العدد 3022 - الثلثاء 14 ديسمبر 2010م الموافق 08 محرم 1432هـ

عزيزي «المسئول» العربي!

سليمان الهتلان comments [at] alwasatnews.com

-

عزيزي «المسئول» العربي:

أرجو أن تتقبل برحابة صدر بعض التساؤلات العابرة من «مواطن عربي عابر» راجياً منك ألا يذهب بك فكرك العميق إلى البعيد فتظن أنها - وأستغفر الله من كل إثم عظيم - شك في نزاهتك وأمانتك ووطنيتك!

عزيزي «المسئول» العربي:

أعرف جيداً أنك تسافر كثيراً إلى أميركا وأوروبا واليابان وسنغافورة وماليزيا ودبي وغيرها، مرات في رحلات عمل ومرات مع العائلة الكريمة وغالباً في اليوم ذاته الذي تبدأ فيه إجازات مدارس الأبناء حماهم الله من كل سوء. من هذه الأسفار الكثيرة أستأذنك أن أشاطرك بعض الأسئلة:

عزيزي «المسئول» العربي:

ألم تتوقف لحظة وأنت - مثلاً - تسير في الهايد بارك فتستفزك «الحمية الوطنية» لتسأل نفسك: ما الذي يمنع أن يكون في كل مدينة من مدن بلادي حدائق واسعة ولو بربع مساحة الهايد بارك؟ ألا يفرح من في مكانتكم أن يجد الناس في بلاده حدائق عامة تجمل المدينة وتلطف جوها وتمنح الناس فيها فرصة للرياضة وتقلل من أمراض القلب والاكتئاب والسمنة الزائدة؟

طيب، لنفرض أنك، يا عزيزي «المسئول» العربي، لا تجد الوقت للتفكير في صحة مواطنيك أو في شكل مدينتك. أنت نفسك، ألا يسرك أن تسكن في مدينة تُجملها الحدائق العامة وتجد فيها فرصة للترفيه عن نفسك وعن عائلتك خاصة أن من في مثل موقعك مزحوم بهموم الوظيفة وعلاقاتها ومشكلاتها؟

عزيزي «المسئول» العربي:

وبما أنك كثير الأسفار، ألم تحرك فيك ساكناً تلك المطارات الأنيقة والمرتبة أجمل ترتيب وبأنظمة حديثة لا تسمح بتكدس المسافرين في طوابير طويلة ولا تصيب المرء المتعافي السليم بأمراض الربو وأنفلونزات البقر والدجاج والخنازير؟ ألم تسأل نفسك، عزيزي المسئول العربي، السؤال نفسه الذي يسأله الملايين من مواطنيك: لماذا مطاراتهم، في الشرق وفي الغرب، نظيفة منظمة أنيقة ومطاراتنا تعيسة كئيبة مكركبة؟

ألم تلحظ، عزيزي «المسئول» العربي، أن تلك المطارات الكثيرة، خارج وطنك، قليلاً ما يتوقف فيها سلم كهربائي وفيها من الأسواق الحرة الكبيرة والمطاعم والمقاهي الجميلة ما يفتح نفس مسافر مثلك للتسوق وقضاء وقت ممتع حتى آخر دقيقة؟ ألم تسأل نفسك لماذا يحزن أمثالك وهم يغادرون تلك المطارات الراقية فيما الآلاف من مواطنيك يعدون الدقائق لهفة بموعد الإقلاع من مطارات بلادهم وبعضهم يدعو الله ألا يسامح من كان السبب لا في الدنيا ولا في الآخرة؟

عزيزي «المسئول» العربي:

أعرف أنك - مثل ملايين البشر- تمرض أحياناً وتحتاج أن تذهب إلى المستشفى، عافانا الله وإياك، ولكن وبما أن موقعك الوظيفي -اللهم لا حسد- يؤهلك أن تتعالج أنت وأفراد أسرتك في أرقى المستشفيات العالمية، ألم تسأل نفسك لماذا مستشفياتهم واسعة ونظيفة ومجهزة بأحدث التقنيات وفيها خيرة العقول من إداريين وأطباء وممرضون، فيما كثير من مستشفياتنا تدار بعقود ظالمة من الباطن وقد عشعشت فيها الدبابير وتكاثرت بين أروقتها الفئران، وينسى الطبيب أحياناً مقصاته في أحشاء مرضاه؟

عزيزي «المسئول» العربي:

أدرك أنك ربما سألت نفسك أو من حولك وأنت تقرأ مقالي هذا - وأعرف أنك ستقرأه اليوم أو غداً أو بعد أسبوع - : كيف لكاتب هذا المقال أن يقارن بيننا وبين من سبقونا بعشرات السنين وستبدع -كعادتك- في رصد الفوارق بيننا وبينهم، كما لو أننا من زحل وهم من المريخ! ولكن، يا عزيزي «المسئول» العربي، ما رأيك لو ننسى قليلاً من سبقونا بعشرات السنين ولنتفكر قليلاً فيمن بدأ بعدنا بعشرات السنين ونجري المقارنة!

عزيزي «المسئول» العربي:

لا تقل لي إنك لا تزور مدناً عربية ناشئة مثل دبي والدوحة وأبو ظبي. ولا تقل لي إن أطفالك -رعاهم الله- لا يلحون عليك بالسفر إلى دبي والاستمتاع بأسواقها ومكتباتها وحدائقها ودور السينما في أرجائها. ولا تقل لي إنك أنت نفسك لا تفرح بأي فرصة تأتي بك إلى الدوحة أو دبي أو أبو ظبي: بالله عليك، عزيزي المسئول العربي، ألم تحركك قصص النجاح تلك، وهي في محيطك وقريبة من ظروفك، لأن تسأل: ما الذي يمنع أن يكون عندي، من الأنظمة والخدمات والحدائق والطرقات والقطارات والمطارات والطائرات والمدارس وصدق النيات، مثلما عندهم؟

عزيزي «المسئول» العربي:

معقول؟! ألا يثير فيك ما رصدته أعلاه من أمثلة - وهي قليل من كثير- حميتك وغيرتك، ناهيك عن وطنيتك ومسئوليتك، أن تسأل نفسك: لماذا هم وليس نحن؟ وكيف تقدموا وتأخرنا؟ ولماذا يعملون بإخلاص ونحن بفساد وكذب ونفاق؟

عزيزي «المسئول» العربي:

أعرف أنك لا ترى في بلادك ما يراه الملايين من أهل بلدك. وأدرك أنك لا تعيش مثلما يعيشون وأنك لا تسافر كما يسافرون.

وأعلم أنك، أعانك الله، مشغول جداً بأعمال خاصة، داخل البلاد وخارجها، ومشغول بالتفكير في أسفارك وأسفار العائلة. لكن المشكلة الكبرى أن الملايين من مواطني بلادك لا يستطيعون العيش مثلما تعيش أنت ولا يملكون من المال والسلطة والجاه ما لديك. ولذلك رجوتك بالله القوي العظيم الحكيم أن تفكر، بوطنية ومسئولية، وأنت تجوب الدنيا شرقا وغرباً، في أحوال أناسك الطيـبين، وفي «الحالة» البائسة التي وصلت إليها بلادك. وحينما تفعل، عزيزي «المسئول» العربي، صدقني ستكون من أول الرابحين!

إقرأ أيضا لـ "سليمان الهتلان"

العدد 3022 - الثلثاء 14 ديسمبر 2010م الموافق 08 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:37 ص

      المسئول العربي ... متقفقف من المسئولية

      المسئول العربي - ومنهم عبّاد المناصب والرواتب ، وأصحاب الصخب والضوضاء- دائما يصفق ، ويخطب، ويراكض!،ويتجمّع !،ويُسرّ البعض كلمات في آذان بعض أسرار الحلقات المفرغة من المسئولية، كالسحاب الخُلّب ، الذي يرعد ويبرق ،ثم لا يمنح القطر / المطر . كل الشكر للكاتب وللوسط ... نهوض

    • زائر 3 | 3:24 ص

      اضواء المدينة

      المسئول العربي يمتلك الادوات من قمع وقضبان حديد وكتاب مميزين جاهزين للتشهير ويمتك من يصفق ليل نهار ( القوة باء المسئول )

    • زائر 2 | 1:22 ص

      • بهلول •

      هذا الكلام الجرىء والعميق - بارك الله فيك - موجه للمسئول العربي و ضميره بصورة عامة ... ماعساك أن تقول تحديداً للمسئول العربي عن ممارسة التعذيب الجسدي و النفسي و الإعلامي و المسئول العربي عن حماية الفساد و السرقة !!!؟

    • زائر 1 | 10:11 م

      اعراب و ليسوا عرب

      عزيزي استاذ سليمان
      الا تعرف انهم اعراب و ليسوا عرب فالاعراب اشد كفرا و نفاقا. نحن نعتقد أن الكفر فقط تجاه الخالق ؟!! أما اشد الكفر فهو تجاه الخالق و المخلوقين و هم الاعراب
      و نحن في مناسبة محرم الحسين بن علي عليه السلام
      الم تسمع و تقرأ ماذا فعلوا بسيد شباب أهل الجنة و هم يعلمون انه سيد شباب اهل الجنة؟
      اما بنا فبعد الحسين يفعلون كل لحظة فينا الخطيئة و يستبيحوننا مع كل حركة عقرب ثانية
      الم تقرأ لمظفر نواب و هو لا يتمالك نفسه و لا يجد أن العربية تسعفه الا في سبهم

اقرأ ايضاً