العدد 3070 - الإثنين 31 يناير 2011م الموافق 26 صفر 1432هـ

خطوات على طريق تحسين أداء المدارس

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

«إن مفتاح تحسين المدارس يكمن فيما يبدو في التغيير الثقافي، وليس التغيير الهيكلي، وفي توسيع مساحة الابتكار والإبداع المتاحة للمعلم لا تقليصها». (كتاب: تحسين المدارس من خلال دور المعلم كقائد/ تأليف: ألما هاريس/ دانيال موجيس، طبعة 2007، ص 16).

منذ تدشين برنامج تحسين أداء المدارس في سبتمبر/ أيلول 2008م في ضوء تحليل نتائج وحدة مراجعة المدارس بهيئة ضمان جودة التعليم والتدريب، نجد من المناسب تناول عدد من التوصيات العامة، التي يشترك فيها كثير من المدارس التي هي الآن تحت المجهر، أو الخاضعة لبرنامج التحسين.

التوصية الأولى: ضرورة توظيف استراتيجيات تعليم وتعلم فاعلة تدفع باتجاه تلبية الاحتياجات التعليمية والتدريبية للطلبة، ومراعاة الفروق الفردية، وتنمية المهارات وتحدي القدرات، وتطبيق التعلم التعاوني، ومشاركة أهداف التعلم ومتابعة تحقيقها مع الطلبة.

التوصية الثانية: السعي لاكتساب الطلبة المهارات الأساسية في اللغتين العربية والإنجليزية، بالإضافة إلى المهارات الحياتية Life Skills التي تلبي متطلبات سوق العمل، والتي خصصنا لها مقالاً سابقاً تحت عنوان «كيف نوظف مهارات الحياة في العلمية التعليمية؟».

التوصية الثالثة: توظيف نتائج التقويم والتحليل داخل الصفوف الدراسية، والتعرف على مدى تقدم الطلبة والاستفادة منها في تخطيط الدروس.

التوصية الرابعة: توظيف التقييم الذاتي للمؤسسة التعليمية بصورة شاملة لجميع مجالات العمل المدرسي، والاستفادة من النتائج لبناء خطة تطويرية تضمن للطلبة تحقيق مستويات تتناسب مع قدراتهم.

وفقاً للتوصيات الأربع السالفة الذكر، فهي تحمِّل في مجملها المعلم المسئولية الكبرى لما يجري الآن في المشهد التعليمي من تحولات كبيرة لم يشهدها قطاع التعليم في البحرين منذ انطلاقته، غير أن ثمة قلقاً يساور البعض من أمثال هارجريفز عندما طرح في دراسة له العام 2004م احتمال نشوء «APARTHEID ـ تمييز عنصري» في تحسين أداء المدارس، بسبب أن المدارس التي يسير أداؤها بصورة جيدة تُمنح في العادة حرية الحركة والاهتمام والدعم في سبيل التعاون والابتكار، أما المدارس التي يعتبر أداؤها دون الطموح فتخضع للتوجيهات الصارمة، والإشراف المستمر، وبالتالي ينتج عن ذلك نشوء هوَّة أو انقسام حاد بين المدارس القادرة على المشاركة في جهود التحسين والتغيير، والمدارس المستبعدة بسبب ضعف أدائها.

بعبارة أخرى: فإن المدارس التي تهيئ لها ظروفها إمكانية التحسن تكافأ عن طريق منحها فرصاً أكبر لكي تتطور وتتغير وتنمو، أما المدارس التي تكون ظروفها أسوأ ونتائجها أضعف فتعاقب عن طريق فرض رقابة أشد عليها.

ربما لو انتقلنا إلى الواقع الميداني على مستوى مدارس التحسين، فإننا نشاهد تواجد رؤساء المدارس بشكل شبه دائم، إذ إن طبيعة عملهم ومهامهم تتطلب التواجد في الميدان ما نسبته 80 في المئة، لا في مكاتب الوزارة، وهذا بحد ذاته أمر يبعث على التفاؤل، لأن المعلمين سيتعاونون أكثر مع رؤساء المدارس الماثلين أمامهم بشكل مستمر، كما أن منحهم الصلاحيات الواسعة من غير الرجوع إلى الإدارة المركزية بالوزارة، يمنح المعلمين مساحة أكبر من الحرية، تشجع على المزيد من التطوير ورفع نسبة الإنتاجية.

نقول ذلك في الوقت الذي تكشف أدلة البحوث التربوية المتصلة بتحسين أداء المدارس وفاعليتها، بوضوح شديد عن إمكانية مساهمة قيادة رؤساء المدارس في برامج التحسين، من خلال تأثيرهم المباشر والقوي على فعالية المدرسة والتحصيل الدراسي للطلبة بشكل عام.

وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فإن مشروع «القيادة من أجل النواتج»، يركز على القيادة المدرسية المأمولة، والمهيأة أساساً للقيام بدورها القيادي بكفاءة وفاعلية، عن طريق الاهتمام بالجوانب الفنية وإحداث التطوير النوعي في الفضاء المدرسي لتحقق المؤسسة التعليمية كامل أهدافها، فالقيادة مسئولية مشتركة بين المعلمين ورؤساء الإدارات، وأن ثمة إمكانيات لحدوث تأثيرات إيجابية لمشاركة المعلمين في عملية اتخاذ القرار، لأن اشتراك المعلمين في اتخاذ القرارات يؤدي في النهاية إلى انخفاض تغيُّب المعلمين عن العمل، وزيادة فعالية المدرسة، كما وأن المدارس التي تتسم العلاقات فيها بين المعلم ومدير المدرسة بأنها قوية وتعاونية، فإنها تحقق مكاسب كبيرة على مستوى التعلم والمخرجات.

لابد من الانتباه إلى التحديات التنظيمية والمهنية التي قد تواجه مبادرة تحسين أداء المدارس، بحيث إن لم يتم تداركها منذ البداية فإنها قد تعرقل أو تنسف تلك المبادرة الطموحة، القائمة على دور المعلم كقائد، فالتحدي الأساسي الذي يقف حجراً عثرة في طريق قيادة المعلم في برنامج تحسين أداء المدارس هو التحدي الهيكلي، المتعلق بنموذج القيادة «من أعلى إلى أسفل» الذي لا يزال سائداً - وللأسف الشديد - في كثير من المدارس، فانعدام هيبة المعلمين داخل المدارس، وغياب السلطة الرسمية أعاقا قدرتهم على القيادة.

بالتأكيد، لا يمكن لأية جهة أن تفرض على المعلم نمطاً معيناً من آليات العمل، من غير وثوق المعلمين (الفئة المستهدفة) أو استشعارهم بأهمية ملف وطني مهم وخطير كالتعليم، وإلا رجعنا إلى المربع الأول «تعليم المقهورين»، الذي طالما حذر منه العالم البرازيلي باولو فريري، بمعنى انتقال القهر من الإدارات التعليمية إلى المعلمين، بعدما قهر المعلمون الطلبة باستراتيجيات تدريس قائمة على التلقين والحفظ!

مؤخراً حدث تحول دراماتيكي من النزعة المهنية للمعلم نحو مساءلة المعلم، وقد ذهب كثيرون إلى أن التدريس قد أصبح مجرداً من النزعة المهنية، واختزل في تطبيق المعايير والاختبار والتفتيش.

إن قيادة المعلم في أي مدرسة تتوقف على إمكانية قيام فريق الإدارة العليا داخل المدرسة بالتنازل عن سلطة حقيقية للمعلمين، ومدى تقبل المعلمين لنفوذ وتأثير الزملاء الذين يتم تعيينهم كقادة في ناحية معينة.

وبالانتقال إلى العوائق المهنية لمبادرات التحسين، فإن المعلمين الذين يضطلعون بأدوار قيادية يمكن أن يتعرضوا للمضايقات من جانب زملائهم، إذ يعد ذلك عائقاً مهماً أمام قيادة المعلم، فهم يشعرون بالعزلة عن زملائهم، فهؤلاء المعلمون يشعرون أحياناً أنهم بعيدون عن أقرانهم عند ممارستهم أنشطة قيادة المعلم.

وبما أن مشروع «تحسين أداء المدارس» سيتم تعميمه على جميع المدارس في العام 2012م، فإننا نؤكد على ضرورة الإسراع في إصدار «الدليل الموحد لتحسين أداء المدارس»، والذي سيشكل أداة رئيسة نشطة وفعالة، وخارطة طريق لتوحيد جميع مبادرات مشاريع التحسين تحت مظلة واحدة، بحيث يكون مرجعاً عملياً في متناول أيدي جميع التربويين في الميدان ليسهل تنفيذ توجهات البرنامج، في ظل تعدد الاجتهادات والرؤى التربوية، فالهدف من إصدار الدليل هو توحيد جهود المدارس ومبادراتها، بدلاً من إدارة المشروعات التطويرية باجتهادات هنا لرؤساء المدارس والهيئات الإدارية، واجتهادات هناك لأعضاء هيئات التدريس وهكذا، بحيث تتشتت الجهود، وتغيب الأولويات والاحتياجات الحقيقية لكل مؤسسة تعليمية.

من المؤمل أن يقدم الدليل مجموعة من البرامج الإثرائية، والتي يمكن توظيفها ضمن سياق ممنهج بهدف تحسين أداء المدارس، عبر التعريف بكل برنامج، والأهداف الإجرائية المناسبة لكل مرحلة تعليمية، والأنشطة والوسائل التعليمية، وردود أفعال المتعلمين ومدى تقبلهم تحقيقاً للتغذية الراجعة وبناء الاستنتاجات.

وبطرح الدليل الموحد، يا ترى ما المكونات المشتركة لتحسين أداء المدارس؟

الإجابة قد تكون أوضح الآن، إذ يمكن حصرها في الآتي: بناء الرؤية، والقيادة الممتدة، والتلاؤم البرامجي، والتركيز على الطلبة، والتدخل على عدة مستويات، والاسترشاد بإطار تدريسي، والاستثمار في التدريس، وبناء المجتمعات المهنية، وأخيراً التوجه نحو البحث والاستقصاء.

عندما عقد الاجتماع الثالث لرؤساء وقادة مشاريع تحسين أداء المدارس يوم الاثنين 7 يونيو/ حزيران 2010، ونحن نتابع باهتمام بالغ ما سيتوصل إليه فريق العمل المتخصص لوضع دليل موحد لبرنامج تحسين أداء المدارس، فهل يا ترى سيبصر النور في 2011م؟

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3070 - الإثنين 31 يناير 2011م الموافق 26 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 8:03 ص

      المشكلة

      لو كان هناك فعلا رغبة في تحسين الأداء المدرسي وتطوير التعليم في مملكة البحرين لتطور ولكن كل من يأتي من مسؤولين فإنهم يطورون ويحسنون كيفية التشبث بالمنصب وإبتكار طرق للتمسك بالكرسي .
      أنا أسألك كأستاذ وأسأل الأساتذة البقية من أين تكمن المشكلة ؟
      أنا أسأل السؤال وأنا أجبت على جزئ منه في ما سبق والجزئ الآخر من الإجابة هو أن هناك أساتذة لا يدرسون ولا يعرفون التدريس بل بمجرد قدوم حصتهم يبدأ الطلبة بالتسيب والخروج وأنا أتحدث كطالب أحس بذلك

    • زائر 7 | 12:53 ص

      خطوات ؟؟؟؟

      تحسين اداء المدارس يتطلب تحسين اوضاع المعلمين والاختصاصيين
      وترقية المتميزين، والحاصل ان اي وظيفة شاغرة يتم فيها تعيين اي شخص قريب من المسؤول لملء الشاغر دون مراعا هل لديه امكانية تلبي الوظيفة الجديدة ام لا

    • زائر 6 | 12:22 ص

      متطلبات التغيير للأفضل

      نحن مع التغيير والتطوير ..ولكن لن يحدث هذا الاعتماد والضغط فقط على المعلم ويعتبر هو المسئول الوحيد عن التطور .. اين دور الإدارات وحاشيتها المنغمسون بالاجتماعات كي يخرجوا بأعباء اخرى على المعلم دون النظر إلى طاقة المعلم البشرية . وعندما يحصدون الجوائز والتكريم اول ما يستبعد هو المعلم والنصر للإدارة وحاشيتها
      من اجل التطوير والتغيير يجب محاربة الفساد الإداري أولا

    • زائر 5 | 11:54 م

      تحسين أداء المدارس

      4- توفير بنية تحتية لجميع المدارس لاستيعاب المشرفين التربويين وجميع فرق التحسين.
      5- أن تخصص ميزانية بيد رئيس المدارس لصرفها على الاحتياجات.

    • زائر 4 | 11:49 م

      تحسين أداء المدارس (3)

      فبما أننا وجدنا تجاوباً واضحاً وقوياً من الجميع، معلممين وإداريين للمضي نحو العطاء الجيد فلماذا لا تسخر الإمكانيت المناسبة لهذا المشروع؟
      نعي تماماً الصعوبات المادية التي تواجه الوزارة، ولكننا بصدد مشروع يعتبر عصب التعليم، وتسييره لا يمكن أن يكون دون دعم سخي وتتمثل تلك الإمكانيات في التالي:
      1- تقديم مكافآت مجزية للمعلمين المتميزين في العطاء (حوافز).
      2- توفير وسائل تعليم متقدمة مناسبة لعمليات التمايز في الصفوف.
      3- تقليل أعداد الطلبة في الصفوف ولتكن في حدها الأقصى 28 طالب..يتبع (4)

    • زائر 3 | 11:38 م

      أداء المدارس (2)

      نتخوف من جابأخر إندثار أثر هذا المشروع نظراً لعدم وجود ميزانية بيد رؤساء المدارس، أي بمعنى كي يحدث الفريق الذي يتابع أداء المدارس عليه أ يملك في يده مقدار التغيير الذي يطمح إليه، وبالتالي لا بد وأن يكون مؤثر مادياً وبشكل ملموس على الأداء الضعيف برفع الأداء مادياً أي تقديم الدعم المادي وليس المعنوي الذي يتعمد عليه تلك الفرق التي تزور المدارس، وكأننا وضعنا في المدارس مجموعة من الفرق المستشارين لمدراء المدارس دون أن نعطيهم ما يحتاجون إليه،..يتبع
      (3)

    • زائر 2 | 11:32 م

      أداء المدارس (1)

      إن مشروع "تحسين أداء المدارس" من المشروعات القوية والمهمة التي اضطلعت بها وزارة التربية والتعليم وهي تسير بخطوات ثابتة ومرسومة، وآلياتها واضحة، ولأول مرة تنفذ وزارة التربيةوالتعليم مشروع متكامل من حيث علاقتها الإدارية بالمستويات المختلفة من الإدارات في الوزارة والمدارس والمعلمين والطلبة، وهو بحق مشروع كبير، وأهدجافه طموحة وعملية نزلت إلى الصفوف الدراسية من أجل مساعدة المعلم لتقديم عطاء راق، لا يختلف على ذلك الدور التي تقوم به الوزارة ولكننا .. يتبع في (2)

    • زائر 1 | 10:20 م

      تسلم على هذا المقال يا بو محمد

      نتمنى ان يفعل هذا بتحسين اداء المدارس وبصورة اسرع ليشمل جميع مدارسنا لتعم الفائدة على طلبتنا ومسيرتنا التعليمية بمملكتنا الحبيبه في ظل القيادة الحكيمة لجلالة الملك حمد بن عيسي حفظه الله وشكرا لك يا بومحمد على هذا المقال

اقرأ ايضاً