العدد 2989 - الخميس 11 نوفمبر 2010م الموافق 05 ذي الحجة 1431هـ

أحلام الإنسان

لئلايُيَتِّمنا دَوالُ «الحضارة الغربية» (3)

محمد خاتمي comments [at] alwasatnews.com

الإنسان الغربي كان يتوقع في مطالع المرحلة الجديدة مستقبلاً حفياً باللذة والسلامة والمتعة المادية، ويعتقد أن تحقق الجنة - التي طالما طلبها - أمر ممكن. وكان نشاط الطبقة الوسطى، أي الطبقة التي كانت حاضنة مهد الحضارة الجديدة، وكانت جرأتها وروحها الابتكارية توحي بأن الوصول إلى مستقبل كهذا أمر ممكن، بل لا ريب فيه.

وبمقدار ما فقد العقل المجرد والفكر الكلي اعتبارهما، وضعف ارتباط الإنسان بغيب الكون، وتزعزعت أسس الأخلاق الإلهية التي كانت أهم دعائمها مرساة في متن الطبيعة المادية، انفسحت أمام الرياضيات والعلم التجريبي والاهتمام بـ «الحس» و»الإحساس» مكانة أسمى في ذهن الإنسان الجديد وحياته، واتسعت بين الباحثين الغربيين، شيئاً فشيئاً، حدود التوهم الذي مفاده أن معارف ما وراء الطبيعة والإدراكات العرفانية غير ذات طائل. وتبوأت العلوم القائمة على الملاحظة والتجربة الدرجة العليا في عرف الغربيين وفكرهم، حتى جعلوها المعيار في الحكم بالصحة والبطلان، والعمود المعتمد في ساحة الفكر، وصار الاعتماد على غيرها من علائم البلاهة، والعبث. وبلغت أولية العلم درجة تتيح له أن يحل محل الدين والعقلية الفلسفية، وكل ما ينتسب إلى عالم ما وراء الطبيعة المادية.

لقد دفعت الاكتشافات والاختراعات المتزايدة المذهلة، الحاصلة من إقبال الإنسان على التجربة والاعتماد الكلي عليها، إلى التوهم بأن علمي الطبيعيات والرياضيات كافيان لإرواء غليل الإنسان والسير به إلى السعادة، وأتاحت للإنسان من جهة أخرى الحياة كل لحظة، من خلال تصرفه بالمادة أوسع التصرف.

كما أدى انفتاح الآفاق الجديدة، والأراضي البكر والحديثة، بوجه الأوروبيين، إلى تطورات مادية واقتصادية مدهشة، هيأت بدورها أيضاً الأسباب لتقدم العلوم والفنون في جميع الميادين ومجالات الحياة.

إن هذه الأمور مجتمعة تعبر عن قوة روحية، وقدرة ذاتية، وفورة باطنية لحضارة أفردت الأولية للطبيعة والعالم المادي، وجعلت التصرف فيها لتلبية الاحتياجات الجسمية، والدوافع النفسية، والحصول على الأمن في الحياة المادية، همها وهمتها.

استمر تقدم البشر، بدعم روحي ومادي قوي كهذا، حتى القرن التاسع عشر الميلادي الذي بلغت فيه الرأسمالية قمة الهيمنة، لكن هبوب العواصف في الأنظمة الرأسمالية من جهة، واندلاع النزاعات الدولية التي كانت الحربان العالميتان المدمرتان أمارة اشتدادها، واشتباكات المستعمرين ببعضهم عند الحدود الاستعمارية، ويقظة المستعمرين المتزايدة، وتنامي معارضتهم للمستعمرين الأجانب، كل ذلك زعزع اعتقاد الإنسان بصحة الأسس الفكرية والمعنوية للحضارة الجديدة، وحد من توهم الإنسان الجديد بأنه حصل على سر الحياة الآمنة.

ولئن استمر التقدم الطبيعي والمثير في ساحة العلم والفن، منذ ذلك اليوم حتى الآن، فإن اعتداد الحضارة الجديدة بنفسها يبدو في تناقض مطّرد. وما العدائية التي يبديها بعض ممثلي هذه الحضارة وهذا النظام إلا تعبير، من جملة تعبيرات، عن محاولة تدارك ما يصيبها من ضعف.


مشكلات الأنظمة الغربية

لقد اختلف الوضع اليوم عن السابق اختلافاً أساسياً في مجالات الذهن والعاطفة، والحياة أيضاً. فالحضارة المادية الحديثة، لاسيما الرأسمالية والنظام الليبرالي الديمقراطي المنسجم معها، وضعت الإنسان في مواجهة مشكلات عظيمة زعزعت التفاؤل والاطمئنان السابقين فيما يخص مستقبل الرأسمالية والليبرالية في الاقتصاد والسياسة، والحضارة الجديدة بشكل كلي. وقد بلغ من حجم هذه المشكلات وتأثيرها أن باتت كل خطوة يخطوها الإنسان مبعث حيرة وشك. إن مشكلة الحضارة هذه بدأت بالبروز خارج حدود الرأسمالية الجغرافية والوطنية، على هيئة تشاؤم مزمن، وكراهية مفرطة من قبل الأمم الواقعة تحت سلطة الاستعمار الغربي، ومنازلة متنوعة وقعت في السنوات المئة الماضية في أنحاء العالم «المحروم» هنا وهناك.

كما أن ظهور مذاهب منافسة للرأسمالية داخل الأنظمة الغربية، خصوصاً الماركسية، وهجومات هذه المذاهب العنيفة على أسلوب الحياة الاجتماعية السائد في الغرب، ومقاومة الشعوب غير الغربية للاستعمار، إنما هي علامات واضحة على بداية نهاية الحضارة الجديدة، أو هي أسباب قوية للطعن في توهم عصمة الحضارة الغربية من العيوب، وبلوغها الغاية القصوى، وإنها المرحلة النهائية للحضارة البشرية.

إقرأ أيضا لـ "محمد خاتمي "

العدد 2989 - الخميس 11 نوفمبر 2010م الموافق 05 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:05 ص

      صــــــــــراط ... العلم والإيمـان

      العلم والمعرفة والإيمان والتقوى والاستمرار بالعمل الصالح يصقل الروح ويجعلها برّاقه كالنور،قال الإمام علي(ع):"وإنما الدنيا منتهى بصر الأعمى".الجانب الذي يذمه الدين هو العمى؛عدم امتداد النظر إلى ما وراء حجب الطبيعة؛انحصار الفكر بالمادة .قال تعالى( فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا ،ذلك مبلغهم من العلم)،(إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون).كل الشكر "للسيد"وللوسط ... نهوض

    • Ebrahim Ganusan | 1:02 ص

      البعض لاتستهويه مثل هذه المواضيع القيمة

      لاتعجبه مثل هذه المواضيع يا سيد يبغون مواضيع كله عن معاجز وقصص فيها أثارة واكشن ومثل كتب القصص العجيبة غيمة توزع عيش وعدس على قرى البحرين بعد الحرب العالمية الأولى حسب ما جاء في كتاب القصص العجيبة

اقرأ ايضاً