العدد 305 - الإثنين 07 يوليو 2003م الموافق 07 جمادى الأولى 1424هـ

ستنفجر إن لم تقل شيئا

منيرة العليوات comments [at] alwasatnews.com

ان سوء التفاهم والاختلاف الحاد في وجهات النظر أمر طبيعي جدا في الحياة الزوجية وذلك لوجود بعض التباين في الشخصية بين الرجل والمرأة، وهذا ايضا امر طبيعي ولا يشكل اية خطورة على سير العملية التربوية للاولاد ولا يتسبب في الاذى النفسي والاخلاقي لهم شريطة ان يتحكم كلا الزوجين في غضبه ويلتزم هدوء الاعصاب والاحترام للطرف الآخر اثناء الحوار والمناقشة مع عدم التعرض لذكر الاولاد من قريب أو بعيد. ولكن ما هو غير طبيعي ومضر بكيان الأسرة بأكمله والمتسبب في هدم وتمزق جميع الصلات السامية القائمة على حسن العشرة والألفة، تلك الخلافات والمناقشات غير المجدية في مختلف الموضوعات الحياتية التي تثار لأتفه الاسباب. وذلك الجدال المحتدم الحاد بينهما الذي تتبادل فيه الألفاظ النابية والكلمات الجارحة المخلة بالآداب والفضائل، والاتهامات اللاذعة التي قد تصل إلى حد القذف في العرض... وهنا يجب التوقف الفوري والانتباه الحذر فقد اضيء الضوء الاحمر... فالاطفال هنا موجودون معكما يلتقطون ما يسمعونه ويسجلونه في ذاكرتهم ويتأثرون به، بل ويقلدونه، فيجب عليكما الابتعاد عن نيران الغضب مهما بلغت نسبة التوتر والانفعال بسبب اختلافكما في وجهات النظر والرأي، وعليكما التحكم في اعصابكما حتى لا تفقدان السيطرة على صوابكما فتتقاذفان الاتهامات الباطلة المخلة بالكرامة والعشرة، والكلمات الجارحة القاسية بدافع التنفيس عن غضب مكبوت آن له ان ينفجر من دون مراعاة وعقلانية لما قد ينتج عنه من مضار نفسية وسلوكية على صغاركما... وتنسيان ما ستخلفه هذه المعركة الكلامية الحادة من آثار سلبية مهينة على رابطة الزواج المقدسة بينكما اولا وبالتالي انعكاسها على اخلاق وتصرفات وسلوكيات الصغار... ويجب الابتعاد كليا عن الكلمات التي تشير من قريب أو من بعيد إلى وجود الاولاد كارتباط حتمي يجبر كل منكما على تحمل الآخر، بل قد يتحكم الغضب والهيجان في احدكما فيندفع وهو في حال ثورة عارمة وبحركات تشنجية وبصراخ يدوي في ارجاء البيت فيزعزع أمن الصغار ويبدد استقرارهم النفسي والعاطفي، ليضع اولاده بين خيارين بطرح سؤاله الصعب: هل تفضل العيش معي ام مع والدك؟ وهنا اقول للزوجين الكريمين: كفى، توقفا فورا فهذا هراء غير لائق، واندفاع اهوج غير مقبول، اوقفا هذا الاندفاع الغاضب الذي يجتاح عواطفكما ويهدد علاقتكما الزوجية وأنتما فقط ستتحملان مسئوليته وتواجهان اخطاره إذ ربما بعد يوم وليلة، يتبدد شعوركما المندفع الاحمق بالرغبة في الانفصال وتعود بينكما المياه إلى سابق عهدها صافية عذبة.

فلا ذنب للصغار في هذه المشاحنات الطاحنة بينكما، فالصغير لا يستطيع ان يتدخل ويناقش ابعاد كل ما يسمعه من كلمات وما يراه من مواقف وكل ما يدركه بعقله الصغير انه معني ومقصود فيما يدور بين والديه من معركة لفظية فيتراءى له انه السبب ويمضي بعقله في تخيلات مذهلة تصور له حجم الشقاء والعذاب الذي يمكن ان يعانيه اذا تسبب في انفصال والديه... فتصورا معا ما يمكن ان تتسببا به من تصدع نفسي وتشتت فكري للصغير أو ربما يعاني من عقدة الذنب التي تؤدي بدورها إلى اختلال في شخصيته او فشل في دراسته يفقده الثقة بنفسه... انه ضرر قوي الوقع والتأثير عليه. فالطفل يا سعادة الزوجين الغاضبين لا يستطيع المفاضلة بينكما ولا يمكن له ان يختار احدكما من دون الآخر، انه يطلب الأمن والسلام اللذين يمنحانه الثقة بنفسه والرضا والاطمئنان. وهذا لا يحققه إلا وجودكما معا لرعايته وتوفير الهدوء والسكينة له ضمن حدود الاخلاق والاحترام المتبادل بينكما وقدرتكما على ضبط النفس والاعصاب والسيطرة الفعلية على غضبكما حتى لا يستفحل ويؤدي بكما إلى ما لا تحمد عقباه.

ان الطفل الذي لا يثق بوالديه قد يلجأ إلى الآخر الذي ربما يقوده إلى مزالق الانحراف، وأنتما بثورتكما الغاضبة العارمة تشوهان الصورة الجميلة المرسومة في ذهنه عن جمال العلاقة السامية بينكما، وبها ايضا يستشف المستوى الاخلاقي والثقافي الذي يبدو جليا واضحا في لحظات الغضب الذي افقدكما القدرة على التحكم والسيطرة على انفعالاتكما وتبادلتما في هذه اللحظة الكلمات والالفاظ غير اللائقة فأفقدتكما الهيبة والاحترام في نظره.

في اعتقادي ان افضل طريقة يمكن فيها التغلب على هذا النوع الحاد من الخلافات هي ان يلوذ احد الزوجين بالصمت والتعقل ويتحلى بالحكمة والهدوء وتجاهل ما يسمع من اتهامات وألفاظ من نصفه الآخر حتى تمر العاصفة بسلام ويبقى الصغار في هدوء بعيدا عن شرار الحرب الزوجية التي لا يحترق بها غير الابناء، ولنتذكر معا ما قيل في الغضب...

ان افضل وقت تمسك فيه نفسك عن الكلام هو الوقت الذي تشعر فيها بأنك ستنفجر إن لم تقل شيئا

العدد 305 - الإثنين 07 يوليو 2003م الموافق 07 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً