العدد 3053 - الجمعة 14 يناير 2011م الموافق 09 صفر 1432هـ

كشكول رسائل ومشاركات القراء

برقية عاجلة... إلى سيدتي

سيدتي... في الحقيقة أنا لست شاعرا، وليست لديّ صداقة تجمعني بالقافية إلّا أنّ ضغوطات الحياة علمتني نظم الحروف، ومُداعبة الكلمة، لأحلق معها بعيدا عن ضباع الهم لأقول:

أطلقت العنان لحروف الهم

وحلقت بعيدا في فضاء فكري

أكتب لك قصتي يا عظيمة الفهم

فأنتي الوحيدة بتلقي جواب لغزي

سيدتي تزاحمت التصريحات حول ذوي الاحتياجات الخاصة، وعبر وسائل الإعلام أُطلِقت وعود جافة، فكان المُعاق بمثابة المسرح الذي تُبرَز من خلالها العضلات، وتُنحَت صورهم على وجه كل الصفحات، والأزمات هي الأزمات، فمازال يصبح المُعوق عليها ويمسي في غالب اللحظات، وقلوبهم لم تتعلق سوى بخيوط ملونة، لا تقوى مواجهة الملمات... سيدتي علية القوم هم من جعلوني أعشق القهوة العربية التي تُقدم إليّ مع كل زيارة أقوم بها للمسئول في هذه الوزارة أو تلك (كمراجع) ولعل القوم نسوا أنني لست عن القهوة العربية أنشد وإنما أشد الرحال نحو النخوة العربية وأقصد، وإحقاقا للحق اقول إننا في تلك المجالس قد نكرم أحيانا ببعض الكلمات والتي من أبرزها: (لستَ وحدَك، ونحن معك، والمُعاق مُقدمٌ على الأصحاء...) شعارات ما أجملها، وخطبٌ رنانة، ولقاءات رسمية تدعو لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة لكنها كلمات لا تشع سوى من وادي السراب دون أن تتجاوز مطالبهم محيط هذا النائب أو ذاك، شعارات مُعوقة لا تجد لها روحاً وحراكاً، أنها صرخات مستأجرة عبر حناجر مصنوعة مبنية على قيم متأرجحة لا ترفع صوتها سوى لتحقيق مصالح مُشخصنة... ومن أجل هذا وذاك أقول: كيف يرتقب المُعوق الفرج وآماله مُعلقة بحبالٍ هي والله أوهن من خيوط العنكبوت.

سيدتي... بعد أن خذلني المسئول، قادتني قدماي بخطوات متعثرة نحو إحدى العشش التي يقبع فيها أحد ضحايا النسيان، جمعتنا ليلة صقيع باردة، نتبادل فيها أحاديث زمن غابر، وعلى طريق الذكريات بدأنا نتسول ذكرى جميلة تنسينا آثار جلد الحياة لكواهلنا المُتعبة من الزمن، وما كتبه القدر علينا من صمم وبكم وشلل، إنه نوع من التسول المشروع الذي نُجبر أحيانا عليه كما يجبر المريض على تجرع علقم لا يشتهيه.

سيدتي... بينما كنت في العشة هناك جالسا مع صاحبي تحت ضوء القمر نحتسي كوبا من القهوة الساخنة، أشارت إليّ نفسي بأن أتحدث مع صاحبي عن ذكرى قديمة تركت في النفس أثراً، ليحلو معها الحديث فيما نحن فيه من سمر، فجالت في ذاكرتي صفحات عديدة ، ذات أوراق سوداء تاه الفرح في ظلامها كتوهان كفيف العين، كُتبت فصولها بحبر الدمع وآهات القهر، وأخرى بهيجة نبت في بستانها ورد وأيعن فيها ثمرٌ وزهر، يتراقص عليها الطير خلف أسوار اليُتم وعلى نغم حزين وَوَتر، حكاية تفتتح أسوارها بمطلع أقول فيه إنه في ذات يوم وقعت يداي على كنز وجدته مختبئا بين أمتعتي القديمة في ناحية مخزن البيت فذكرني ذلك بالمصباح المعروف في قصة السندباد المثيرة، فسألت ابنتي الصغيرة عن شأن ذاك الذي اصطادته يدي وأطبقت عليه في ظلام ذاك المخزن، فانطلقت من ابنتي ابتسامة رقيقة، تفتحت معها وروود خدودها بألوان طيف بهية، فأمسكت العصفورة يدي بطرف أناملها الحريريتين وهي تقول: إنها حصالتي يا «بابا» وبها نقودٌ كثيرة، سأشتري بها هدية لأمي فهي دوما معي وفية، قلت لها وماذا بعد بنيتي؟ قالت: والباقي سأضيف عليه ما سوف أجنيه في عيدية العيد، من أجل أن أوفر كُلفة علاجك يا بابا، لتحظى يا أبي برؤية نقية في كتاب ربنا فتنال بذلك شرفا ومكانة عليّة، لترى كيف تشتاق الفراشة لرحيق وردة زكية، وكيف تتمايل الأغصان شوقا لأنغام طير ذي رقصات بهلوانية، عندها اغرورقت عيناي بالدموع، وفي شفتي ابتسامة كئيبة وأنا أقول لها دعيني بنيتي أرى ما الذي تحويه خزانة الاميرة شهرزاد من كنز ثمين، إلاّ أني أصبت بصدمة عند فتح الحصالة القديمة حيث لم أجد بداخلها ما يلبي طموح الحالمة، نعم، يمكن القول إن ما وُجدَ في الحصالة هو لا يخرج عن مُسمّى المال... إلا أن تلك النقود لا تربو على «المئتين والسبعين فلساً» فأدركت حينها أن الحكاية كلها لا تخرج عن كونها (أمنية حالمة) وما أكثر الحالمات في بلدي، ولكن من يلتفت إليهن أرجو ألاّ ينحصر المعنى في بطن الشاعر فحسب بل أتمنى أن يُفهم المُراد ويترجم كواقع عملي تُسعد من خلاله أسرة كل مُعوق.

أديب حسن البشير


القادم من عاشوراء

 

قصيدة تأبين الشيخ الجمري (قدس)...

أوهى الحبيب لقلبي إذ يغادرُه

والحزنُ تولغ في قلبي بواترُهُ

والسعد أغرقه دمع أُحادِرُهُ

كما الجزائرِ إذ دمعي يحاصِرُهُ

يا بدرُ تحجبه سحبٌ فتدرُسُهُ

فينجلي من لُباب القلبِ نائرُهُ

له النجومُ بدت ولهى وثاكلةً

وهي التي بالهوى كانت تُسامِرُهُ

يا فلكُ لاذ به الغرقى فلا لججٌ

تسدُّ معبرهُ إن هاج ماخرُهُ

والموجُ يحني له رأساً بمقدمهِ

والماءُ يغضي فلا تُعصى أوامِرُهُ

تصيخُ إن لاح منه الصوتُ أفئدةٌ

وتؤنس المسمعَ الظامي حناجرُهُ

فيعتلي صوتُهُ ساعاً وينخفضُ

فترقص الريم إن غُنَّتْ خواطِرُهُ

ويعصر القلب حبراً يرتجي ورقاً

تصاغ فيه بإعزازٍ مشاعرُه

وليس غير جدار القلب من ملأٍ

يأتيه زحفاً كقرطاسٍ يؤازرُهُ

يا شاعراً عادَ للمرضى بأحرفه

تشفي السقيمَ كترياقٍ مشاعرُهُ

جهادهُ شعرهُ في الله أخلصهُ

وسيفه قلمٌ كم بانَ باترُهُ

به تسامت رؤوس الناسِ في زمنٍ

جالت عليها بتشريدٍ كواسرُهُ

فضمها حانياً والدفءَ لحّفها

وأذعرَ الخوفَ حتى شُلَّ ذاعرُهُ

تنوء بالحِملِ أسيادٌ وكان لهُ

نعم الأمينُ لدينٍ إذ يناصرُهُ

ويجمع الناسَ تستغطي عباءتَهُ

كل المشاربِ تحويهم مآثرُهُ

يقيم في خلجات النفس مأتمهُ

على الحسين وكم تشدو منابرُهُ

ويصدع الحقُّ منها دونما رهَبٍ

ما دام فيه حسينٌ زاد ثائرُهُ

سل المنابر عن صوتٍ كمعجزةٍ

إن حلَّ في القلبِ حتماً لا يغادِرُهُ

واليومَ يخلو عن الأذكار منبرُهُ

والحزن بعد رفيق كم يجاورُهُ

قد أوحشت أرضهُ من بعد رحلتهِ

وأزهرت بالهوى طراً مقابرُهُ

وعاشقون سروا في إثر خطوتهِ

نحو المعالي إلى الهيجا عساكرُهُ

فخُرِّقوا برصاص الغدر من دنسٍ

وأرجعوا الطفَّ وسط العينِ ظاهرُهُ

فكم شهيداً فرى لله أوردةً

في خطه وهو حبُّ الله زاخرُهُ

سل القباب فما تحت التراب ترى

تجيب عشقاً ووسط العشق زائرُهُ

فانظر تَرى لقبورٍ ملؤها شرفٌ

إصرارها للمدى طراً تجاورُهُ

يا قادماً من تباشير الحسين لنا

يا كربلائيُّ بان اليومَ باكرُهُ

من للعريكةِ إن أعلت زماجرها

والخيلِ إن هدَّت الهيجا حوافرُهُ

من للقتادِ إذا يأتي بشوكتهِ

ومن لنا إن عثت فينا أظافرُهُ

من أجلنا كنت لا تغفو وصوت أسىً

للشعبِ يبقى وجوعٌ إذ يحاصرُهُ

شهرتَ سيفاً بوجه القهرِ تعلِنُها

هيهاتَ تجثو على شعبي دوائرُهُ

يا راحلاً من عطاهُ الأرضُ تفتخرُ

قد أفخر الأرض ماضيه وحاضرُهُ

وأشبعَ البحر محاراً فلؤلؤهُ

يزين جيد بلادي إذ يخامِرُهُ

لا لن نقولَ رحلت اليوم لا أبداً

ما دام غيثُكَ فوق الأرض زاخرُهُ

ما دام كفُّكَ يحنو فوق هامتنا

وللكسير بكربٍ أنتَ جابرُهُ

ما دام نهجك باقٍ بين أضلعنا

يحومُ فوقَ رؤوس الناسِ طائرُهُ

رفرف علينا جناح الحبِّ وامضِ بنا

نحو الهناءِ بنا لُفَّت مآزرُهُ

يا كوكباً لم شمل الأهل وانفرطت

حباتُ عِقْدِهِ مذ غابت مناظِرُهُ

علي عبد الله حبيب


الشائعات

 

الشائعة وباء اجتماعي يصيب المجتمع في بنيانه وهي ذات خطورة قومية يجب على الجميع أن يتكاتف على مقاومتها والقضاء عليها لما تؤدي إليه من دعوة إلى الانهزامية وتثبيط الهمم وزعزعة الثقة والترابط بين أفراد المجتمع بما تبثه من أكاذيب وافتراءات، ومن هنا تنبه المشروع البحريني إلى ضرورة محاربتها بغير هوادة والتصدي لها في عدة مواضع في قانون العقوبات بالتجريم وكان من بين هذه المواد نص المادة 168 من قانون العقوبات البحريني، وقد رأى المشروع سنها للضرب على أيدي العابثين ممن يعمدون إلى ترويج الأكاذيب أو بث الدعايات المثيرة التي يكون من شأنها اضطراب الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.

واستهدف المشروع من هذا النص الحرص على استقرار السكينة في ربوع المملكة لتنصرف الجهود إلى العمل المثمر دون يأس أو كلل.

ويتحقق الفعل المادي لهذه الجريمة إذا قام الجاني بإذاعة شائعات كاذبة أو مغرضة وما إليها ويراد بذلك جعلها معلومة لعدد غير محدود من الأشخاص بأي وسيلة من الوسائل ولم يتطلب القانون أن تكون الوسيلة بإحدى طرق العلانية فيكفي حدوثها ولو لشخص واحد، كما اشترطت المادة أن يكون من شأن ذلك اضطراب الأمن العام أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة أو إلقاء الرعب بين الناس، دون أن يتطلب النص أن يحدث ذلك فعلا فيكفي - حسب النموذج القانوني للجريمة - أن تكون الشائعة أو ما نحوها من المحتمل أن تؤدي إلى تلك النتيجة ولو لم تقع بالفعل، وتقدير ذلك متروك لقضاء الموضوع بلا رقابة وبلا مُعقب.

وتتطلب أيضاً هذه الجريمة لقيامها توافر القصد الجنائي لدى مرتكبها، وهو القصد الجنائي العام الذي يتكون من عنصري العلم والإرادة.

فيجب أن يعلم الجاني علماً يقينياً أن الشائعات التي إذاعها تُعد شائعات كاذبة أو مغرضة والمقصود بالشائعة المغرضة هو الخبر الصحيح في أصله ويقوم الجاني بتحوير معناه الحقيقي وينقله في صورته المغلوطة بهدف إثارة الرأي العام للتأثير سلباً على المصلحة العامة.

كما يجب أن تتجه إرادة الجاني إلى إذاعة هذه الشائعات الكاذبة أو المغرضة أو ما في حكمها بين أفراد المجتمع وهو مدرك تماماً لأثارها السلبية ورغبته في جعلها معلومة لعدد غير محدود من الأفراد وبذلك يتحقق ذيوعها وانتشارها بين جميع الأوساط وهو ما يبتغيه.

وقد يتساءل البعض ما هي عقوبة تلك الجريمة؟ فيفاجأ أنها قد تصل إلى الحبس الذي لا يزيد عن سنتين وأما إذا كان مُطلق تلك الشائعة موظفاً عاماً أثناء تأدية وظيفته فإن العقوبة قد تتضاعف لتصل إلى الحبس لمدة لا تزيد عن أربع سنوات. ومن أخصب أجواء بث الإشاعات أوقات الفراغ لدى بعض الموظفين المهملين في أعمالهم فضلاً عن أن بعض ضعاف النفوس يجدون فيها علاجا لضعف شخصيتهم وقلة علاقاتهم الإنسانية فيؤثرون هذا النوع من الجرائم ظناً منهم أنها الوسيلة السريعة لجذب الأنظار إليهم والتفاف الناس حول كلامهم الباطل.

وزارة الداخلية


أعداء التغيير

 

إنّ التغيير سنة كونية تشمل كل مخلوقات الله - جلّ وعلا - من الذرة إلى المجرة وما هو أبعد وأشمل من ذلك.

وعلى مستوى المجتمعات البشرية فالتغيير سمة من سمات التطور، بل هو أساس التطور ولب الإصلاح.

إنّ دعاة التغيير والإصلاح يطرحون فكراً ورؤىً ومشاريع على خلاف ما اعتاد الناس عليه وألفوه ووجدوا عليه الآباء والأجداد.

ولأنّ أطروحات التغيير والإصلاح تأتي سابقةً للزمان متقدمةً على ثقافة المجتمع، ما يجعلها تشكل نوعاً من الصدمة، فلذلك تجابه تلك الدعوات بمقاومة شرسة ومعارضة شديدة من قِبَل أعداء التغيير. وتتدرج هذه المعارضة من الحرب القولية والتصفية الأدبية حتى تصل إلى التصفية الجسدية.

وأعداء التغيير أصناف: الصنف الأول: (أصحاب الكراسي)

من أصحاب الكراسي الصغيرة حتى الكراسي الكبيرة، وخوفهم من التغيير والإصلاح ناجمٌ عن الخوف من سحب البساط وانتقال الكرسي لأشخاص آخرين، ذلك أنّ للكرسي بريقه وجاذبيته التي لا تقاوم، وأصحاب الكراسي مستعدون لاستخدام كل الأسلحة والوسائل - حتى القذرة منها - للوقوف في وجه كل من يقترب من كراسيهم أو ينازعهم عليها، إنه حب الزعامة، وما أدراك ما حب الزعامة؟!

الصف الثاني: (الجنينيون) وهم الذين يعيشون حالة تشبه حالة الجنين في بطن أمه فهو يتصور أنّ الكون محصورٌ في هذه الظلمة والمساحة الضيقة.

إنّ الأشخاص أو الفئات الذين يعيشون هذه الحالة مهما حاولت أنْ تقنعهم بأنَّ هناك كوناً أرحب، وعالماً أوسع فإنهم يستميتون في الدفاع عن عالمهم وحالتهم، ويرفضون أية نظرة شاملة تستشرف المستقبل وتعمل على خدمة المجتمع، إنهم أفراداً أو جماعات يعيشون في المجتمع وليسوا فيه.

الصنف الثالث: (اليائسة) إنهم جماعة خطرة، فشعارهم تسويد الدنيا في أعين الآخرين وبث روح اليأس والقنوط بين أفراد المجتمع، وقتل الأمل والرجاء في نفوسهم. إنهم أعداء التطور والتقدم والنجاح، فإذا جلست مع أحدهم لمدة عشر دقائق فلربما تُقدم على الانتحار، إنك لو حدّثت أحد هؤلاء اليائسة عن عزمك على مواصلة الدراسة أو القيام بأي مشروع فسوف يغلق في وجهك كل الأبواب ويثبط عزيمتك، ويقتل همتك، إنهم جماعة لا يرون إلا اللون الأسود ولا يركزون إلا على النصف الفارغ من الكأس، إنّهم يرون وقت الظهيرة في عز الصيف ليلاً مظلماً حالك السواد فالحذار الحذار من هؤلاء.

الصنف الرابع: (المتفرجون) هذه الجماعة شعارها (دع الخلق للخالق) فإنك لن تصلح الكون، عش حياتك بالطول والعرض، ولا تحمل هموم الآخرين، فالدنيا بخير وكل شيء على ما يرام.

فلماذا تشغلون أنفسكم، وتتعبون ذواتكم؟! إنكم لن تستطيعوا إقامة جمهورية إفلاطون ولا المدينة الفاضلة! إنّ هؤلاء فئة تتهرب من أداء الواجب وتحمل المسئولية، وهم - وللأسف الشديد - كثرٌ في مجتمعاتنا بحيث يشعر أي داعية للإصلاح والتغيير بحالة من الغربة وسط هؤلاء.

وخلاصة القول: إنّ على كل من يتصدى لعملية الإصلاح والتغيير في المجتمع أنْ يتسلح بالصبر، وسعة الصدر، وبُعد النظر، ليستطيع الوصول إلى هدفه وتحقيق مبتغاه.

إبراهيم حسن إبراهيم


بين أمواج أميرة الكلمة

 

إلى مبحرة في فُلكٍ غريبٍ تحمل بين كفيها زهرة الثلج وفي باطنها مكتوب اسم بلادي، وإلى من وقف على شاطئ الانتظار في ميناء الود والفخر يترقبها بشعورٍ صادق ويهديها باقات الزهور، وإلى من شهر السيوف أمامها في حين قدمت هي الزهر الندي إلى أولئك جميعاً الشكر أولاً والملاحظة ثانياً، فبعد نتائج التصويت التي أعلنت مساء الأربعاء في برنامج «أمير الشعراء» وبعد خروج الشاعرة نادية الملاح من المسابقة بفارقٍ لا يكاد يُذكر إذ حازت على نسبة 40 في المئة من تصويت الجمهور في حين حاز زكريا من ليبيا نسبة 41 في المئة، بعد ذلك التعريف بنتائج التصويت الذي لم يغلق بابه إلا عند التاسعة والنصف مساءً صارت الفرصة مواتية الآن لأن يُفرز التعليق لنا باباً لنرسم فيه من خيوط قلائد قد تذكرنا في المستقبل بنادية ومن تكون وبالجمهور ومن يكون وبالمساندة وكيف كان يُرجى لها أن تكون. للإعلامية البارعة والنجمة اللامعة «نادية الملاح» أولاً يحق لنا أن نقف بصدقٍ لنؤدي لها كلمة شكرٍ وإجلال عظيمتين لأنها لم تمثل ذاتها وقدراتها الشعرية في ذلك الوادي فحسب، بل إنها قد مثلت وطنها كسفيرة في منتدى الشعراء بموسمه الرابع، ولأنها كانت عنصر تشريفٍ لنا بالفعل في ميدان كثُر من ولج فيه وقل من وصل إلى ما قد وصلت هي إليه، وعليه فإنها تستحق أكثر بكثير مما نالته من تقدير وعرفان لوقفتها الواثقة وصوتها الهادئ والمتدفق بعنفوانها بين أحبتها والجمهور، ولتلك الطلة البحرينية الجريئة تستحق منا ملاحتها الكثير الكثير، وإن كنا سنذكر من ذلك الكثير شيئاً فشكراً لك نادية «يا بنت البحرين». وللجمهور المخلص الصادق أقول: لقد كانت نادية رمزاً من الجنس الناعم في معترك تلك الصدور الذكورية من الشعراء، وكانت تحتاج بصدق لوقفة كل مخلص ووفيٍّ لهذا الوطن قبل غيره، ولأن ما قُدّم لها كان يسيراً جداً فلم تتجاوز هي تلك المرحلة، على الرغم مما تمتلكه من شعبية واسعة داخل وخارج البلاد، وذلك ما كان واضحاً حتى من خلال تصويت الجمهور داخل الاستوديو، ولنا من ذلك عبرة نرمي بها نحو المستقبل، إذ إن مجرد ثوب الجرأة الذي تردّته الأميرة وحاجز الوجل الذي تحدّته السفيرة حتى لاح بريقها خاطفاً للأبصار فألفتت بجدارة كل غافل إلى اسم ديارها من قبل أن تعود هي إلى الديار سالمة، مجرد ذلك كان كافياً لأن نحمل لها الجميل بين الخافقين، ولذا فمن الواجب علينا حتماً أن نلفت إلى التقصير الذي وقع في الجانب الإعلامي في حق غرِّيدة صدّاحة منسابة كنادية، وكلنا يعلم أنها لو كانت قد حازت على لقب «أميرة الشعراء» لهذا الموسم لكانت قد توجت به بلادها بحق وبدون توانٍ على الإطلاق، ومع ذلك فالشكر كل الشكر لذلك الجمهور الراقي الذي بقي يحاول جاهداً مساندة ملاحتنا بالكلمة والتصويت وعبر المواقع الالكترونية ومن خلال الرد على من هاجم بما لا يليق وروح الإنسان الراقي السامي بخلقه وفكره، لكم جميعاً كل الشكر على وقوفكم لا إلى جانب الأميرة بل إلى جانب ما مثلته وما حملته في الأفق من اسم ومقام لمملكتنا الحبيبة. أما المقام الأخير فإنه مقام المحب المعاتب في الواقع، أدفعه بحزنٍ شديدٍ واستغراب تجاه الإخوة الذين كانوا قد خرجوا من مراحل تسبق هذه المرحلة ثم لوحظ ما شنوه من حملة على هذه الشاعرة الكريمة، ولو كنا قد نبسنا ببنت شفة قبل هذا لقيل إننا مروجون للشاعرة حتى تتعدى مرحلة التصويت لذا فقد كان في التأجيل خيرٌ وسلامة، وببالغ الأسف أذكر وبشكل مختصر أن بعضاً قد لجأ للدفاع عن الكبرياء بتوجيه النقد اللاذع ومحاولة السعي للتقليل من قيمة الشعراء الذين بقوا وظلوا ثابتين حتى مرحلة العشرين، ومع الأسف فإن منهم أيضاً من أغفل أن أخلاقيات الشعر العربي الأصيل سامية وراقية جداً وهي لا تتلاءم إطلاقاً مع ما أبدوه من روح المهاجم الجريح، وبها كانوا يصوّرون ما يصوّرون وكأن المعركة قد قامت لديهم على قدمٍ وساق، وعلى كل حال فالمعيار والمدار لم يكن قط مدى شهرة الشاعر وعدد دواوينه المطبوعة أو عدد مساهماته الشعرية المكتوبة هنا وهناك، فكلنا يعلم أن للجنة التحكيم معايير معينة تحكم وفقاً لها، ولو كان الإخوة المحترمون قد تجاوزوا تلك المعايير لما استبعدوا من المرحلة السابقة، كما أن الميدان مفتوح لكل المواهب ولكل من كتب بحبرٍ من دمه كما كتبت نادية، ولا أقول هذا القول اعتباطاً ولا زيفاً وإنما ذلك ما يُفهم من قصيدتها الرقيقة الحاكية عن غربة الروح في حلقة الأسبوع الماضي، ولا يخفى بالطبع على أحد أن هذا المعنى إنما هو من المعاني الراقية والدقيقة في آنٍ واحد، ولذا كان الميدان مفتوحاً ليدلي كلٌ بدلوه فما الضرر في صعود من صعد؟ ولم يا ترى لجأ البعض – ممن استبعدوا – لمهاجمة من وصل عبر المنتديات والمواقع الإلكترونية وغيرها؟ أولم يكن نجاح نادية نجاحاً للجميع ووصولها وصولاً للجميع؟! وما يثير الاستغراب بالفعل هو روحية هذه الإنسانة الرقراقة التي لم تنبس - هي الأخرى - ببنت شفة في الرد على هذا وذاك بل وإني لأجزم بأنها لن تبدِ غير الاحترام والتقدير تجاه من سعوا لمحاربتها جاهدين والحال أن المجال كان مفتوحاً كما نعلم وتعلمون «وهذا الميدان يا حميدان»، ولذا يكون من حقنا بل من واجبنا مدافعة تلك الأيدي التي تحاول خنق كل وليد في ساحتها ولا أدري لمَ ولكننا كشعب وكجمهورٍ نصمت عند ذلك ونترك المجال للخلق الرفيع لأن يتحدث. الأخت العزيزة نادية... بنت البحرين... وصاحبة القلم الرقيق والحس المرهف... شكراً لما قدمتيه لنا، شكراً لأنك لم تمثلي بلادنا في منتدىً راقٍ من منتديات الشعر العربي فقط بل أعطيت لكل من سمعك، رآك، أو عرفك، أعطيت كل أولئك عطاءً جميلاً في صدق الشعور من جهة والجرأة والثقة والسكينة من جهة أخرى، بل وعلى رأس ما أعطيتِهم جميعاً درسك الذي بقي يذكرنا بأنك إنسانة تربوية فعلاً ومربية صالحة لأجيالٍ عبرت من تحت تلك الأنامل الحريرية، درسك الذي قال لنا عن هدوئك، وحكى لنا عن روحك العالية، وأنبأنا عن خُلقكِ ومبادئك في التعامل حتى مع من كان يقف منك موقفاً يحاول من خلاله زعزعة ذلك الصمت المتعقل وتلك السكينة الرائعة. شكراً لك نادية لأنك أبحرت فعلاً حيث تعثر آخرون، وانطلقت حين تلجلج آخرون وسكنت لمّا أن صعد الآخرون ولكن أتدرين لمَ؟ لأنك بالفعل تحملين في صدرك روح الشعر وصورة الشاعر، شكراً لك بمد البصر وشكراً لكل من ساند الأميرة التي قد أثبتت بحق وبكل جدارة أنها عن بلادها «أميرة الشعراء» وحظ أوفر لك وللآخر في المستقبل القريب.

قل لمن رامَ المعالي بين شعرٍ أو بديع

إنما العالي شراعٌ صاغه الخلق الرفيع

فامزج الروح بفنٍ تنبت العالي المنيع

ثم سر إن شئتَ راعٍ أو فمكثاً في القطيع

ترفع الآفاق حانٍ مكثه بين الصقيع

مريم الملاح


هذا الكتاب غيرني...

 

أنتَ لا تحبني ولا تتفهم سبب انزعاجي، قالت ذلك وهي تلم أغراضها الخاصة وملابسها في حقيبة كبيرة... قال لها بصوت غاضب: إنها تفاهات وحماقات منكِ..! قالت: أنتَ هكذا لا تقدر ولا تحترم مشاعري، لا تسمعني ولا تفهم احتياجاتي!

- بل أنتِ لا تثقين بي ولا تقدرين كم أنا اتعب من أجلك!

قال ذلك وهو يأخذ مفتاح السيارة... فكرَ في نفسه: دائما تخلق المشاكل بأي طريقة؟ لا يرضيها شيء؟ ماذا تريد مني؟ خرج وصفعَ الباب صفعة قوية، انتفضتَ لها... كان صوت المطر بالخارج قابضاً للنفس يهيئ المشاعر للاندماج في الحزن... أجهشت بالبكاء، فلم تستطع إكمال ترتيب الحقيبة، جلستْ على حافة السرير، تسمرتْ قليلاً بصورة زواجهما وهي معلقة على الحائط... آه... مرت سنة على زواجنا، صدقني أحبكَ، أريدكَ، لا تخرج وأنا محتاجة إليك!

هي لا تجد ما هو جدير بمشاعر الحنين التي كانت تملؤها، فجأة شعرتْ بأنها مهزومة، تساءلت: هل خروجي من البيت بالأمر الهين عليه، رآني وأنا أجمع ثيابي بالحقيبة؟ أدارات بوجهها عن الصورة، أغمضتْ عينيها وأطلقت العنان من الجديد لبكائها، تشنجت أناملها وهي ترسل «مسج» عبر الهاتف تطلب فيه الطلاق، شعرتْ بأنه لم يعد هناك مساحة للتفاهم والحب والدفء، قرأ الرسالة، حذفها، تساءلَ ماذا تريد بالضبط مني؟

لماذا هي غاضبة هكذا؟ تزعل من أشياء لا أساس لها وتافهة... أحالنا وصل للطلاق؟ تألمَ قلبه، فجأة شعرَ بصداعٍ عنيف... قاومَ الألم، أعطى نفسه مساحة من التفكير والصمت الطويل وهو يسند رأسه على وسادة بكرسي السيارة.

قطع الصمت بدخوله النت عبر الهاتف بحث عن كتب الشعر... أعرف بأنها تحب الشعر كثيرا... وتحب القراءة.

أعجبه كتابْ... اشتراه، غلفه، كتبَ عليه كلمة واحدة (أحبكِ)... وصلَ الكتاب إليها... قرأتْ الكلمة التي على الغلاف... أزاحت التغليف، فتحته، قرأته، ألقتْ نظرة خاطفة على الكتاب، أعجبها كثيراً، بدأت أعصابها ترتخي، قرأته بتمعن وهدوء، فكرتْ على الاقل القراءة ستهدئ من توتري وتباعد أجواء الغضب والتشنج، أعادتْ قراءته، فكرت بزوجها، تمنتْ أن يعود للمنزل، لتشكره على الكتاب، فكرتْ بشكر الكاتب أيضا لأنه السبب في هدوء هذه العاصفة، ربما هذا الزوج أراد مصالحتها بهدية، لكنه بالنسبة لها قدمَ لها أكثر من هدية، قدمَ لها إجابة لأسئلة عديدة كانت تحيرها في الرجل، هذا الكتاب قدمَ لها الحب، الاحترام، التقدير، الاهتمام، الفهم، الذي لم يستطع صمت الرجل إيصاله، هذا الكتاب هو «شتاء الحب»!

رقية أحمد الدلال

العدد 3053 - الجمعة 14 يناير 2011م الموافق 09 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 8:12 ص

      شكرا للاستاذ الشاعر علي عبد الله حبيب .. ماجورين

      فعلا طلعت فنان وفلته
      يعني عندك موهبة الشعر بعد
      كاتب وشاعر وسياسي شيء عجيب يا استاذ واصل تالقك
      رحم الله الشيخ الجمري المجاهد البطل الفاتحة

    • زائر 5 | 6:37 ص

      سنقرا الكتاب حتما

      بالتوفيق يازمليتي رقيه

    • زائر 4 | 2:02 ص

      رائعة

      متألقه دائما في كتاباتك يا دلال

    • زائر 3 | 11:52 م

      هذا الكتاب غيرني...

      أسلوب شيق ،، وحمستينا لقراءة الكتاب المعني ..

    • زائر 2 | 11:50 م

      إبراهيم حسن إبراهيم (أعداء التغيير )

      أحسنت ،، وبورك قلمك

    • زائر 1 | 11:48 م

      برقية عاجلة... إلى سيدتي

      مقال عميق المضمون ، صُبّ في قالباً زاخر بالكلمات المتألقة..

اقرأ ايضاً