العدد 2997 - الجمعة 19 نوفمبر 2010م الموافق 13 ذي الحجة 1431هـ

الخارجية المصرية والإدارة الأميركية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

البيان الشجاع الذي صدر عن مصدر رسمي في وزارة الخارجية المصرية أمس الأول بشأن ما وصفة بالتدخل الأميركي في الشئون المصرية يستحق القراءة. فالبيان أرسل أشارات واضحة إلى خطورة التدخل وانعكاسه السلبي على الاستقرار بناء على معلومات ومعطيات تستند إلى تقارير منحازة أو موجهة من قبل فئات متربطة مصلحياً بمجموعات عمل (لوبيات) تبني سياستها على رؤية ضيقة لا تراعي الخصوصية ولا تحترم السيادة ولا تقرأ جيداً تعقيدات الوضع ولا تكترث بالأضرار الناجمة عن تجاوز الحدود واختراق الحواجز وما تتركه من تبعات وتداعيات تقوض ما هو قائم وتدفعه آلياً إلى الفوضى في الشرق الأوسط.

البيان المصري الرسمي الذي صدر بمناسبة لقاء مسئولين أميركيين رفيعي المستوى مع عدد من الأميركيين يطلقون على أنفسهم اسم «مجموعة عمل مصر» ومطالبتهم الحكومة بإجراء «انتخابات نزيهة وشفافة» معطوفة على «مراقبة دولية على الانتخابات» جاء ليرد بلغة اختارت الدبلوماسية المصرية مفرداتها بعناية حتى لا تثير ردود فعل تتخطى سياسة الاحترام المتبادل بين واشنطن والقاهرة.

لغة بيان الاستياء الراقية في مفرداتها الدبلوماسية تشكل في إطارها العام خطوة تحذر من عواقب التدخل في مسألة حساسة تذكر بعهد الوصاية الدولية انطلاقاً من نزعة تدّعي المعرفة أكثر من حكومة مصر وتدّعي الحرص على مصالح مصر أكثر من القوى الرسمية المكلفة برعاية حقوق الشعب المصري.

دبلوماسية البيان المصري بشأن ذلك الاجتماع المخصص لمناقشة ثغرات الديمقراطية في مصر، تم صوغه بلغة حرصت على الدقة في استخدام المصطلحات ولكنه أرسل سلسلة مواقف تستحق القراءة والانتباه إلى مفاعيلها الموضعية حتى لو جاءت رداً على طرف يزايد على القاهرة ومدى حرصها على مصالح شعبها وحقوقه.

البيان يحاول أن يرسم تلك الحدود الفاصلة بين الصداقة التقليدية التي قامت على الاحترام المتبادل منذ سبعينات القرن الماضي وبين اختراق الحدود وتجاوز المصالح بذريعة «الديمقراطية» أو غيرها من مقولات تتصل بحقوق الإنسان. فالاختراق بحسب البيان مرفوض لأنه يؤدي في نهاية المطاف إلى نشر الفوضى وتقويض الاستقرار بغض النظر عن النوايا الطيبة التي تبتغيها واشنطن سواء من طريق الدبلوماسية الناعمة (الذكية) أو الدبلوماسية الخشنة (الغبية) التي لجأت إليها إدارة «تيار المحافظين الجدد» في عهد جورج بوش الابن.

النتائج ستكون متشابهة وهي لن تتوصل إلى معطيات إيجابية لكون الطرف الذي يشرف على إثارتها ينتمي إلى فئة تظن أنها على علم بالمجتمعات من دون اكتراث لأي اعتبارات «سوى أجندتها الضيقة في التغيير وفقاً لرؤاها القاصرة». وبغض النظر عن الحجج والذرائع فإن الحكومة المصرية ترفض التدخل في شئونها «بشكل قاطع».

البيان الدبلوماسي الرسمي لم يتردد في استخدام مفردات تحفظت على السلوك الأميركي فهو من جانب وصف التدخل بأنه يمس اعتزاز مصر بسيادتها واستقلال إرادتها ولا يحترم خصوصية المجتمع، ومن جانب آخر وصف المجموعة الأميركية بادعاء المعرفة والوصاية بينما هي صاحبة أجندة محددة تنتمي إلى نوعية المجموعات «التي تهدف إلى إشاعة الفوضى في الشرق الأوسط».

خلاصة البيان تكشف عن استياء وتحفظ وعتب على إدارة أميركية تحاول أن تميز سياستها الخارجية عن تلك السابقة التي أدت إلى نشر الفوضى وتقويض أفغانستان والعراق وزعزعة الاستقرار. وهذا التنويه جاء في إطار الكلام عن السيادة والخصوصية والاحترام المتبادل ورفض دبلوماسية التدخل لأنها تأتي في سياق الوصاية وادعاء العلم والمعرفة بناء على تقارير «يعدها أتباعهم من ذوي الأجندات المحددة». والأمر الأخير يعني أن الخارجية المصرية تنبه الإدارة الأميركية من الانزلاق نحو تبني سياسة «المؤامرة» والإطاحة بالعلاقات الثنائية تلبية لرغبة مجموعة عمل تضغط على واشنطن وتشجعها على اختيار هذا السلوك. والخارجية في هذا السياق ليست معنية على الإطلاق بسعي الإدارة إلى تخفيف الضغوط عليها من خلال اللجوء إلى تبني سياسة التدخل في شئون مصر والإساءة إلى خصوصيتها وتعاملها مع المواطنين.

إعادة قراءة بيان المصدر الرسمي مسألة مهمة لأنه من جانب يعكس مدى احتمال أن تتورط واشنطن في أجندات غامضة تعتمد على تقارير مجموعات ضغط لا تكترث بمصالح مصر ولا تهتم بنتائج التصورات القاصرة والسلبية ولا تفهم بدقة خصوصية المجتمعات، ولأنه من جانب آخر يرسل إشارة تحذير ترسم تلك الحدود الفاصلة بين الصداقة والمصلحة والنتائج التي قد تترتب عن سلوك غير مدروس يؤدي إلى التقويض وإطاحة ما هو قائم ونشر الفوضى على غرار العراق وأفغانستان من دون التوصل إلى برنامج بديل يمتلك القدرة على استيعاب الانهيار أو على الأقل تدارك تلك التداعيات المحتملة بسبب سوء التقدير.

البيان الرسمي المصري يمكن وصفه بالشجاع لأنه يرتكز على وقائع جارية في أفغانستان والعراق وقبلهما الصومال وبعدهما السودان وهي في مجموعها أدت إلى تقويض الاستقرار ونشر الفوضى واستنفار العصبيات وتفشي الكراهية وجرجرة الجماعات الأهلية إلى الانقسام والاصطدام في حروب صغيرة لا تنتهي. والتحذير الدبلوماسي للخارجية جاء لينبه الإدارة إلى عدم الأخذ بتقارير ومعلومات مجموعات ضغط تعتمد أجندات خاصة بعيدة عن شعارات الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية، وذلك لسبب بسيط وهو أن هذه الفئات التي تدّعي الوصاية والعلم والمعرفة والحرص على مصالح الشعوب ينقصها الكثير من الدراية بالخصوصيات وهي جاهلة في استيعاب المشكلات أو وضع حلول واقعية لها.

البيان المصري في مجمله صحيح لأنه يموضع المشكلة في إطار سياسي يتجاوز الدبلوماسية ويحاول أن يقرأ المسألة من جانب المخاطر المترتبة عن التدخل ومحاولة تغيير المعادلات من طريق إرسال النصائح والهدايا المسمومة أو باتباع وسيلة العنف من طريق إرسال الأساطيل والجيوش والمدمرات. وفي الحالين لن تكون النتائج المتوقعة سوى الفوضى وإرساء معالم أسوأ من السابق.

إذن هناك خصوصية وسيادة ومصالح وكرامة من جانب يقابلها من جانب آخر قلة المعرفة والوصاية وادعاء الحرص على مصالح الشعوب والتدخل في شئون داخلية تؤدي إلى الفوضى. وهذا التحذير الرسمي المصاغ بلغة دبلوماسية راقية أراد توضيح مخاطر معالم طريق قد يؤدي إلى نتائج تعاكس رؤية الدبلوماسية الذكية التي تطمح واشنطن إلى اعتمادها بعد أن جرَّت السياسة السابقة أذيال الفشل والخيبة على سمعة الولايات المتحدة وإستراتيجيتها الدولية وموقعها الخاص في التوازن العالمي.

في النهاية يبقى السؤال المفتوح على أجوبة لا تنتهي. هل تسمع إدارة باراك أوباما معاني هذا النداء أم أنها لا تستطيع الخروج على سياسة لم تتعلم واشنطن من نتائجها المدمرة وتداعياتها السلبية؟ الجواب الرسمي المصري واضح في صراحة الرد الدبلوماسي على منطق التدخل الفوقي (القهري) وأسلوب الوصاية (ادعاء التعليم وتوجيه الإرشادات المعوجة) ولكن ما هو غير واضح ماذا ستفعل الحكومة المصرية داخلياً لتصحيح الأوضاع حتى تقطع فعلاً على الولايات المتحدة وغيرها من دول كبرى دابر التدخل المشئوم.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2997 - الجمعة 19 نوفمبر 2010م الموافق 13 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:22 م

      هذا مازرعته مصر لتجنيه الآن

      الآن مصر أحست أن أمريكا تتدخل في الشؤون الداخلية للدول وهي التي وقفت تساندها في كل مواقفها في العراق وسوريا ولبنان وغزة وخصوصا لبنان عندم ترى الخلاف قائم بين الأطراف اللبنانية حول المحكمة الدولية تتدخل الخارجية المصرية لتساند مواقف جيفري فلتمان الداعمة للنشقاق الداخلي بتبرير واهي جدا (لنقول لكم أن مصر موجودة) موجودة ماذا_ موجودة كإمعى خلف أمريكا- أو موقفها من حصار غزة الداعم لمواقف الاسرائيلين والولايات المتحدة -أقول كلوا مازرعتم- القادم أكثر .

اقرأ ايضاً