العدد 2957 - الأحد 10 أكتوبر 2010م الموافق 02 ذي القعدة 1431هـ

«أمراء الطوائف» ومفاتيح الجنة

عبدالجليل النعيمي comments [at] alwasatnews.com

مسار العملية الانتخابية التي يستعر أوارها في البحرين يكشف عن بروز خصائص تميز انتخابات 2010 عن سابقتيها.

من حيث النتائج المتوقعة، يشير الواقع إلى أن أعداد المرشحين المستقلين تفوق الحزبيين بعدة أضعاف. ورغم أن هذا مظهر من مظاهر المراحل المتدنية من الديمقراطية، حيث المنافسة بين الأحزاب السياسية ببرامجها الانتخابية الشاملة تُعدّ الأساس في الديمقراطيات المتقدمة، إلا أنها تجيء في الانتخابات البحرينية لتعبر أيضا عن اقتناع كثير من المستقلين بقدرتهم على منافسة القوى الطائفية واحتلال المساحة التي انحسرت عنها هذه القوى في المجتمع، وستنحسر عنها في البرلمان القادم.

ولا تخلو ظاهرة المستقلين بدورها من مظاهر سلبية، حيث إن المال السياسي يحرك عددا من المرشحين المستقلين الذين لم تعرفهم الحياة السياسية قبلا من بعيد أو قريب، ولا يملكون مؤهلات سياسية مقنعة لاحتلال مقاعد في البرلمان القادم، أو أن الحكومة تريد أن «تقضم»، كما يقال، من الحصص الحالية للكتل البرلمانية الطائفية. لكن ذلك لا يغير كثيرا من جوهر الظاهرة.

القوى الديمقراطية، بمقارباتها وتكتيكاتها المختلفة عن بعضها، أيضا قرأت وفهمت إجمالا واقع الحال بشكل جيد وتقدمت بهويتها وبرامجها بوضوح في هذه الانتخابات.

تفاعلات العملية الانتخابية تبين أن قطاعات واسعة من الجماهير ملّت وصاية قوى جانبي الطائفية وتريد الخروج من تحت عباءتها. وتتحدث عن هذا صراحة في خيم المرشحين المستقلين والديمقراطيين. وفي الصحافة والمجالس يتحدثون كثيرا عن أن اتجاهات نتائج الانتخابات سائرة نحو انحسار نفوذ كل قوى الطائفية التي قسمت المجلس النيابي والشعب على نفسيهما ليصبحا على شاكلة تلك التنظيمات. وأن الأمور ماضية نحو احتلال المستقلين والديمقراطيين مساحة أكبر في البرلمان القادم.

وإذا كانت هذه الحقائق مبعث أسى للقوى الطائفية، فإنها أيضا تشكل مبعث سلوكها الانتخابي الخطر على العملية الانتخابية وعلى جماهير الشعب مجددا.

لقد بدأ «أمراء الطوائف» يلوحون بمفاتيح الجنة لمن سينتخب مرشحيهم، ومفاتيح جهنم لمن سيحكم عقله وضميره وينتخب مرشحه بحرّ إرادته.

ودعواتهم هذه قد تدفع بالمواطن العادي إلى حد الهلوسة.

أمامي مطوية وجدتها ملقاة عند باب منزلي تحمل عنوان رسائل توعوية 2 (يعني فاتتني واحدة، وهناك غيرها قادم). تتضمن المطوية 16 وصية، تقول بأن الله سائلي عن اختياري لمرشحي وعليّ أن أضع مخافة الله بين عيني، وأن أستشير الأمناء والتقاة وأهل الفضل لكي يدلوني، وأن ما سأقوم به يدخل في مفهوم العبادة، وأن أستخير وأصلي ركعتين قبل الاختيار.

تخيلت نفسي لو أنني أقل وعيا مما أنا، لهممت بمطالبة مرشحي التيار الديمقراطي بأن ينسحبوا ويتركوا المجال لمرشحي طائفة «رسائل توعوية». ثم تناولت صحيفة السبت وقرأت خبر «التحرش» بيافطات المرشح النيابي فاضل الحليبي وتعليق دعوات بالقرب منها تدعو إلى انتخاب «المؤمنين» من الطائفة الأخرى دون غيرهم.

«شعرت» أن علي ان أحذر أقاربي ومن أحب في دائرة فاضل من انتخابه، بل وأن أطلب من فاضل أن يلملم كل شجاعته وتاريخه النضالي الغني وبرنامجه الوطني البديل، الموحد للشعب، التقدمي في مضامينه، هذا لا يهم. المهم أن يخلي السبيل أمام المرشحين «الإيمانيين». عدت إلى نفسي لأجدني في دائرة محيرة هي الأخرى. أنا إن انتخبت المرشحة الديمقراطية منيرة فخرو أكون قد خالفت تعاليم «رسائل توعوية» وفوت فرص الجنة. وإن انتخبت مرشح «الرسائل» أكون قد خالفت تعاليم «القائمة الإيمانية» التي لا مرشح لها في الدائرة. فهل ضاعت مفاتيح الجنة؟

شعرت بأمل الخروج من حالة الهلوسة عندما عدت لما قاله النائب المحترم خليل المرزوق في مناظرته أمام المرشح فاضل الحليبي. فقد رفض خليل أي فتوى لصالحه وأي حث لاختيار ممثلي قائمة إيمانية أو غيرها، بل دعا للاختيار على أساس الكفاءة. الحمد لله لم تضع مفاتيح الجنة. بقي فقط أن يعلن النائب الذي أكن له احتراما لشجبه الاعتداء على إعلانات فاضل الانتخابية، وإلا ضاعت مفاتيح الجنة من جديد!

معذرة على السرد التهكمي أعلاه. لكن ذلك يعكس حال كثير من الناس. بل وقد يشد إليه أناسا يتمتعون بالجاه والمسئولية والنفوذ. وينذر بأخطار تمتد إلى أبعد من الانتخابات. ويحدث هذا ليس عندما يغيب إصلاح الخطاب الديني فقط، بل وعندما تحتقن العملية الديمقراطية. وأكثر من ذلك عندما تغيب الحلول الديمقراطية الحقة.

إقرأ أيضا لـ "عبدالجليل النعيمي"

العدد 2957 - الأحد 10 أكتوبر 2010م الموافق 02 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 12 | 4:13 م

      تجهيل الناخب سلاح العصر

      منطقك ياخي الكريم زائر رقم-1- ومن على منواله يندرج ضمن منهجية تجهيل الناخب باستخدام سلاح الشرع وسيلة لمواجهة الاخر وترهيب الناخب البسيط.
      من قال لك ياخي ان تيار اليسار يسعى الى انتهاج طريق التعارض مع القيم الدينية ؟ ومن قال لك ان ما تطرحه يدخل ضمن اولويات تيار اليسار؟
      يا اخي الناس تبحث عن بريق امل يؤمن احتياجاتها من عمل وسكن وامن اجتماعي وديمقراطية مؤسسة وحقوق مدنية في التعليم والصحة والعدالة الاجتماعية وبيئة امنة خالية من المخاطر تتوفر فيها مقومات الحياة الكريمة-
      تلك هي اولويات برنامج اليسار

    • زائر 11 | 12:30 م

      بهلول

      أما بالنسبة لأمراء الطوائف و مفاتيح الجنة و أصفاد جهنم فهذه تأخذ عدة أشكال و أصناف و ليست قصراً على جهة محددة. فالذين يغدقون المال السياسي و الذين يلوحون و يستغلون نفوذهم و سيطرتهم و سطوتهم (أو سطوهم) الإقتصادية و غير الإقتصادية هم من أسوأ أنواع أمراء الطوائف.
      كما أن مفاتيح البيوت "السريعة" - بينما ينتظر الآخرون فوق 14 سنة - و التلويح بالوظائف المريحة هي مفاتيح جنة للبعض ، و بينما أيضاً التلويح بالفصل و الحرمان من الحقوق الأساسية هي مفاتيح جهنم للبعض الآخر.

    • زائر 10 | 12:14 م

      بهلول

      نعم يا عزيزي وأنا أقول لك بأن الله سائلي عن اختياري و أن علي أن أضع مخافة الله نصب عيني. الله في المفهوم الإسلامي الصحيح هو الحق و النور (و هاتان من أعظم أسمائه الحسنى جل و علا) إنه في الضمير الذي يجب أن أحسب و يحسب له كل ذي فطرة سليمة ألف حساب. و هذا بالضبط ما دفع بعضاً من كبار الفلاسفة و المفكرين إلى إعتناق الإسلام و معانقته - روجيه جارودي و مصطفى محمود مثالاً -
      إذاً فمخافة الله أمر لا بأس به بل هو أمر محمود و يتفق مع الفطرة الإنسانية.

    • زائر 8 | 4:54 ص

      ياليت كل المرشحين مثل خليل وفاضل كان تصوت وانت مرتاح

      مقال ممتاز يشرح وضعنا بالضبط. لكن هذه ضريبة الديمقراطية على شعب لم يجربها. نحتاج يمكن دورتين أو ثلاث دورات انتخابية أخرى حتى المجتمع يوعى وما تمر عليه مثل هذه الأمور. مهما كان المشاركة أفضل، لكن لازم تكون بحسب الكفاءة والأمانة وليس بحسب التيار. وياليت كل المرشحين مثل خليل المرزوق وفاضل الحليبي لأن فوز أي واحد منهم هو فوز للاثنين. أما المعتقد فكلنا مسلمين حتى العلماني مسلم وإن ادعى غير هذا لأنه عند وصوله للبرلمان راح يحسب ألف حساب لأمور الدين لأن يمثل الكل، وإلا المجتمع راح يحاسبه وتروح عليه!

    • زائر 7 | 4:49 ص

      البرباري ... تعليق زائر رقم 1 عقلاني

      فهو خائف على الاسلام من الضياع لهذا سوف يصوت الى الكتلة الايمانية الاقل كفاءة ولو انه ضمن اليساري في ما يخص صونه للدين لغيّر رأيه وصوت للكفاءة التي يتحلى بها اليساري دون غيره ، لكنه لم يقول لنا رأيه في ما يتصل بدعوات التأييد والمساندة من انصار الكتلة الايمانية الى منيرة فخرو وابراهيم شريف الذين ينتميان الى الجناح اليساري العلماني المؤيدين لاقرار قانون الاحوال الشخصية هنا نجد انفسنا في دائرة ليس لها مخرج

    • زائر 6 | 4:09 ص

      الوفاق أفضل الخطئين

      المشاركة لابد منها لا لانها ستأتي بشيئ ولكن قد تمنع شيئ سيئ فالفساد عم العباد وما يسمى المتنفدون غطو البلاد بالمناكر ولكن المشاركة وعدم ترك الساحة لهم في تقديري هو الاصلح

    • زائر 5 | 3:49 ص

      كيف نصدق المرزوق؟؟؟

      حضوركم دعم لخيار العلماء والوفاق...هذا لازمة تجدها أخ جليل في كل الرسائل النصية التروجية في حملة الوفاق الأنتخابية .. فهل المرزوق ينتمي لكتلة فضائية؟
      سوار

    • زائر 4 | 2:28 ص

      لن اشارك في الانتخابات هذه المرة

      لن اشارك

    • زائر 3 | 1:58 ص

      مااحب الوفاق بس بارشحهم

      انى ما احب الوفاق لانهم ما سوو شى

    • زائر 1 | 10:29 م

      اراها من هذه الزاوية

      لو ان مرشحا يساريا فاز في الانتخابات و طالب بامر مخالف لديني او مذهبي و تم اقراره فانا مشارك في الاثم لانني انا من ساهمت بايصال هذا النائب رغم معرفتي عن توجهاته و فكره الذي يرى في الحجاب مثلا تخلفا او في الارث رجعية او في العدة حط من قدر المرأة و غيرها من الاختلاف الايدلوجي في الرؤى . لو اضمن ان المرشح اليساري متجنب للمسلمات الدينية لكانت الكفاءة هي ميزان وحدها الاختيار.

اقرأ ايضاً