العدد 3071 - الثلثاء 01 فبراير 2011م الموافق 27 صفر 1432هـ

سوق العمل الخليجي: تسونامي العمالة الوافدة (3 - 4)

مجيد العلوي comments [at] alwasatnews.com

وزير العمل

عندما نقوم بزيارة للأحبة والأصدقاء نشكرهم على كرم الضيافة وحسن «الوفادة»، بمعنى أننا وفدنا على كرام قاموا بالواجب وأكثر. لكننا نغادر فيما بعد لكي لا نتحوّل من وافدين إلى مقيمين. كانت العرب في الماضي تكرم الضيف الوافد لمدة ثلاثة أيام قبل أن تسأله عن سبب وفادته على مضاربهم ما يعني أنها بلاشك رحلة مؤقتة غير دائمة. ولانزال بلاشك نكرم الوافدين. لكن ما نتحدث عنه هو وفادة من نوع مختلف فنحن نتكلم عن ملايين من البشر استقدمناهم بمحض إرادتنا ولا يبدو أن لديهم نيّة في المغادرة.

سأتحدث عن الأرقام في سياق المقال، وهي أرقام رهيبة تبدو وكأنها من نسج الخيال، لكنها ليست صحيحة فقط بل إنها متحفظة وأقل من الواقع بناءً على معلومات تم تجميعها بالتعاون مع المكتب التنفيذي لوزراء العمل والشئون الاجتماعية لدول مجلس التعاون الخليجي والذي يتخذ من البحرين مقراً له، ومن أدبيات أخرى صادرة عن وزارات العمل وإدارات الهجرة في دول المجلس.

ورغم أنني شبه متأكد من أن زملائي الوزراء في دول مجلس التعاون يتفهمون كثيراً بعض العبارات العاطفية التي لا يخلو منها أي تصريح حول هذا الموضوع، ويتفقون حول المخاطر المحدقة بمستقبل المنطقة من تواجد أعداد هائلة من العمالة الأجنبية التي لا تتحدث لغتنا، ولا تنوي تحدثها، ولا تشاركنا الموروث الثقافي ولا الهموم الوطنية والقومية (وليسو ملامين على ذلك)، فإن بعضهم - أي الزملاء - قد يعتبرون هذا المقال نوعاً من التكرار لآرائي التي سمعوها على مدى السنوات الثماني الماضية إما في اجتماعاتنا السنوية المتعدّدة أو من خلال مقابلة تلفزيونية أو مقالة صحافية. مع ذلك لابد من الإشارة إلى أن كل زعماء دول الخليج وفي أعلى الهرم يستشعرون الخطر من التزايد غير الطبيعي لأعداد العمالة الوافدة.

لقد حاول البعض تسميتها بالعمالة المؤقتة التعاقدية وهي كذلك نظرياً، إلاّ أنها في الواقع غير مؤقتة إلاّ على الورق، أما في الواقع المعاش، فهي دائمة، وكلما جاء جيل آخر ترسخ الموجود والوجود وتميزت الإقامة بالاستمرارية والاستدامة وتكوّن مجتمع موازٍ لمواطني دول المجلس غارساً جذوره في تربتها ويكاد يهيمن على العديد من جوانب الحياة.


خليط غير متجانس

في دول الخليج، جنسيات تتراوح بين 70 إلى 120 جنسية، بحسب الدولة وحجم العمالة الوافدة فيها وهي جنسيات تتكلم 50 لغة مختلفة، ولديها 600 مدرسة خاصة بجالياتها (200 منها هندية)، ولها كنائسها وصوامعها ومعابدها واحتفالاتها وأعيادها وهمومها ومشاكلها و...إلخ.

وقد يقول قائل إن هذا إثراءٌ للمجتمع الخليجي وثقافته، وهو كذلك إلى درجة ما، لو أن هناك تفاعل بين جالية المواطنين! وفسيفساء الجاليات المقيمة، وصحيح أكثر لو أن نسبة المواطنين تفوق نسبة الأجانب، أما تلاقح الثقافات والعادات والتقاليد في وضع أصبح المواطن فيه أقلية بل جيباً صغيراً في بعض الدول، فإنه يعني الذوبان التدريجي للثقافات الأصلية والعادات والتقاليد الوطنية، وطغياناً هائلاً لثقافات وعادات غريبة على المنطقة.

قبل أربع سنوات أُعدّت ورقة في بريطانيا وعرضت على السيد توني بلير رئيس الوزراء آنذاك حول التغييرات الديموغرافية المحتملة في البلاد حتى العام 2030، حيث أشارت إلى أن سكان المملكة المتحدة قد يبلغ تعدادهم ذلك العام 70 مليوناً منهم 10 في المئة من الأجانب. أرسل مكتب رئيس الوزراء رسائل (سريّة) كشفتها إحدى الصحف البريطانية تطالب مختلف الوزراء بالاستعداد لزيادة السكان وبالذات لزيادة نسبة الأجانب وكيف ستتعامل وزارة الداخلية والوزارات الخدميّة مع التغيير في التركيبة السكانية لبريطانيا وما هي الآثار السلبيّة والإيجابية وما هي الأخطار التي تتهدد الهويّة البريطانية وما هي الضغوط المتوقعة على الخدمات المقدمة للمواطنين.

