العدد 2946 - الأربعاء 29 سبتمبر 2010م الموافق 20 شوال 1431هـ

واشنطن وطهران بين الخلاف والتقاطع

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في حديثه إلى صحيفة «الحياة» الإثنين الماضي قال الرئيس العراقي جلال طالباني إن هناك «توافقاً من دون تنسيق بين الأميركيين والإيرانيين والسوريين على تسلم نوري المالكي رئاسة الوزراء». فهل صحيح أن التوافق هو نتاج توارد الأفكار أو حلم ليلة صيف أو أحلام يقظة اتجهت من دون تنسيق نحو عنوان واحد أم أن الأمر يعكس تقاطع مصالح التقت على نقطة مشتركة توافقت الأطراف على أنها تشكل ضمانة أمنية - سياسية في مرحلة ما بعد تموضع قوات الاحتلال والانسحاب الأميركي من بلاد الرافدين؟

فكرة «من دون تنسيق» تحتاج إلى تدقيق لأنها تتعارض مع كلام آخر يتحدث عن لقاءات «فنية» و «تقنية» يتم خلالها تبادل المعلومات وملاحقتها ميدانياً خلال السنوات الأربع الماضية. والتوافق على اسم المالكي ليس مصادفة أو نتاج توارد الأفكار وإنما هو أحد إفرازات تلك اللقاءات السرية أو العلنية في بغداد وعواصم أوروبية جرت مباشرة أو بالواسطة أو من خلال رسائل تناقلتها «أطراف ثالثة».

الأقرب إلى المنطق أن يكون التوافق على المالكي جاء نتاج التنسيق وبناءً على تجربة ميدانية تأسست قواعدها التنظيمية في عهد تيار «المحافظين الجدد» وتوقفت جزئياً بعد فوز باراك أوباما بالرئاسة ثم عادت للنشاط مجدداً بعد أن تراجعت الإدارة الأميركية عن سياسة المفاوضات المباشرة (وجهاً لوجه). فالتفاوض غير المباشر يبدو أنه يشكل الإطار المفضل لترسيم حدود التوازن المطلوب تحقيقه في العراق ما بعد مرحلة الاحتلال. وهذا النوع من التفاوض غير العلني يعطي الأجهزة دورها الميداني في ترتيب العلاقات من دون حاجة للظهور في المشهد وأمام العدسات.

الصورة ليست كاريكاتيرية لأن الواقع الذي أنتجه الاحتلال أدى إلى تشطير العراق إلى أجزاء، جزء يتعامل معه، وجزء يستفيد منه، والآخر تضرر من سياسته. وبحسب هذه القسمة الثلاثية يصبح الاحتلال بحكم الضرورة حليف المتعامل والمتعاون والمستفيد وعدو المتضرر منه ومن تداعيات احتلاله. وبهذا التبسيط يمكن قراءة المشهد العراقي وكيف تفرع وانشطر مذهبياً وتوزعت قواه بين متعاونين ومستفيدين ومقاومين ونازحين داخلياً أو إلى دول الجوار (الأردن وسورية).

هذا المتغير الجيوسياسي الذي أدى إلى تشكيل توازنات إقليمية رسمت خريطة طريق لتحالفات وتفاهمات تحكمت في مفاصلها ضرورات أمنية ومخاوف عسكرية تأسست عليه قراءات متفاوتة في التحليل والتوقعات. فهناك من قرأ إسقاط النظام السابق وتقويض الدولة العراقية أنه جاء لمصلحة إيران لأن واشنطن ساعدتها في إزالة عقبة في وجه انتفاخها الإقليمي وتمددها الجغرافي. وهناك من قرأ المتغيرات بأنها جاءت على المدى البعيد ضد سياسة إيران في اعتبار أن الولايات المتحدة أنزلت قواتها ونشرتها على حدود الجمهورية الإسلامية ما يعني أنها أصبحت قوة دولية مجاورة تهدد النظام بالسقوط في اللحظة التي تحددها.

الاختلاف في القراءة يفسر ذلك التضارب في التوجهات المعلنة (تبادل رسائل التهديد والوعيد بالحرب) والاتصالات الميدانية (التنسيق الفني والتقني) على مستوى لقاءات الأجهزة وتبادل المعلومات والتوافق على تهدئة الساحة أمنياً ومحاصرة المحافظات المتمردة على الاحتلال. فالتضارب يعطي فكرة عن طبيعة الاختلاف في القراءة بين تيار أميركي يطالب بالتنسيق مع إيران لضبط الساحة في مرحلة الانسحاب وبين تيار يرفض التسليم بالنتائج الميدانية التي ترتبت وجاءت لمصلحة طهران ونمو نفوذها في بلاد الرافدين.

