدتهم بالخبر علماً أن مجلس الأمة كان قد ألغى قانون الوثائق السرية للدولة وهو ما ساعد على إصدار حكم بتبرئتهم وبما نسب إليهم...

أما بوب وودوارد الذي كشف تسجيلات سرية ومحادثات خاصة للرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون العام 1974 ما أدى إلى تقديم استقالته وهو ما يعرف بفضيحة «ووترغيت»، حوكم مع زميل له على نشره لوثائق سرية

لم يعرف في حينه المصدر الذي قام بتزويده بالتسجيلات، وهو ما دفع الكونغرس العام 1974 لإقرار قانون حرية تقصي المعلومات أي بالاطلاع على الوثائق الحكومية السرية بعد مرور فترة زمنية محددة...

على أن القصة الأشهر والذائعة الصيت والعائدة إلى الصحافية جوديت ميلر، التي دخلت السجن بسبب رفضها تنفيذ طلب القضاء بالكشف عن أسماء المصادر التي سمحت لها بتسريب هوية أحد عناصر وكالة المخابرات المركزية وهي القضية المرتبطة بالتلاعب بالمعلومات المتوفرة حول أسلحة الدمار الشامل في العراق عندما صرح بوش الابن بأن العراق يملك أسلحة دمار شامل تبين فيما بعد عدم صحته...

في حينه خرجت أصوات تنادي بضرورة حث أعضاء الكونغرس على إصدار قانون يحمي السرية المهنية لدى الصحافيين... وكان لميلر مداخلة جميلة أمام القاضي أثناء الإدلاء بشهادتها... «إذا لم نثق بالصحافيين ليحافظوا على سرية مصادرهم، فلن يستطيعوا ممارسة مهنتهم ولن تكون هناك صحافة حرة»...

المكان لا يتسع عن سوابق شهدتها الصحافة العالمية برفض الاعتراف بـ «المصدر» الذي سرب المعلومة إلى هذا الصحافي أو ذلك وإن حصلت محاولات في الكويت لكنها لم تخرج إلى النور وتترجم بصيغة قانون بل بقيت في إطار مبادرات شخصية كتلك التي أقدم عليها الزميل أنس الرشيد عندما كان يعمل مستشاراً للتحرير في صحيفة «القبس» وتحت عنوان «ميثاق شرف» يضمن فيه حقوق الصحافي وواجباته ومنها الحفاظ على سرية المصادر التي تماثل حرص الطبيب على عدم إفشاء أسرار المريض، والمحامي على عدم البوح بأسرار موكله... فحق الصحافي في الحفاظ على سرية مصادره التي يتعامل معها باعتبار ذلك واجباً أخلاقياً بالإضافة إلى أنه أحد أسرار المهنة وعدم إجباره على إفشاء مصادر المعلومات التي يتعامل معها إلا إلى مسئوليه في إدارة التحرير...

وهذا ما جاء في ميثاق الشرف الذي بقي محفوظاً في الأدراج ليأتي اليوم الزميل ناهس العنزي ويعيد إحياءه من خلال ما أورده في كتابه الجديد عن الصحافة وتخصيص فاصل عن «الحق في عدم كشف المصادر السرية للصحفي» وإثارته للسؤال القائم وعما إذا كان سر التحرير يعد ضمانة من ضمانات حرية الصحافي فيتعين المحافظة عليه أو يجوز للصحافي الكشف عن مصادر معلوماته... لهذا يعتقد من وجهة نظر قانونية ومهنية أنه إذا أجبر الصحافي على الإفشاء عن مصدر معلوماته فإن ذلك سيؤدي إلى فقدان ثقة المصدر به والآخرين أيضاً... ولذلك كان من المؤيدين لعدم كشف المصادر السرية للصحافي وإن بدا أن المعارضين لهذا الحق ينطلقون من مواقع مختلفة تماماً بحكم وظائفهم أو الجهات التي يمثلونها ويشعرون فيها بالخطر من جراء نشر «المعلومات السرية»...

الرئاسة الفرنسية تتجسس على صحافي!

اتهمت قبل أيام صحيفة «لوموند» الرئاسة الفرنسية بالتجسس على صحافي لمعرفة أحد مصادره وانتهاكها للقوانين المتعلقة بحماية مصادر الصحافيين على خلفية قضية توظيف زوجة وزير العدل ليليان بيتنكور في مجموعة «لوريال» الخاصة بمستحضرات التجميل من قبل باتريس دومستر مدير ثروة بيتنكور وحصوله على وسام جوقة الشرف

إقرأ أيضا لـ "حمزة عليان "

العدد 2942 - السبت 25 سبتمبر 2010م الموافق 16 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً