العدد 3005 - السبت 27 نوفمبر 2010م الموافق 21 ذي الحجة 1431هـ

الحريري في طهران

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بدأ أمس رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري زيارة رسمية لطهران بمعية وفد يتألف من قوى 8 و14 آذار. أهمية الزيارة ليست في جوانبها السياسية والاقتصادية والإنمائية وما ينتج عنها من توقيع اتفاقات في مجالات مختلفة. الزيارة مهمة في جانبها الرمزي وما تعنيه من احتمالات مفترضة تتصل بحقول العلاقات الثنائية بين دولة ودولة.

الإشارات الرمزية أقوى من تلك المبادرات المتبادلة على مستوى التعاون في القطاعات التجارية والصناعية والنفطية، لأن رئيس الحكومة يمثل حالة مزدوجة تجمع بين التكوين الأهلي وبين التعبير السياسي عن انقسام بنيوي تعاني منه بلاد الأرز وما ينتج عنه من استقطابات طائفية وتجاذبات مذهبية إقليمية.

في هذا الفضاء العام يمكن قراءة خلفية الزيارة وما يتوقع منها أن تعكس خطوة التفافية إلى الأمام باتجاه كسر المحرمات وفتح نافذة رسمية تطل منها إيران على مساحات أهلية منغلقة عليها بسبب التوتر الداخلي الذي يعاني منه لبنان عشية صدور البيان الاتهامي عن المحكمة الدولية. والزيارة في هذا المعنى جاءت في توقيت دقيق وهي في رمزيتها تحاكي الزيارة الرسمية الأولى التي قام بها رفيق الحريري لطهران لكونها كانت أول زيارة لرئيس وزراء لبناني للعاصمة الإيرانية.

الجانب الرمزي يشكل الإطار الذي تتحرك في حدوده مختلف التوقعات لأن الزيارة ترسم خطوط الاختلاف والتقاطع بين نفوذ إيراني موضعي - ميداني خارج فضاء الدولة وبين علاقات ثنائية تتجاوز القنوات الطائفية - المذهبية وامتداد قنواتها الإقليمية. وفي هذا المعنى يحتمل أن تستكمل الزيارة خريطة الطريق التي تتشكل من وسطها مظلة إقليمية يمكن أن تلعب دور الحماية لمنع التصادم الأهلي واحتمال انزلاق الطوائف والمذاهب نحو دائرة الفتنة.

زيارة الحريري لطهران جاءت بعد القمة الثلاثية السعودية - السورية - اللبنانية التي عقدت في بيروت وبعد الزيارتين اللافتتين التي قام بهما الرئيس محمود أحمدي نجاد ورئيس الوزراء طيب رجب أردوغان، ما يعني أن عقدة المظلة الإقليمية قد شارفت على الاكتمال في سياق ارتباطات ثنائية. والثنائية الإقليمية التي ارتسمت مجالاتها الحيوية يمكن أن يستفيد منها لبنان لضمان الاستقرار ومنع انهيار الصيغة القلقة وتبعثرها إلى جمهوريات طوائف متخاصمة على الهوية والسيادة والاستقلال.

الثنائيات السورية - الإيرانية، والإيرانية - التركية، والتركية - السورية، والسعودية - السورية، والسعودية - المصرية، تشكل مجتمعة تلك المظلة الإقليمية الواقية من احتمال تعرض لبنان لاهتزاز أهلي يقوض البلاد ويدفعها إلى فتنة عابرة للحدود.

الثنائيات أصبحت حاجة لبنانية بعد أن نهضت على قاعدة الضرورة الإقليمية وما تمثله من وظائف متبادلة على المستويين المحلي والدولي. سورية مثلاً أعلنت مراراً أنها لن تتخلى عن القناة التركية في إطار الوساطة وإدارة المفاوضات غير المباشرة بين دمشق وتل أبيب. وإيران بدورها أكدت مراراً أنها لن تتخلى عن الوسيط التركي ليلعب دوره في تقريب وجهات النظر بين طهران وعواصم الغرب بشأن ملف التخصيب النووي وتبادل الوقود.

الحاجة السورية - الإيرانية إلى الدور التركي يعطي فرصة لحكومة أنقرة أن تمارس التأثير السياسي على دمشق وطهران وإقناعهما بضرورة المساعدة على ضبط التوتر في لبنان ومنع الأطراف الأهلية من الاتجاه نحو التصادم بعد صدور البيان الاتهامي (القرار الظني) عن المحكمة الدولية. وهذا الأمر وعد به أردوغان حين التقى مختلف القيادات الحزبية خلال زيارته الأخيرة للبنان.

الدور التركي المزدوج على الخطين الإيراني والسوري لن يكون بالضرورة ذلك البديل الإقليمي للثنائية السعودية - السورية أو السعودية - المصرية لكونه يحتاج إلى فترة حتى يتموضع في إطار موقع الشريك الذي يتوازن مع النفوذ الإيراني. وأردوغان خلال وجوده في بيروت أكد أن الثنائية التركية - الإيرانية والتركية - السورية تحتاج إلى الثنائية السعودية - السورية حتى تنجح في أداء الوظيفة المطلوبة منها لمنع التدهور الأمني والفوضى وعدم الاستقرار.