في الخليج العربي، وفي نفس ذلك العام 2030 ستصبح العمالة الوافدة أغلبية مطلقة في معظم الدول، فماذا نحن فاعلون؟ في بريطانيا وفرنسا وبلجيكا وغيرها نواب ووزراء من الجاليات الأجنبية، لكنهم لا يتعدون حتى 3 في المئة من السلطة التشريعية أو الحكومة، أما عندنا فلو أعطيت الجاليات الوافدة حقوقاًَ سياسية وحدثت انتخابات تشريعية، فلنا أن نتصور مقدار ما يتبقى من القرار السياسي للمواطنين الأصليين! والحقوق السياسية قادمة لا محالة، والحقوق المدنية (من سكن وعمل وتعليم وصحة وغيرها) قادمة أيضاً إذا لم يتم تحصيلها بعد، وفي الاتفاقيات الدولية، وفي الواقع المعاش من العناصر ما يكفي لأن تنال حقوقها. ولم لا؟ إذا ساهمت جاليّة في بناء البلد وإدارة الخدمات في قطاعات صناعية وإنشائية وسجلات تجارية فلماذا لا تنال حقوقها المدنية والسياسية؟

لكن - مربط الفرس - أننا هنا لا نتكلم عن 10 في المئة كما هو الحال في الدول الأوروبية الرئيسية التي لديها جاليات أجنبية كبيرة مثل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا، وإنما نتحدث عن نسبة وافدين تتراوح بين 50 في المئة إلى 90 في المئة من السكان في دول الخليج!

على المرء الحذر طبعاً عند مناقشة هذا الموضوع لكي لا يتهم بالعنصرية والشوفينية، فالأجانب لم يأتوا غزاة بقوة السلاح بل جاءوا بدعوة منّا، وشاركوا ولايزالون في بناء وإدارة اقتصادياتنا ولهم كامل الحقوق الإنسانية والتعاقدية. وأنا شخصياً ممن عمل جهده على مدى السنوات الثماني الماضية في التأكد من ضمان حقوقهم والدفاع عنهم وحمايتهم من الاستعباد، وكل دول الخليج لديها تشريعات متشابهة لحماية العمالة الوافدة وعندنا، كما أشرت في مقالة سابقة قوانين وإجراءات لحماية هؤلاء العمال. فبالإضافة لتحريرهم من نظام الكفيل الظالم، أصدرنا تشريعات تضمن تسلمهم أجورهم كاملة وفي وقتها وتطوير بيئة صحية في مواقع العمل والسكن لهم وشملهم قانون العمل في القطاع الأهلي تماماً كما المواطنين. ولقد أصدرت قرارات بمنع العمل في وقت الظهيرة من 12 ظهراً حتى 4 عصراً، خلال شهور الصيف اللاهبة في الأماكن المفتوحة وفي قطاع الإنشاءات. كما تم توفير قنوات البت في شكاوى العمال بغض النظر عن المواطنين وغير المواطنين وسمحنا بإنشاء منظمات مجتمع مدني للدفاع عن حقوقهم، ونتواصل دائماً من خلال سفاراتهم وممثليّاتهم.


تسونامي بشري

غير أن حماية العمالة الوافدة وضمان حقوقها الإنسانية والتعاقدية شيء، وفقدان الهويّة الوطنية والقومية شيء آخر تماماً. كان إجمالي العمالة الأجنبية في دول مجلس التعاون الست في العام 2005 اثني عشر مليون نسمة وبعد أربع سنوات قفز إلى 16 مليون. السنوات الأربع مثلت الطفرة الثانية في أعدادهم وذلك عندما ازدادت أسعار النفط وتجاوزت 130 دولاراً للبرميل، وهي شبيهة بالطفرة الأولى التي بدأت في العام 1975 أيضاً على إثر زيادة أسعار النفط آنذاك التي أعقبت حظر تصدير النفط الخليجي للغرب ضمن موقف دول الخليج الداعم لكل من مصر وسوريا خلال حرب رمضان (أكتوبر 1973)، يومها بدأت العمالة الأجنبية بالتوافد على المنطقة لتشييد البنية التحتية والمباني الحكومية والأهلية إثر توفر السيولة لدى دول المنطقة التي تعاني من شحة الموارد البشرية. فالطفرة الثانية التي استمرت عدة سنوات كانت في الواقع أسرع وأقوى من ذي قبل حتى وصلنا إلى حيث العدد الرهيب الذي أشرنا إليه. وعلى هذا المنوال ووفق منطق السوق فإن الأزمة المالية والاقتصادية التي ضربت العالم وتأثرت بها اقتصاديات دول الخليج، ولاسيما قطاعي الإنشاءات والخدمات خلال العامين 2008 و2009، كان من المفترض أن تنحسر نسبة العمالة الوافدة. غير أن الواقع يقول شيئاً آخر.

لأضرب مثالاً لتقريب المفهوم: قطاع الإنشاءات يساهم بأقل من 10 في المئة من الناتج القومي لمعظم دول الخليج، لكنه مسئول عن جلب 40 في المئة من العمالة الوافدة. ورغم تأثر القطاع بسبب الأزمة الاقتصادية بدرجة 70 في المئة هبوطاً، إلا أن العمالة الأجنبية لم تتناقص، بل زادت! لماذا؟ لأن هذه العمالة الوافدة لم تعد عمالة، ولم تعد وافدة فقد تغلغلت في شرايين الاقتصاد وأصبحت مالكة له تدير مختلف القطاعات التجارية، بل وتحتكر الكثير منها في دول الخليج مسيطرة على السجلات التجارية، أما مباشرة وعن طريق الكفيل المحلّي ولا تتأثر بازدياد الحاجة الفعلية للسوق أو عدمه. لقد أصبحت هي السوق وهي المشغّلة بكسر الغين وليس بنصبها، وكل مواطن خليجي أو مقيم يعرف هذا حق المعرفة. وهكذا فقد ازدادت تحويلات الجالية الوافدة من الأموال الصعبة من دول المنطقة الست إلى دول منشئها من 35 مليار دولار سنوياً في العام 2005 إلى 55 مليار العام 2009، بعد أن أصبحت نسبة العمالة الأجنبية لمجموع القوى العاملة في العام الماضي 97 في المئة في أعلاها و50 في المئة في أدناها. وليعذرني القارئ الكريم عن ذكر أسماء الدول ذات النسبة الأعلى أو الأدنى فهي معروفة، وعلى أي حال، كلّنا في الهوى سوى.

إقرأ أيضا لـ "مجيد العلوي"

العدد 3071 - الثلثاء 01 فبراير 2011م الموافق 27 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 5:55 ص

      شكرا على الرد تعليق رقم 4

      أنا أدرك أن هناك منتفعين وصوتهم اكبر من الوزير وهذا اللي قض البرمة وأدرك أن هناك نوع من المافيا في الشركات والبنوك والمؤسسات وحتى الوزارات وهذه المافيات لها نفوذ قوي ولكن يا أخي العزيز مالا يدرك كله لا يترك جلّه وعلينا محاربة الفساد في كل مكان بكل طريقة قد نحقق القليل
      ولكن هذا القليل أفضل من لا شيء يجب أن لا يترك الحبل على الغارب ليستشري الفساد أكثر
      وبداية الألف ميل بخطوة مسألة مافيا الأجانب تراها خطيرة جدا جدا وسوف تظهر لنا في السنوات المقبلة مشاكل كبيرة

    • زائر 7 | 4:06 ص

      زائر 3

      لا يمكن لأحد ان يتحكم في ملك احد قط ،اي لا يمكن للوزارة ان تعطي تعليماتها الى الشركات واصحاب المؤسسات الا بعد بوح صوتها حيث ان بعضها يملكها اناس اكبر من اي وزير .....
      واما بالنسبة ال الوزارة كما يقال لم تفعل شي فهذا كلام غير صحيح رفع الأجور من 150 الى 200 آنذاك لم يقم بها الا وزارة العمل في عهد سعادة الوزير ..
      والكثير من المشاريع فضلاً عن الشركات التي لا تعطي الأجو إلا بالتيا والتي للعمال . فهذا لم يكن يرى النور الا بعد مجئ سعادته ،
      الله يخليك يا وزير العمل د

    • زائر 5 | 2:11 ص

      المشكلة أكبر من ذلك لكن ماذا فعلت وزارتك يا سعادة الوزير

      يا سعادة الوزير العمالة الأجنبية هي شبيهه بمكينة شفط الرمال التي تشفطها من منطقة وتلقي بها إلى أخرى بحيث تصبح المنطقة المشفوط منها إلى قيعان خالية والمنطقة الأخرى إلى جبال من الأموال
      واسمح لي يا سعادة الوزير أن اعتب عليك بعض الشيء أنني لم أرى من وزارتك تحرك تجاه هذه الأمر الذي تتكلم عنه لماذا لا تقوم الوزارة بفرض قوانين على بعض الوزارات والشركات والبنوك تفرض عليهم تدريب البحرينيين وإحلالهم مكان الأجانب
      مثل ما فعلت عمان قبل فترة إعطت للأجنبي راتب سنتين وعليه أن يقوم بتدريب موظف عماني

    • زائر 4 | 1:25 ص

      خسرت وظيفتى

      يا سعادة الوزير بعد22 سنة خدمة في أحدى الشركات (بلكسكو) خسرت وظيفتى والسبب هو الأجنبى .

    • زائر 2 | 10:54 م

      حضرة سسسسسعادة الوزير

      اذا فيه توسنامي فهو توسنامي المجنسبن والله توسنامي لهنود الفقاره ما عليك منه ولا تغض البصر وتسوي روحك ماتدري الخطر من وين جاي في الحقيقه وشكر ا يا سعادة الوزير ما قصرت 1%

اقرأ ايضاً