العدد 3069 - الأحد 30 يناير 2011م الموافق 25 صفر 1432هـ

مخاض الشرق الأوسط

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل يعود الشرق الأوسط إلى فترة زعزعة الاستقرار والفوضى البناءة (الخلاقة) وحروب المخاض التي عصفت بالمنطقة في 2001 (افغانستان) و2003 (العراق) وغياب ياسر عرفات في 2004 واغتيال رفيق الحريري في 2005 والحرب على لبنان في 2006 والعدوان على غزة في 2008 و2009؟

شكلت هذه الحقبة نقطة تحول في السياسات الأميركية حين رافقتها تهديدات مباشرة بتغيير الأنظمة من طريق القوة وإعادة ترسيم خريطة المنطقة بالاكراه أو من خلال تغيير سياسة الأنظمة وجعلها أكثر توافقاً مع توجهات «تيار المحافظين الجدد» الأيديولوجية. فالحملات كانت شديدة الخطورة لأنها لم تتردد في طرح برامج وخرائط وتسميات تستهدف هوية العالم العربي وتطمح إلى تفكيك دوله وتوزيعها على كانتونات (ولايات حكم ذاتي) على غرار ما يحصل في الصومال أو ما يتوقع أن يحصل في السودان واليمن والعراق.

أيديولوجية «تيار المحافظين الجدد» استخدمت عدة من المصطلحات، واعتمدت على ضعف الأنظمة وترهلها واضطهادها للأهل والناس واسطة للاختراق والتقويض من الداخل (الفوضى وعدم الاستقرار) أو الخارج (القوة العسكرية). وكان الهدف الاستراتيجي من تلك الأيديولوجية تأمين أمن النفط و«إسرائيل» وتوزيع الخريطة على مجموعات أهلية تتنازع على ترسيم حدود الدويلات أو تتنافس على الغنيمة.

أدى هذا الفضاء الدولي العنيف إلى تكوين مناخات إقليمية قابلة للتأقلم مع المشروع الأميركي الذي ارتكز في سياسته على مجموعة شعارات جاذبة (الإصلاح ونشر الديمقراطية) وفي الآن شجع العصبيات على النمو والظهور بوصفها قوة كامنة يمكن الاعتماد عليها لاثارة البلبلة تحت غطاء الدفاع عن الهوية الضيقة والحقوق المسلوبة وحق الشعوب والأقوام والقبائل في تقرير مصيرها.

مشروع إعادة تشكيل الشرق الأوسط الذي طرحه «تيار المحافظين الجدد» في عهد الرئيس السابق جورج بوش وقام بناء عليه بافتعال حروب وازمات و«ضربات استباقية» في أفغانستان والعراق بدأ بعد عشر سنوات يؤتي ثماره المرة أو الحلوة. فالمشروع لم يضمحل بعد غياب الحزب الجمهوري وخروجه من البيت الأبيض بل أخذ بإحياء نشاطه عقب فترة من الترنح.

ما يحصل في الشرق الأوسط الكبير في عهد باراك اوباما ليس بعيداً عن فضاءات مرحلة بوش. والاختلاف بين الفترتين يتمظهر في الوسائل لا الغايات. الوسائل تغيرت ولكن الغايات لاتزال تتفاعل وتتداعى وتنتشر وتتمدد في إطار دبلوماسية ناعمة تتحفظ على استخدام المفردات الخشنة ولا تتردد في اتباع منهج الانسحاب ورفع اليد إذا ساهم في تشكيل فراغات أمنية وبؤر عنف يصعب السيطرة عليها.

مراقبة الخريطة تعطي فكرة عن حالات المخاض والاضطراب والقلق التي أخذت تسود المنطقة في الجزء الثاني من عهد اوباما. فالشرق الأوسط الذي استقر نسبياً في الجزء الأول بسبب ممانعة الحزب الديمقراطي أخذ يتدحرج بسرعة إلى دائرة من الانقسامات الفوضوية كما هو حال السودان واليمن والعراق أو إلى نوع من غموض هوية البديل السياسي كما بدأت تتمظهر الأمور في تونس ومصر ولبنان.

هذه الفترة الرمادية تبدو خطيرة للغاية لانها من جانب تتجاوب مع رغبة كامنة للتغيير، وهي من جانب آخر تمنع تطور المضاعفات الأهلية إلى مستوى يلبي الحاجات الفعلية ومتطلباتها السياسية. وهذا النوع من المخاض يعطل آليات التغيير ويشجع على تضخيم الانفعالات ودفعها باتجاهات لا تتناسب مع طبيعة طموحات الشعوب التي تعاني من احتكار السلطة والثروة.

غموض هوية التغيير يطرح اسئلة هي أقرب إلى المخاوف منها إلى الوقائع. السؤال الأول يتعلق بمدى استعداد السلطات البديلة المؤقتة أن تؤسس هيئة قادرة على تأمين الحريات في المرحلة الانتقالية واعطاء فرصة للمعارضة أن تلعب دورها في إعادة تشكيل النظام. والسؤال الثاني يتصل بمواصفات فترة الانتقال من ضفة إلى أخرى وقدرتها على تحمل ضغوط المرحلة وما تعكسه من اضطراب امني وصراع أفكار.

الشرق الأوسط يمر الآن في حال من المخاض. والمخاض قد يكون وصفة سياسية هدامة (وليست خلاقة أو بناءة) إذا لم يتوصل العبث الأهلي إلى نوع من الاستقرار الذي يضبط ايقاع التغيير في قنوات شرعية ومشروعة تضمن الأمن وتؤسس قواعد واضحة للتغيير.

هوية التغيير مسألة مهمة وهي إذا دخلت في طور الرمادية في طرح الأفكار والبرامج تصبح عرضة للاشتباك الأهلي وتعطل على السلطة البديلة إمكانات الانتقال من ضفة إلى أخرى. أما وضوح هوية التغيير فانه يساعد على منع الفوضى من الانتشار ويضمن عدم تفكك الدولة وتشرذمها إلى مراكز قوى تزعزع الاستقرار.

مخاض المرحلة الانتقالية في السودان (انفصال الجنوب) وتونس (سلطة ناعمة) ومصر (ازدواجية السلطة) كلها علامات تدل على بدء تشكل هوية سياسية غير واضحة في الشرق الأوسط. فالغموض قد يستدرج الفوضى وربما ينتهي إلى الاستقرار. وإذا كان هذا الأمر يعتبر عادة من مواصفات المرحلة الانتقالية فإنه لاشك يحتاج إلى فترة انتظار للحكم على طبيعة التغيير. فهل هناك عودة ارتدادية إلى مرحلة ما قبل اوباما أم أن اوباما يتوجه نحو غايات بوش بوسائل مغايرة ومتخالفة مع نهج سلفه؟ الأمور حتى الآن غير واضحة لتحديد هوية التغيير وطبيعته ولكن المؤكد من خلال متابعة زوايا الصور والمشاهد أن الشرق الأوسط دخل فعلاً في مرحلة المخاض.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 3069 - الأحد 30 يناير 2011م الموافق 25 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً