العدد 3078 - الثلثاء 08 فبراير 2011م الموافق 05 ربيع الاول 1432هـ

مفاجأة 2011... ظهور ملامح الخطاب البديل

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قبل نهاية العام 2010 كانت الأنظار متجهة إلى ثلاث دول عربية مهددة بالانهيار في العام 2011 وهي السودان والعراق واليمن. وجاءت المفاجأة السياسية في مطلع العام الجاري من أمكنة غير متوقعة أو على الأقل غير مدرجة على قائمة الأولويات. فقبل تونس كان هناك احتمال انهيار الاستقرار القلق وهدنة الطوائف في لبنان، وقبل مصر هناك انفجار أزمة التفاوض وانغلاق آفاق الحل العادل على المستوى الفلسطيني. ما حدث في تونس ومصر مفاجأة من حيث التوقيت لكون الأزمة موجودة وتتراكم سنوياً، ولكن الانفجار كان غير متوقع أن يحصل بهذه السرعة ويتسابق زمنياً مع دول بدأت تتعرض للانهيار.

مفاجأة 2011 أنها وضعت شعوب المنطقة العربية أمام خيارات بديلة غير تلك التي كانت متوقعة أن تصدر عن العراق والسودان واليمن وربما لبنان. فالخطاب السياسي الذي صدر عن انتفاضتي تونس ومصر أعطى دفعة من التفاؤل باتجاه التغيير من دون انزلاق نحو فوضى من الانقسامات الطائفية والمذهبية والقبلية والأقوامية واللونية والمناطقية كما هو حال الدول المهددة بالانهيار.

الخطاب السياسي الذي أخذ يخرج إلى الساحات العربية آتياً من تونس ومصر يحمل في طياته لغة مغايرة لتلك الخطابات الطائفية والمذهبية والأقوامية التي صدرت من العراق بعد الاحتلال الأميركي وتقويض دولته وبعثرة منظومة علاقاته الأهلية. كذلك تختلف لغة خطاب تونس ومصر عن العصبيات الطائفية والمذهبية والمناطقية في لبنان، أو تلك الاستقطابات القبلية والجهوية في اليمن، وذلك الاحتقان اللوني - العرقي في السودان.

عودة الحياة إلى الخطاب السياسي العربي أعطى فسحة لإعادة التفكر بوجود احتمالات للتغيير بعيداً عن التعصب والعصبيات والكراهية. قبل دخول المنطقة العام 2011 كانت التحليلات تربط التغيير بمعادلة الفوضى والانقسام والانفصال والتشرذم والاقتتال والتقوقع الأهلي على حلقات صغيرة وضيقة. العراق مثلاً لم يتغير من الداخل وإنما تقوض من الخارج بفعل انقضاض دولة كبرى على بلاد تتعايش في فضاء دولتها مجموعات أهلية تنتظر اللحظة للخروج من شبكة الأنفاق. واليمن أيضاً أخذ يتحرك تحت وطأة الضغوط الخارجية بالتوازي مع أزمة مركبة من مجموعة عوامل تتداخل عناصرها وتتفرع إلى مشكلات تتفرق على المنطقة والقبيلة. والسودان ليس بعيداً عن النموذجين العراقي واليمني لكونه يتشكل من هيئات وهويات ثقافية تتقاطع في إطارها الذاتي سلسلة تعارضات قبلية وعرقية ولونية ودينية تهدد الخريطة السياسية بانقسامات لامتناهية من الدويلات الصغيرة ومراكز القوى الطرفية.

ساهم هذا المناخ العام وتداعياته الميدانية في العراق واليمن والسودان في إنعاش خطاب الانفصال والتقسيم والتشرذم الأهلي في المنطقة العربية. فهذا الخطاب الطائفي والمذهبي والقبلي والعرقي والعنصري تحول منذ العدوان الأميركي في نهاية العام 2001 على أفغانستان إلى نوع من الثوابت التاريخية الذي لا يمكن مقاومته أو تعديله لكونه من الحقائق النهائية التي لا ترد. فمن يريد التغيير عليه بالعودة إلى طائفته أو مذهبه حتى يأخذ نصيبه من الدعم الأجنبي؟ ومن يريد الحرية عليه المطالبة بالانفصال والتقسيم والانكفاء إلى ناحية جغرافية؟ ومن يتمنى العدالة ما عليه سوى رفع يافطة الأقلية ضد الأكثرية أو تحكم الأقلية بحقوق الأكثرية (العرقية أو الطائفية) حتى يحصل على الانتباه والعطف والتأييد من الغرب ودول القرار؟

مضى نحو عشر سنوات على خطاب الفتنة الأهلية والتجزئة السياسية المتوافق مع نزعة تغذية الكراهية والانفصال والانشقاق. فأهل الجنوب في العراق مثلاً استجابوا نسبياً لدعوات الانقسام والكونفدرالية لكونها هي الحل الذي يضمن حقوقهم. كذلك تعززت دعوة الانفصال في شمال العراق بوصفها الدواء الشافي لكل المشكلات الموروثة أو الناجمة عن الوحدة. المنطق نفسه ساد في اليمن وتحولت دعوة الانفصال إلى حراك جنوبي لا يرى سوى الابتعاد عن الشمال طريقاً للخلاص من المشكلات الاجتماعية والاقتصادية. كذلك مناطق الحوثيين في الشمال اكتشفت أن الانفكاك عن صنعاء يشكل القناة الموصلة للحرية والعدالة والمساواة.

في إطار هذه الفوضى الأهلية في الخطاب السياسي العربي وقَّعت الخرطوم في العام 2005 الاتفاق على السلام وإجراء الاستفتاء في يناير/ كانون الثاني 2011 في جنوب السودان انطلاقاً من نزعة دولية لا ترى في الوحدات القائمة حالياً في المنطقة العربية سوى وعاء للشر يتطلب الكسر والتحطيم والشرذمة حتى يعود الخير للشعوب الرازحة في أوهام من الإيديولوجيا والتاريخ. والاستفتاء في الجنوب في مطلع يناير الذي قرر الانفصال النهائي بغالبية 98 في المئة كان مجرد بداية لتاريخ عربي طويل من التفسخ الأهلي والتشرذم السياسي. فالجنوب السوداني كان يراد منه أن يتحول إلى نموذج يحتذى في اليمن أو العراق. حتى مصر والجزائر ولبنان لم تكن بعيدة عن فضاء التقويض الذي يبعثر الوحدة ويعزل السلطة عن دائرة الفعل ويدفع بالتنوع المتوارث إلى واجهة الحدث وثم التشظي والانقسام. لذلك كان الانتباه في نهاية 2010 يتركز على ثلاث دول عربية مهددة بالانهيار في العام 2011. الخطوة الأولى كانت السودان وبعده الثانية في العراق والثالثة في اليمن... وبعدها تأتي الخطوات المتلاحقة في لبنان والجزائر وغيرهما من البلدان العربية التي تتعايش المجموعات الأهلية على خط الزلازل وفي دائرة التوتر العالي.

مفاجأة 2011 لم تكن متوقعة أو مدرجة في جدول الأعمال المتوافق على نقاطه خطوة خطوة. والأهم من توقيت المفاجأة حصولها في تونس ومصر في سياق مخالف لخطاب التجزئة والتقسيم والتشرذم والانفصال والتفكك الأهلي. فالخطاب السياسي الذي صدر تباعاً من تونس ومصر وإلى حد ما من الجزائر والأردن وصلت أصداء تفاعلاته ومضاعفاته إلى العراق واليمن ولبنان وسورية. فالخطاب طرح خيارات بديلة عن نزعة التقويض وتحطيم الدول وأعاد إنعاش فكرة التغيير من دون ضرورة للعبور في امتحان الانفصال واستفتاء الانقسام أو من دون حاجة للعودة إلى الهويات الصغيرة والحلقات الضيقة والعصبيات المدمرة. ملامح الخطاب البديل بدأت تترك تأثيرها السياسي على اليمن (السلطة والمعارضة) كذلك أخذت تنعكس إيجاباً على العراق (مظاهرات البصرة أصبحت ضد السرقة والفساد).

المفاجأة الكبرى في مطلع العام 2011 تركزت حتى الآن في مسألة سياسية ومهمة وهي إعادة الاعتبار لإمكان التغيير في إطار الوحدة الوطنية وعلى قاعدة المشترك الإنساني لأبناء الوطن. وهذا التطور المدهش والمتسارع في مفاصل الخطاب السياسي يشكل فعلاً نقطة توازن بين مرحلتين: الأولى ابتدأت في العام 2001 وانفجرت في مشهد العراق 2003، والثانية ابتدأت في مطلع 2011 وهي تؤشر إلى ظهور خطاب بديل ونمو ملامح توجُّه مضاد لنزعات التفكك الأهلي والانفصال والتقسيم التي تذرّعت أنها تشكل المجال الوحيد المتوافر لضمان التطور العربي.

البديل الموازي الذي انتشر عربياً في ضوء عواصف تونس ومصر أعطى للجمهور المراقب في مختلف الساحات العربية فرصة للاختيار بين نهجين أو تصورين للمستقبل بين خط التغيير تحت سقف التقويض والتدخل الخارجي وبين خط التغيير في إطار الوحدة انطلاقاً من المراهنة على نمو آليات داخلية تستطيع التحرك بعيداً عن الاختراقات الأجنبية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 3078 - الثلثاء 08 فبراير 2011م الموافق 05 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً