العدد 2985 - الأحد 07 نوفمبر 2010م الموافق 01 ذي الحجة 1431هـ

حزب الله... وسيناريو الفتنة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

في مقابلة أجرتها معه صحيفة «النهار» أبدى قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي «قلقه» من احتمال حصول فتنة أهلية بسبب الاتهام الظني الذي سيصدر عن «المحكمة الدولية». وأوضح الجنرال أنه «ليس خائفاً» لأن الجيش مستعد لاحتواء أي توتر أمني في كل المناطق «وخصوصاً المناطق المسيحية». ولم يتطرق الجنرال إلى تفصيلات سيناريو الفتنة ولكنه أشار إلى انتشار الجيش في «قلب بيروت» وتلك «التي تشكل المناطق الأكثر حساسية وتعد بمثابة المفاتيح لأي توتر».

الكلام خطير لأنه يصدر عن أعلى مسئول في الأجهزة الأمنية. وحين يصل القلق إلى رأس الهرم العسكري فمعنى ذلك أن المعلومات الميدانية تؤشر إلى وجود فرضية قوية ترجح الانفجار الذي إذا وقع سيكون الأعنف منذ اندلاع الحروب الأهلية - الإقليمية في العام 1975. والفارق الوحيد سيكون في أدوات الصراع وساحاتها وموادها الأهلية ومجالها الإقليمي.

كلام قائد الجيش يؤكد وجود خطة مضادة لمنع «المس بالأمن» ولكنه يرسم خريطة طريق تميز بين المناطق اللبنانية. فهناك أولاً «المناطق المسيحية» وهي تشكل ذلك الخط الأحمر الممنوع تجاوزه. وهناك ثانياً «قلب بيروت» وهي التي تقع في داخلها مؤسسات السلطة. وهناك ثالثاً «المناطق الأكثر حساسية» وهي تشكل خطوط التماس المذهبي السني - الشيعي.

تقسيم قائد الجيش لبنان إلى ثلاث مناطق يمكن اعتماده لقراءة تداعيات سيناريو افتراضي ترجح الأطراف احتمال انفجاره. المنطقة الأولى تشمل الأقضية المسيحية الصافية وتضم بشري، الكورة، زغرتا، جبيل، البترون، كسروان، المتن الشمالي، الجانب الشرقي من العاصمة بيروت، ومدينة زحلة في البقاع. المنطقة الثانية تحتوي على المؤسسات الرسمية وتضم المطار، المصرف المركزي، الإذاعة والتلفزيون، مجلس النواب، مقر الحكومة (السراي)، مركز الأمن العام، المرفأ، القصر الجمهوري، وزارة الدفاع، محطة الكهرباء، إهراءات القمح، وغيرها من وزارات وهيئات تقع في مناطق الاختلاط وتتداخل في وسطها طريق الشام (الخط الأخضر) الذي يفصل بين المسيحيين والمسلمين. المنطقة الثالثة تقتصر على «مفاتيح التوتر» وهي تلك البؤر الحساسة التي ترتسم في أحياء العاصمة ومداخلها ومخارجها إلى الجبل والبقاع أو إلى الجنوب والشمال.

التقسيم الذي افترضه قائد الجيش يرتب المناطق اللبنانية على ثلاث درجات أمنية. الأولى، مسيحية وهي التي سيقاتل الجيش بشراسة للدفاع عنها ومنع اختراقها مهما كلف الأمر. الثانية رسمية وهي التي سيعمل الجيش جهده لمنع سقوطها وخصوصاً تلك التي تقع جغرافياً في مناطق تماس الأقضية المسيحية (القصر الجمهوري، وزارة الدفاع، المرفأ، الإهراءات، محطة الكهرباء) بينما يرجح أن تتهاوى المراكز الحكومية الأخرى (المطار، المصرف المركزي، الإذاعة والتلفزيون، البرلمان، السراي). الثالثة خطوط التماس السنية - الشيعية وتلك الجيوب المذهبية التي تتداخل في وسطها الأحياء وهي تشكل مفاتيح توتر سيعمل الجيش على منع احتكاكها ولكنه ليس متأكداً من إمكان احتواء انفجارها.

كلام قائد الجيش خطير وله صدقية، لأن الجنرال يتحدث عن وقائع وإمكانات ولا يبالغ بقدرات المؤسسة العسكرية لأنه يعلم أن قوة الدولة محدودة وهي لا تستطيع الدفاع عن كل لبنان ولا تمتلك الألوية الكافية لحماية كل اللبنانيين في كل المحافظات والأقضية. لذلك وبناء على هذه القراءة الموضوعية قسّم المناطق إلى ثلاث دوائر الأولى مسيحية (ممنوع إطلاقاً)، الثانية رسمية (ممنوع بقدر ما تسمح به الإمكانات)، الثالثة سنية - شيعية (ممنوع نسبياً وبحسب الظروف).


الجانب السياسي للكارثة

بعيداً عن التقسيم العسكري الذي وضعه قائد الجيش، وهو في مجموعه متواضع في حساباته العامة لأنه رتب قدرات الدفاع والصد بحسب تراتبية ديموغرافية (سكانية) صافية في توزعها الطائفي أو المذهبي أو مختلطة لا وجود أصلاً للدولة فيها، يبقى السؤال السياسي الأهم وهو هل ينزلق حزب الله نحو تبني هذا السيناريو الخطير؟ قيادة حزب الله ذكية وهي تدرك أن الجانب السياسي أهم من العسكري، وهي تعلم معنى الإقدام على اتخاذ مثل هذه الخطوة الخطيرة. فالمسألة سياسية وليست عسكرية وهي تحتاج إلى غطاء دولي (أميركي - أوروبي) وموافقة عربية - إقليمية ورضى إسرائيلي كما حصل في لبنان العام 1976. فهل الظروف السابقة متوافرة في بلاد الأرز في العام 2010؟ قيادة حزب الله تعرف قبل غيرها أن هذا السيناريو يحتاج إلى غطاء سياسي عام وشامل ولا يقتصر على القوة العسكرية فقط. والسياسة في بلد طائفي - مذهبي تعني لا سياسة وإنما مواجهة طائفية ضد المناطق المسيحية ومذهبية ضد المدن والمناطق السنية. وهذا الانقسام المتوارث والمتوالد يشكل نقطة ضعف حزب الله لكون القوى السياسية في لبنان تتشكل من توازنات أهلية يصعب كسرها بسهولة أو تجاوزها ميدانياً من دون اللجوء إلى أسلوب الاقتلاع والتهجير والتشريد كما حصل في فلسطين العام 1948 أو لبنان العام 1975 - 1976 أو العراق 2003 - 2008. وهذا الأمر مخيف في دلالاته ورمزيته في حال تورط حزب الله في إطاراته الساخنة والمؤذية لكل ما حمله من تصورات سابقة.

القناعة العامة أن حزب الله لن يتورط في هكذا سيناريو كبير وخطير. والقناعة تستند إلى تاريخ مقاومة طويل تأسس بداية على مواجهة المحتل الصهيوني وانتهى إلى تشكيل مناطق خاصة تقلص فيها نفوذ الدولة مقابل مناطق تحتضن في تضاريسها الطبيعية ومدنها الطوائف والمذاهب الأخرى. وهذا التوزيع المناطقي للمجموعات الأهلية يصعب اختراقها سياسياً حتى لو نجح الحزب في اختراقها عسكرياً.

بناءً على هذه القناعة (التجربة) يرجح ألا تتورط قيادة حزب الله في مخطط تقسيمي يثير فتنة كبرى تتجاوز حدود لبنان وتستدعي الكثير من التداعيات العربية والدولية وربما تفتح الطريق لعبور عدوان إسرائيلي مدمر يتذرع باستيلاء الحزب على الدولة أو يدفع الدول الكبرى إلى إعلان الوصاية أو الحماية (الانتداب) وتدويل المسألة اللبنانية.

حزب الله يدرك كل هذه الاحتمالات ويعلم قبل غيره أن المشكلة في لبنان متشعبة وهي تحتاج إلى عناصر سياسية وليست عسكرية لاحتواء سلبيات انفجارها. فالسيناريو اللبناني غير الغزاوي لأن الصراع على القطاع جرى بين فتح وحماس وليس بين طائفتين ومذهبين وهو جاء في النهاية ليصب في مصلحة «إسرائيل» التي كانت تخطط لتقسيم الشعب الفلسطيني وإضعاف السلطة والمقاومة في آن. والسيناريو اللبناني غير العراقي لأن مشروع تقسيم بلاد الرافدين وتوزيعه إلى مناطق طائفية - مذهبية وأقوامية استند إلى استراتيجية أميركية تبناها «تيار المحافظين الجدد» الحاكم آنذاك للبيت الأبيض.

لبنان في تكوينه الديموغرافي - الديمقراطي يختلف في طبيعته وموقعه ودوره ووظيفته عن قطاع غزة ودولة العراق. وبسبب حاجة الغرب إلى هذا الكيان الخاص تحول إلى مساحة جغرافية تتميز بخصوصية لا يمكن التفريط بها بسهولة أو التخلي عنها من دون رد أو صد. وهذا الأمر يفترض أن حزب الله على دراية به لأن التلاعب بالمعادلة (التوازن والتوافق) يستدرج مجموعة تداعيات قد تستنفر الدول الكبرى كما حصل في حرب 1840 (نظام القائمَّقامية) وحرب 1860 (المتصرفية) و1920 (دولة لبنان) وفتنة 1958 (المارينز الأميركي) وصولاً إلى اجتياح 1982 (قوات دولية).

المشكلة لخصها الرئيس بشار الأسد في حديثه الطويل لصحيفة «الحياة» حين ذكر أن التدخل في لبنان يحتاج إلى «صفقة كبرى» وهو لا يحصل إلا بعد التوافق الدولي - الإقليمي على تلك الصفقة.

الجواب إذن يحتاج إلى سؤال سياسي. هل حصلت «الصفقة الكبرى» ليقع هذا السيناريو العسكري الذي تحدث عن مظاهره قائد الجيش اللبناني؟ (نعم) تعني أن الغرب والعرب والقوى الإقليمية انسحبت من بلاد الأرز وفاوضت بشأنه مقابل ملفات وتنازلات في مناطق أخرى وبالتالي فإن حزب الله لا يحتاج حتى إلى قوته العسكرية لتنفيذ هذا السيناريو المطبوخ في الكواليس. (لا) تعني أن الحزب يستطيع خوض مواجهة عسكرية غير مكلفة ولكنها سياسياً ستكون مدمرة وأسوأ من غزة والعراق.

المسألة في النهاية سياسية ولها صلة بالجوار والمحيط العربي وتوازن الأقاليم والفضاء الدولي وهي في مجموعها مفتوحة على قنوات طائفية ومذهبية لا يمكن ضبطها في كل الاتجاهات والأوقات. وبناءً على كل هذه الأسباب والمعطيات والتداعيات يرجح أن حزب الله لن ينزلق إلى مفخخات أهلية الدخول فيها أسهل من الخروج منها.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2985 - الأحد 07 نوفمبر 2010م الموافق 01 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 9:07 ص

      لبنان اليوم

      لبنان اليوم ليست كالأمس الشعب بكل طوائفه عرف واستيقن معنى الحرب الأهلية أما بعض القتلة والذين يبيعون وطنهم من أجل أجندات صهيوقومية ومصالح شخصية
      فهم قله وإسرائيل بغبائها وعدوانها صهرت الشعب في نفسه واستبعد الفرضية

    • زائر 5 | 5:38 ص

      تحليل ممتاز و منطقي

      تحليل ممتاز و منطقي ... أنا شخصياً أتوقع أن يقوم حزب الله بإجتياح بيروت و إرتكاب مجازر لكي لا تظهر الحقيقه المره عن من إغتال الشهيد رفيق الحريري .... أتمنى أن أكون مخطأ و لكن بعد حادثة العياده و التصرف الغريب الذي لم أتعوده من حزب الله أصبحت متيقن من الموضوع ... على العموم إن شاء الله يطلع القرار و نعرف الحقيقه ...

    • زائر 4 | 1:28 ص

      وليد نويهض والمقاومة

      نحن نتابع جميع مقالات وليد نويهض ولا نرى فيها إلا تبنى آراء وسيناريوهات مجموعة 14 آذار.
      نرى أنه نشر السيناريوهات المعدة من قبلهم بالتمام والكمال وانبرى كمحلل استراتيجي، وذلك للتشنيع على حزب الله.
      أليس من الإنصاف إذا كنت منصفاً أن تنادي ولو مرة بفرضية (بس فرضية) أن تكون اسرائيل ضالعة.
      وكما نعرف بأن القرار الضني مبني على مكالمات، والمعروف بأن شبكة الهاتف في لبنان ليست مخترقة فقط وإنما تدار من اسرائيل
      قليلا من الإنصاف يا سيد نويهض

    • زائر 3 | 1:09 ص

      السؤال

      السؤال المطروح هل القرار الظني بهذا الحجم من ردت الفعل كما سردت برغم سردك المنطقي خصوصاً أن الحزب يدرك مايخطط له وقد أفرغ الأمين العام القرار من قوته أم هو هاجس الخوف وما يعمل دع الأيام تفعل ما تشاء وطب نفساً فالأمين العام من الحكماء

    • زائر 2 | 11:49 م

      عبد علي عباس البصري

      ((وقد سامته يركب احدى اثنتين وقد صرة الحرب سنانها فأما يرى مذعنا او تموت نفس ابى العز اذعانها)). بس هناك مقطع في خطبه السيده المعصومه فاطمه الزهراء عليها السلام في مسجد ابيها (( ، وبعد أن بُليَ ببهم الرجال ومردة أهل الكتاب كلما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله ، أو نجم قرن للشيطان أو فغرت فاغرة من المشركين قذف أخاه وابن عمه في لهواتها ، فلا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه ويخمد لهبها بسيفه وللخطبه تكمله ولاكن ربما لا تناسب ، فمن اراد التكمله فعليه بانت.

    • زائر 1 | 11:40 م

      عبد علي عباس البصري

      انا ولحد ا لآن لا اعرف تبعات القرار الظني يعني هل المحكمه الدوليه ستطالب بتسليم المتهمين؟ فأن كان القرار يقتضي تسليم المتهمين فأن حزب الله بالطبع لن يسلم المتهمين وهنا تكمن المشكل حسب فهمي القاصر الى الموضوع. بس احتمال الحرب اصلا غير وارد لكون لبنان خاض تجربه حرب اهليه سابقه في الثمانينيات القرن الماضي. بس الحرب في افتراضيه حدوثها ستكون مرتقبه ومرجوه من قبل الامريكان والاسرائيليين . وسيكون حزب الله كما قال الامام الحسين ابن علي عليه السلام .

اقرأ ايضاً