العدد 3009 - الأربعاء 01 ديسمبر 2010م الموافق 25 ذي الحجة 1431هـ

تاريخ البحرين: نظرة استرجاعية تأملية (1 - 2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

إن تاريخ الشعوب يمثل حلقات متتابعة ومتداخلة وللتاريخ وظيفة مهمة تتمثل في ثلاث مهام رئيسة:

الأولى: حفظ الأحداث المهمة للأجيال الجديدة والمتعاقبة.

الثانية: وصف ما كان قائماً في لحظة ما من وجهة نظر المؤرخ.

الثالثة: بيان تفاعل الأحداث في علاقاتها مع بعضها البعض ومع الظروف والمستجدات.

ولاشك أن التاريخ حمال أوجه، ويمكن قراءته من زوايا ووجهات نظر متعددة، كما أن المؤرخين ليسوا بالضرورة محايدين أو موضوعيين تماماً، وإن سعوا إلى إظهار هذا الحياد وهذه الموضوعية. وللدلالة على ذلك يمكن قراءة كتاب لباحث أو مؤرخ ماركسي ومقارنته بكتاب تاريخ لمؤرخ قومي عربي أو من أية دولة أو مؤرخ ينتمي لفكر محافظ أو مؤرخ يركز على التحليل الاقتصادي في الحضارة الإسلامية مثل عبد العزيز الدوري وهكذا، ومن هنا يقال أن التاريخ هو سياسة قديمة، وإن السياسة هي تاريخ معاصر.

ولعل أبرز الأمور في تحديد موضوعية المؤرخ أو اقترابه من الموضوعية هو اعتماده على ما يسمى بالوثائق التاريخية، وهذه بدورها وثائق يسري عليها التحفظات والقيود التي ترتبط بوجهة نظر مؤلفي أو كُتاب هذه الوثائق، ومن المهم عند قراءة أي تاريخ قراءة علمية أن يضع الباحث نصب عينيه ثلاثة تحفظات في دراسة الوثائق أو في قراءة التاريخ وهي:

الأولى: ذاتية المؤرخ ومدى معرفته أو المعلومات المتاحة له في لحظة ما، فإذا قرأنا كتاب المؤرخ المصري المشهور عبد الرحمن الجبرتي «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» نجده منبهراً بما كان يحدث في مصر في تلك الفترة، وبنى كتابته التاريخية على المنهج الوصفي والسردي أكثر منه على المنهج التحليلي، وإذا نظرنا لمؤرخ معاصر مثل عبد الرحمن الرافعي 1889-1966، نجد آن ميوله للحزب الوطني كان لها تأثير في كتاباته رغم دقته وموضوعيته إلى حد كبير، كما هو واضح في مقارنة كتابه الثورة العرابية والاحتلال الإنجليزي، وكتابة عن محمد فريد أو أحمد عرابي أو ثورة يوليو/ تموز 1952 (52-1959).

الثانية: مدى ميول المؤرخ، ولعل من أشهر من يمكن الاستشهاد به في هذا الصدد هو المؤرخ المصري الدكتور عبد العظيم رمضان )1928-2007) في رسالته للماجستير ثم للدكتوراه بعنوان «تاريخ الحركة الوطنية المصرية في النصف الأول من القرن العشرين، حيث حلل ذلك من منظور ماركسي، وكان ماركسياً ناصرياً إذا جاز مثل هذا التعبير، ولكنه بعد وفاة عبد الناصر وتطور وضعه الاقتصادي والاجتماعي وارتباطه بنظام حكم الرئيس السادات كان كثير النقد لثورة بصفة عامة وللممارسات الناصرية بصفة خاصة، ومن أبرز كتبه في هذا الصدد «تحطيم الآلهة: قصة حرب يونيو».

الثالثة: أما بالنسبة للوثائق التاريخية، فإن كثيراً من الوثائق البريطانية كتبها دبلوماسيون ومسئولون بريطانيون من وجهة نظر ومصلحة بلادهم، كذلك الوثائق الأميركية، وهكذا الأمر بالنسبة لمختلف الوثائق، ولعل ما حدث من تسريب وثائق العراق وأفغانستان وغيرها، ومما نشره كتاب أميركيون عن مثل هذه الأحداث خير دلالة على أن الكاتب يعبر عن وجهة نظره ورؤية بلاده ومصالحها.

هذا كله لا ينبغي أن يجعلنا نقلل من أهمية الوثائق ولا أهمية الكتابات التاريخية، وإنما أردنا وضع الأمور في إطارها العلمي الصحيح، وهو مفهوم نسبية العلم.

ومع هذا فإنه بالرغم من التحفظات السابقة فمن الضروري التأكيد على ثلاثة أمور:

الأول: أهمية التاريخ كذاكرة للوطن ودور المؤرخين الوطنيين في هذا الصدد.

الثاني: أهمية الوثائق وكذلك المذكرات الشخصية لكبار المسئولين.

الثالث: إن المؤرخين المحايدين هم أقرب إلى الموضوعية من غيرهم من المؤرخين المؤدلجين أو المسيسين.

نقول هذا بمناسبة ثلاثة أحداث مهمة عاشتها البحرين خلال القرن العشرين وهي:

الحدث الأول: هو تاريخ العلاقات البريطانية البحرينية، وهو تاريخ له ماله وعليه ما عليه، ولقد كانت محاضرة الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية بمثابة إلقاء الضوء المعتدل على تاريخ علاقات الدولتين، وإبراز جانبها الإيجابي، وكان محقاً في موقفه هذا وأسلوبه في التناول بصفته وزيراً للخارجية ودبلوماسياً محنكاً وليس مؤرخاً - كما ذكر في بداية كلمته. وهو حرص على إظهار الجانب الإيجابي في تلك العلاقات مع إشارات عابرة للمشاكل التي واجهتها أو السياسات التي طرأت على تلك العلاقات عبر مراحل التطور.

الحدث الثاني: هو تاريخ استقلال البحرين، وهو تاريخ ثابت بالوثائق إذا اعتمدنا عليها، ولعل أقدم الوثائق المعاصرة هو معاهدة السلامة العامة التي وقعت مع بريطانيا العام 1820، وكما هو معروف فإن المعاهدات توقع بين دول ذات سيادة، حتى وإن كانت هذه السيادة أحياناً غير مكتملة. وهذا يمثل اعترافاً بالبحرين كدولة وككيان قائم بذاته رغم الادعاءات التي تعرضت لها من إيران.

وكانت المباحثات التي أجريت من قبل الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء بعد ذلك والشيخ محمد بن مبارك آل خليفة، الدبلوماسي المخضرم وأول وزير لخارجية البحرين المستقلة، أجريت في دهاليز لندن وجنيف، وأيضاً في اجتماع لشاه إيران أثناء زيارته للهند عام 1968، ونجحت تلك المباحثات وغيرها من الاتصالات في التوصل لتفاهم أو مخرج لحفظ ماء وجه إيران وادعاءاتها بأن البحرين جزءاً من أراضيها، وهي ادعاءات غير صحيحة وتستند على فترة احتلال قصيرة لأراضي البحرين التي كثيراً ما تعرضت للاحتلال الأجنبي من البرتغال وبريطانيا لفترات أطول من تلك التي كان حاكم البحرين يدين بولاء رمزي لإيران. وما حدث من احتلال أجنبي للبحرين حدث مثله مع العديد من دول الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا، وهو احتلال لا يعطي شرعية لصاحبه مطلقاً ذلك لأن مفهوم الغزو والفتح من المفاهيم التي تجاوزها التطور في القانون الدولي وفي العلاقات الدولية.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3009 - الأربعاء 01 ديسمبر 2010م الموافق 25 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:18 ص

      الجهل بالتاريخ مصيبة

      السيد الفاضل موضوعك عن التاريخ من حيث البعد النظري والتحليل العام قد يكون صحيحاً ولكن مجريات احداثه لم تكن بالدقة والموضوعية لذا ابتعدت كثيرا عن مقدمة مقالك واخذت بالجانب الشخصي من خلال اسقاطات نفسية تعيشها انت وبالتالي وجدت ان السيطرة الفارسية على هذه المناطق شئ مسئ ولم تأخذها كحالة طبيعية كما السيطرة العثمانية على البلاد العربية والسيطرة العربية على البلاد الإسلامية واجزاء من اروبا قد تجهل تاريخ المنطقة لذا فقد اخذت بالأبعاد النفسية لتحليل التاريخ كان عليك ان تبحث في التاريخ القديم - بوزنة

اقرأ ايضاً