التعارض بين التوجهين يفسر إلى حد كبير عدم وضوح صورة العلاقة المتنامية من جهة والمتضاربة من جهة بين واشنطن وطهران. والغموض في إطاره الإعلامي (دعوات للحرب مقابل دعوات للتفاوض) لا يلغي احتمال وجود تنسيق ميداني «فني» و «تقني» يتضمن الكثير من الأوراق من بينها ورقة المالكي في اعتبار الأخير محطَّ ثقة للإدارة الأميركية بعد تعاون ناجح معه امتد على السنوات الأربع الماضية.

إيران من جانبها لا تنفي مساهمتها أو مساعدتها أو سكوتها على الاحتلالين الأميركيين في أفغانستان والعراق. وإذا كان هذا الادعاء فيه شيء من الصحة فإنه يصبح من المنطقي والمعقول أن تواصل حسناتها من خلال التنسيق وترتيب خطوط التفاهمات وتوسيع شبكة العلاقات الأمنية والفنية. فمن يقول إنه ساعد في تسهيل الهجوم على أفغانستان والعراق لا يتردد في استكمال المساعدة في تسهيل الانسحاب من أفغانستان والعراق.

بهذا المعنى التبسيطي يمكن تركيب أجزاء الصورة للتعرف على حدود الخلاف والتقاطع بين طهران وواشنطن في المجال الجغرافي الممتد من كابول إلى بغداد. فالخلاف ليس بالضرورة ينحصر في الملفين باعتبار أن أميركا موافقة على تقديم المساعدة وتسهيل الانسحاب من الجانب الإيراني وإنما يمكن تلمسه في جوانب أخرى غير مرئية في الصورة. الخلاف بين الطرفين على ملفات أخرى لا يلغي احتمال التقاطع (التنسيق) في الساحتين الأفغانية والعراقية.

التبسيط يساعد أحياناً على توضيح ملابسات الصورة. أميركا من جهتها تتعامل مع إيران بوصفها دولة إقليمية عادية عندها طموحات تتجاوز حدودها وهي في هذا الإطار لا تمانع في تقديم تنازلات مدروسة لاحتواء فائض القوة الذي تمتلكه. إيران (النظام) ترى من جهتها أنها دولة كبرى تريد أن تشارك الولايات المتحدة في وضع خطط وبرامج لاستيعاب مشكلات العالم ومن ضمنه «الشرق الأوسط الكبير» وكل ملفاته الممتدة من محيطه إلى خليجه.

الخلاف والتقاطع يسيران جنباً إلى جنب لذلك تصدر عن واشنطن دعوات متعارضة بين العقوبات والحرب الإلكترونية وفرض الحصار البحري وبين اللقاءات الميدانية لتبادل المعلومات والتنسيق المخابراتي بشأن الملف الأمني في أفغانستان والعراق واحتمال تطور التفاهم إلى نوع من الاتفاق على حدود البرنامج النووي وأبعاده في ضوء نتائج الاجتماعات المقرر عقدها في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.

الاحتمالات إذاً مفتوحة وهي في منطقها لا تتعارض مع مساري الاختلاف والتفاوض لأن المسار الأول له علاقة بطموحات إيران التي تتجاوز حدود قدرة واشنطن على الاستيعاب والتحمل، بينما المسار الثاني تفرضه الوقائع والضرورات الميدانية من دون مبالغة تساهم في انكسار منظومة العلاقات الإقليمية.

بين الاختلاف والتقاطع ترتسم أحياناً خطوط المصالح وتتداخل وتتفارق بين عقوبات من جانب وتنسيق من جانب لتحديد الخيارات الموضعية كما هو حال التفاوض بشأن اعتماد المالكي بوصفه المفوض المكلف للإشراف على مرحلة الانسحاب التي وقّع أوراقها في نهاية عهد جورج بوش.

كلام طالباني عن توارد الأفكار بشأن اختيار المالكي لتسلم رئاسة الوزراء ليس موفقاً، لأن مؤشرات التدقيق في مجرى التطورات المتراكمة في العراق تؤكد ارتفاع بورصة التنسيق بين طهران وواشنطن في إطار مضمار السباق الإقليمي ومدى تأثير القوى على تركيب صورة بلاد الرافدين في مرحلة ما بعد الانسحاب.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2946 - الأربعاء 29 سبتمبر 2010م الموافق 20 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 5:56 ص

      خالد الشامخ : أيران المنهاره من الداخل

      عندما يتحول النظام الايراني بألتهام ابناء شعبه فنهايته قريبه جداً ..لا تسئلوا من هم خارج أيران بل أسئلوا أهل أيران هل هم سعيدون مع الديكتاتور؟؟؟

    • زائر 6 | 1:36 ص

      ولماذا لم تذكر دور العرب الاشاوس في الاحتلالين العراقي والافغاني

      أم انك تعتبرهم جزء من المحتل الامريكي لبلدان العرب. .. وكيف تقارن دور "الضراغم" مع الدور الايراني. .. ولماذا لم تأت على القائد المناضل حامي البوابه الشرقية وما عمله في الكويت والعراق من بطولات عربية وفتوحات. .. لماذا لم تأتي على دور جحافل هذا المناضل العظيم ، دورهم الدموي ضد الشعب. .. قسمت العراق الى متعامل متعاون ومستفيد... أين التكفيريين ومن يقف وراهم واين دورهم في العراق. .. لماذا لا يكون حديثك حديث شامل؟ ..

    • زائر 5 | 12:44 ص

      التنسيق أفضل للمنطقة

      الولايات المتتحدة لها سياسات مختلفة في شتى الامور وعندما تكون متعقلة في بعض القرارات لابد أن تتقاطع مع النظام في طهران التدخل الايجابي لايران في العراق لابد أن يبقى في مقابل التدخل السلبي المرعب الدي يقتل الناس بدم بارد بحكم الجوار لابد من تدخل في شأن بلد غير مستقر قد يكون ملجألحركة معادية لهم دول الجوار لايعجبهم نظام فيه نوع من الديموقراطية ولاكم وشنطون ملزومة حسب مبادئها لقبول نتائج العملية الديموقراطية فالتنسيق معها أفضل ولصالح شعب العراق

    • Ebrahim Ganusan | 12:34 ص

      شيء لايخفى على أحد ,,, كلام سليم

      إيران من جانبها لا تنفي مساهمتها أو مساعدتها أو سكوتها على الاحتلالين الأميركيين في أفغانستان والعراق.

    • زائر 4 | 11:47 م

      عبد علي عباس البصري

      السيد علي السستاني الذي رفض استقبال قائد القوات الامريكيه الغازيه (لا اتذكر اسمه) رافضا الاحتلال الامريكي جمله وتفصيلا. وهو الذي اصر على الانتخابات دونما تأخير ، دعما للديموقراطيه . وهو الذي وقف بثيابه ضد الجنود الامريكان والطيرانالامريكي وأوقف الحرف النازفه في النجف الاشرف . ففاز هو على الايرانيين واللبنانيين. فكان رأيه هو اصوب .

    • زائر 3 | 11:43 م

      عبد علي عباس البصري

      اما عن قولك ان ايران غضت البصر عن الاحتلال الامريكي للعراق وافغانستان ، فذلك امر لا يصدق لا من قريب ولا من بعيد . بس من وين هذا الاستقراء ومن اين جئت بالمسبار ، لان هذا الادعاء كبير وكبير ولا يصدق حتى يلج الجمل في سم الخياط .
      بس وللعلم : عند دخول الامريكان العراق كان هناك رأيين ، واحد يأيد مقاومه الاحتلال الامريكي وآخر فطن وذكي (لم يحرك ساكن اعني لم يفتي بمقاومه الاحتلال ) اما الطرف الاول فهم الايرانيين واللبنانيين ، اما الطرف الثاني فهو الفذ السيد علي السستاني

    • زائر 2 | 11:33 م

      عبد علي عباس البصري

      مرتعا للايرانيين الكابوس الحقيقي للكيان الصهيوني . وحالها في الدولتين لا يسر صديق ولا عدو . فأما ان تشعل النار ولا يعلم الى اين تصل السنتها ، واما ان تترك الدولتين وهذا مر المذاق (ويش اللي امصبرنك على المر قال اللي امر منه ) ولاكن ما الخبر لو تركت امريكا الدولتين ، ؟؟؟؟؟

    • زائر 1 | 11:28 م

      عبد علي عباس البصري

      صباح ا لخير يا وليد : اعتبار التوافقات المصلحيه هي ليست متفقه بين ايران والولايات المتحده ، اصلا وانما هي من باب (ويش جابك الى المر قال الي امر منه ) فلو تركت امريكا العراق على حاله ،دون مبادره فستبادر ايران ، والمصلحه هي الهدف الاول للسياسات فلا صداقات دائمه ولا عداوات دائمه بل مصالح دائمه . فأمريكا باحتلالها للعراق وافغانستان ، كان من ضمن اهدافها محاصره الوطن العربي والاسلامي ، حاضرا ومستقبلا. بس اللي صار اتسع الفتق على الراتق ، وغلب الماء على الطحين ، فلا تستطيع ترك العراق وافغانستان

اقرأ ايضاً