العدد 3076 - الأحد 06 فبراير 2011م الموافق 03 ربيع الاول 1432هـ

أيام مصر هزت العالم العربي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أيام مصر التي هزت العالم العربي من محيطه إلى خليجه أثارت لدى الأجيال الكثير من التوقعات وأخذ كل فريق يقرأ الاحتمالات وفق آمال وتمنيات خاصة تنسجم مع قناعاته وبرامجه.

التيار القومي يطمح أن تستعيد مصر موقعها في قيادة المشروع العربي القومي مسقطاً توقعاته على زمن جمال عبدالناصر وأحلامه في الوحدة والتحرير. التيار اليساري بدأ يؤسس تمنيات أيديولوجية تستعيد ذكريات الماضي الاشتراكي وما تضمنه من وعود بتوزيع الثروة والمساواة والعدالة. التيار العروبي يرى أن مصر الجديدة ستبدأ باسترداد موقعها المركزي في استنهاض فكرة الوحدة بوصفها الحل التاريخي لكل المشكلات التي أصابت العالم العربي منذ سبعينات القرن الماضي. التيار «الليبرالي» يتمنى أن تعود مصر لتلعب دور واحة الحرية والانفتاح على الغرب كما كان عهد الخديوي إسماعيل. التيار «الديمقراطي» أخذ يستعيد لحظات الثورة الدستورية في العام 1919 بقيادة سعد زغلول. التيار الإسلامي بدأ يراهن على التغيير انطلاقاً من رؤية تستند إلى تاريخ مصر ودور الأزهر في صيانة الهوية الدينية من الاختراق والتغريب.

كل فريق يقرأ انتفاضة مصر العفوية الشبابية، التي انطلقت في 25 يناير/ كانون الثاني الماضي، من خلال زاوية خاصة تستجيب لحاجات تتصل بالماضي والذكريات والأحلام والتمنيات من دون انتباه إلى اختلاف الظروف وتبدل الأحوال. فالتيار القومي يراهن على موقع مصر ودورها في قيادة المنطقة العربية بعد أن فشلت البدائل في تعبئة الفراغ. والتيار الاشتراكي يرى أن نمو قوة الإسلاميين في المنطقة جاء بعد تراجع دور مصر وقيادتها لمشروع العدالة والمساواة. والتيار الليبرالي - الديمقراطي يتمنى العودة إلى زمن ما قبل انقلاب يوليو/ تموز 1952 الذي صادر الحريات وعطل التنوع وقطع الطريق على نمو فكرة التعدد الحزبي. ويراهن التيار الإسلامي على هوية المجتمع واحتمال نمو سلطة سياسية منتخبة تبدأ بتعديل الدستور وإعادة هيكلة الدولة في إطار ينسجم مع الشريعة.

إلى هذه القراءات هناك قراءات مضادة تتوهم تصورات مخالفة. البعض ينظر إلى أن مصر سترتب علاقات جيدة مع الولايات المتحدة والغرب ما يسمح لها باكتساب خبرات وتقنيات تساعد على التنمية وتحسين دور الدولة كقوة قادرة على قيادة الإصلاح والتحديث. البعض يرى أن مصر ستتحول إلى دولة راديكالية (ثورية) معادية للغرب وتقود جبهة الممانعة ضد «إسرائيل». والبعض يراهن على أن مصر ستفتح أبوابها على الاقتصاد العربي وستقود مشروع الاستثمار النقدي لتنمية آليات السوق وما تتطلبه من إمكانات بشرية في مختلف القطاعات.

التوقعات والأحلام والأمنيات كثيرة وكلها تدور في إطارات نظرية تعكس إلى حد كبير مستوى الإحباط الذي وصلت إليه الجماهير العربية. فكل فريق يسقط همومه وتطلعاته على واقع متخيل يعتمد الذكريات وحقبات الماضي من دون إدراك لتلك المعطيات التي تراكمت زمنياً وأدت إلى تكوين حيثيات لا صلة لها بتلك الأفكار والمشروعات التي ظهرت ملامحها في فترات متقطعة. مصر في النهاية لا تستطيع في طورها الراهن أن تلعب بسرعة دورها المفقود، كذلك تحتاج إلى فترة نقاهة حتى تستطيع تجديد قواها وإصلاح حالها قبل أن تغامر وتبادر إلى اتخاذ الموقع الذي تستحقه في منظومة العلاقات العربية.

التوقعات يجب أن تكون دقيقة في تصورها حتى لا تتساقط الأحلام والمراهنات وتعود لغة الإحباط إلى الارتفاع مجدداً. مصر الآن ومن دون مبالغة تحتاج إلى فترة نصف عام لتخرج من أسوار حقبة الرئيس حسني مبارك. فهي أولاً لابد أن تتوافق على برنامج مرحلي ينقل السلطة من دائرة الحزب الحاكم إلى ساحة التنافس والتعدد. وهي ثانياً تنتظر تعديلات دستورية تعطي شرعية لأحزاب ممنوعة من ممارسة حقوقها السياسية. وهي ثالثاً تحتاج إلى عملية ترميم للمؤسسات الرسمية التي أصيبت بالترهل والتكلس حتى تستعيد عافيتها. وهي رابعاً تتطلب ترتيب بيئة تتقبل التغيير من دون مخاوف وتشنجات. وهي خامساً تنتظر محطات للانتقال التدرجي من طور التحكم الفردي - الحزبي بالقرار إلى طور التشاور في إطار مجلس الشعب وما يقتضيه الأمر من إلغاء قانون الطوارئ وتعديل الدستور وإجراء انتخابات رئاسية وتحييد الجيش وغيرها من إصلاحات.

مصر الآن بحاجة إلى مساعدة حتى تستطيع الاستقرار وتركيز القواعد الدستورية لمرحلة ما بعد حقبة مبارك. وهذا الأمر يحتاج إلى نصف سنة إضافية حتى تبدأ مصر الواعدة بالظهور مجدداً على المسرح الإقليمي. والعودة المتوقعة في كل الحالات لن تكون كما تتصورها الرؤوس الحامية التي تنفعل بسرعة ثم تحبط بزمن قياسي.

الوقائع الجارية ميدانياً ترسم ملامح صورة مغايرة لكل الأزمان السابقة باعتبار أن البرنامج المطلبي الذي ترفعه الجماهير تنحصر معظم أبوابه على القضايا المحلية (فساد، قهر، تفرد بالسلطة، جهل، أمية، فقر، جوع، عطالة عن العمل، البحث عن فرص، توسيع قاعدة المشاركة) بينما تأتي الطموحات الايديولوجية في مراتب متأخرة عن تلك الإسقاطات النظرية التي تتسابق الأحزاب على تخيلها وتوهمها.

المهم الآن في المشهد أن مصر تغيرت ولا مجال للعودة إلى الوراء. وهذه النقطة بالمقاييس الزمنية ومقارنة بالماضي القريب تعتبر خطوة مهمة وكبيرة ويمكن البناء عليها بشرط عدم المبالغة في التوقعات حتى لا تصاب الأحلام والتمنيات بالإحباطات والخيبات.

مصر تحتاج فعلاً إلى دورة زمنية لا تقل عن سنة حتى تستعيد زمام المبادرة وتبدأ بالبحث عن دور أو التفكير بموقع ليس بالضرورة أن يكون على مقاسات وفرضيات الأحزاب الأيديولوجية وتلك الفرق السياسية التي تبحث دائماً عن خشبة خلاص في عصر يحتاج إلى آليات التنافس والتزاحم.

ما حصل في مصر خلال الأيام الماضية هز مخيلة العالم العربي وأنعش الأحلام والآمال بإمكان التغيير وتجديد الحياة والشباب واستعادة الحيوية والدور المفقود. وهذا المتغير ليس بسيطاً ولا يمكن التقليل من أهميته الرمزية والمعنوية، ولكن حتى تكون الأمور واقعية لابد من تخفيف المبالغة تجنباً للوقوع مجدداً في دائرة الانتظار في عصر يفترض أنه تجاوز مقولات المارد والمخلص والمنقذ

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 3076 - الأحد 06 فبراير 2011م الموافق 03 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:42 م

      هزت العالم باسره

      ولكن كل يغني بليلاه نحن الستضعفون نتطلع لنصر من الله وفرج قريب المستكبرين الى مبارك اخر لكن بوجه اخر ملمس ناعم وسم قاتل

اقرأ ايضاً