قوس قزح

هناك إذن مظلة ثنائيات إقليمية أخذت تتقارب لحماية بلاد الأرز من السقوط على خط الزلازل الذي تهدد حكومة تل أبيب لبنان باحتمال زعزعته حين تنعطف الأزمة الداخلية بعد صدور القرار الظني عن المحكمة الدولية. ورهان «إسرائيل» على الفتنة المذهبية - الطائفية لا يمكن استبعاده لأنه يشكل تلك الذريعة التي قد تستخدمها للتدخل (العدوان) تحت عنوان حماية أمن حدودها الشمالية.

هذا الوضع القلق أعطى ذلك الدور الترجيحي لأنقرة بوصفها حاجة إلى الثنائي السوري - الإيراني الذي يرى أن تركيا تستطيع أن تلعبه سواء على الجانب الإسرائيلي (تنظيم مفاوضات غير مباشرة) أو على الجانب الأميركي - الأوروبي (مقر الاجتماعات للاتفاق على تبادل الوقود النووية). ولأن دمشق وطهران تحتاجان إلى أنقرة للقيام بهذا الدور المزدوج فإن الحكومة التركية يمكن أن تستفيد من موقعها لتمارس سياسة الضغط على العاصمتين والمساعدة على تدوير الأزمة اللبنانية وسحب صاعق التفجير من القنبلة الأهلية.

هل تستطيع تركيا الاستفادة من دورها وإعادة توظيفه في الملف اللبناني ومساعدة بلاد الأرز على الخروج من دوامة الأزمة؟ الرهان الرسمي الذي صدر عن جهات مختلفة أشار إلى هذا الاحتمال عشية استعداد سعد الحريري للذهاب إلى طهران، معطوفاً على وعد أردوغان بأنه سيتصل بالقيادة السورية وإطلاعها على محصلة زيارته للبنان وطلب المساعدة منها في تأمين مظلة الأمان بالتعاون مع الرياض.

هذه الشبكة من الثنائيات الإقليمية تشكل الملاذ الأخير لضمان الحماية لبلاد الأرز قبل صدور القرار الاتهامي، ولكن الشبكة تبدو حتى الآن غير محكمة الخيوط لكون التقاطعات الأهلية - الإقليمية أخذت مجراها الزمني واستقرت على مجموعة استقطابات طائفية - مذهبية جاهزة للتحرك خارج سياق علاقات دول مع دول. فالمظلة الإقليمية تبدو سياسيّاً أضعف من قوس قزح الطوائف والمذاهب والأقليات والهويات الصغيرة والضيقة. وهذا القوس الجغرافي - التاريخي يبدو أنه الأقدر ميدانيّاً على اختراق الحدود والحواجز والعقبات الرسمية للكيانات السياسية الأمر الذي يضع مهمة أردوعان في موقع الطرف المراقب وربما المحايد في حال تموجت الألوان واضطربت على الأرض.

إنها محاولات مرهونة بالنتائج. وأحياناً النتائج تسبق المقدمات وتتجاوز الأسباب والعلل وتقرر خط سير المرور لطوائف ومذاهب وأقليات قوس القزح. فالهويات القديمة المتوارثة تبدو هي الأكفأ لكون جذورها ضاربة في العمق بينما مفهوم الدولة (الدستورية المعاصرة) وما يتفرع عنها من علاقات احترام للحدود والشئون الداخلية فهي لاتزال سطحية التأثير وغير قادرة على صوغ قوة قادرة على ضبط التوازن بين قوس يتمدد ويتموج وكيانات ضعيفة وهزيلة تقف على خط الزلازل في شرق أوسط جديد (مشرق عربي) يستعد لاستقبال متغيرات قد تنشأ لحظة انتهاء الاحتلال الأميركي من مهمة التموضع وإعادة الانتشار.

هذه الصورة الرمادية لا تمنع من تكرار المحاولة. وبهذا المعنى الرمزي يمكن قراءة زيارة الحريري الابن لطهران، فهي جاءت في سياق علاقات دولة لدولة ولكنها أيضاً جرت في إطار نمو ثنائيات إقليمية تتسابق زمنيّاً مع قوس قزح غير قادر على التكيف مع لغة الدبلوماسية المعاصرة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 3005 - السبت 27 نوفمبر 2010م الموافق 21 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:36 م

      خالد الشامخ : كنترول روم

      طالما ان الكنترول روم لحزب نصر الله في طهران فالاسهل التباحث مع من يملكون القرار ...

    • زائر 1 | 4:19 ص

      alia

      i hope the rainbow of religiouse communities withdraw in favor of the relationships between states*

اقرأ ايضاً