العدد 3081 - الجمعة 11 فبراير 2011م الموافق 08 ربيع الاول 1432هـ

انتفاضة يناير ومخاطر ما بعد مبارك

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

غياب الرئيس حسني مبارك نهائياً عن المشهد السياسي في مصر وضع الانتفاضة الشعبية في خيارات صعبة تتطلب عقلية تسووية في مرحلة انتقالية بالغة الدقة. فالفترة الفاصلة بين استقالة الرئيس وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد التي تقتضي الإشراف على التعديلات الدستورية وترتيب انتخابات رئاسية ومحاسبة الفاسدين وتسليم السلطة الى الرئيس المنتخب في سبتمبر/ أيلول المقبل تحتاج الى حذر وانتباه.

التفويض يعني نقل الصلاحيات مؤقتا في إطار وصاية الجيش. وهذا الأمر قد يؤسس اشكالات دستورية تؤدي لاحقاً الى نوع من ازدواجية السلطة بين وظائف المرحلة الانتقالية ودور مؤسسة الجيش مستقبلاً. وفي حال تطورت ازدواجية الصلاحيات بين سلطة تنفيذية دائمة وسلطة رقابية منوط لها العمل على رعاية المرحلة الانتقالية والاشراف على تنفيذ توصيات من بينها إلغاء قانون الطوارئ تصبح الدولة معرضة للانقسام السياسي الهرمي بين وظائف المؤسسات.

المرحلة الانتقالية دخلت منذ استقالة مبارك منطقة خطرة قد تشهد تداعيات في حال فشلت المفاوضات الجارية مع لجنة الحكماء التي تمثل تيارات الانتفاضة وأطيافها. وخطورة المسألة تكمن في ان قوى الاعتراض تعاني بدورها من مشكلة فوضى البدائل وعدم قدرة أطرافها على تحديد خطة عمل مبرمجة. واختلاف قوى الاعتراض على البديل في المرحلة الانتقالية وحقبة «ما بعد مبارك» قد يعطي ذريعة للقوات المسلحة برفع درجة تدخلها في المسار السياسي العام.

حتى الآن لاتزال المؤسسة العسكرية في الوسط. فهي من جانب تقوم بواجبها الرسمي في حراسة الدولة، وهي أيضاً تؤكد في جانب آخر احترامها لطلبات الشعب بوصفها تلعب دور القوة الضامنة لمسار التحول السياسي السلمي من حقبة مبارك إلى ما بعده.

موقف عدم الانحياز الايجابي الذي مارسته قيادة الجيش حافظ خلال فترة الأسبوعين الماضيين على استقرار مؤسسات الدولة تحت سقف الدستور ومنع الانتفاضة من الانجراف إلى الفوضى، الأمر الذي ساعد على ضبط التوازن وعدم الانزلاق نحو التصادم العنيف. وساهم دور المؤسسات العسكرية في الضغط المعنوي على الرئاسة ومنعها من الانجرار نحو خط التصدي وجعلها أكثر تقبلاً لمبدأ التراجع ومن ثم التنازل خطوة خطوة وصولاً إلى التخلي عن المنصب.

غياب الرئيس مبارك نهائياً عن المشهد وضع المؤسسة العسكرية والانتفاضة امام مسئوليات خطيرة في المرحلة الفاصلة بين تفويض الصلاحيات وضمان الاشراف على الاصلاحات ونقل السلطة سلمياً الى رئيس منتخب. فالغياب يعني ان المواجهة أصبحت مباشرة ولم تعد مداورة كما كان امرها خلال الفترة التي ابتدأت في 25 يناير وانتهت في 11 فبراير. والشارع الذي اتخذ من الجيش مظلة للحماية وضمانة للاستقرار والضغط على الرئيس بات الآن في حال من الانكشاف إذا لم تتوصل قواه الحزبية واطيافه الشبابية الى ترتيب خطة عمل تبرمج المطالب في سياق البدء بالخروج من الميادين وترك الأمور بعهدة هيئات تتابع تنفيذ الوعود التي اقرها الرئيس قبل استقالته وفوض المجلس الأعلى بملاحقتها.

احتمال انتقال الجيش من موقع الوسط (الحياد الايجابي) الى موقف أكثر تشدداً من الانتفاضة مسألة واردة مع ما تتضمنه من مضاعفات ومخاطر تهدد البلاد بالانقسام السياسي. وهذا الاحتمال لا يمكن استبعاده نهائياً في حال استمرت التظاهرات المليونية وتعرضت الحياة العامة للاضرار سواء على مستوى قطاعات الدولة أو على مستوى الأنشطة الاقتصادية الخاصة.

الصورة بعد صلاة الجمعة (أمس) دخلت منذ اليوم في الوان جديدة ومغايرة وهي قد تؤثر في المشهد السياسي ويمكن ان تؤدي إلى تبدل نسبي في موقف المؤسسة العسكرية وتعاملها السلمي والهادئ مع الانتفاضة. وهذا الأمر لا يمكن إسقاطه من الاحتمالات المفترضة لأن طبيعة المواجهة أخذت بالتغير بعد غياب الرئيس عن المشهد ورميه كرة التغيير في ملعب المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

لجوء الرئيس إلى الاستقالة وتحميل الجيش مسئولية الاشراف على ترتيب خطوات المرحلة الانتقالية وضع المؤسسة العسكرية في موقع التفاوض مع قوى الانتفاضة التي تعاني من فوضى البدائل وعدم وجود هيئة مركزية تمتلك صلاحيات التحدث باسم كل الأحزاب والأطياف.

فوضى البدائل مشكلة سياسية تواجهها قوى الاعتراض، وهي على رغم عفويتها وطبيعيتها بسبب ظروف الانتفاضة ودوا فعها وعواملها الانفعالية والقهرية قد تتحول إلى أزمة ثقة تعطل إمكانات التفاوض مع سلطة تعاني بدورها من ازدواجية.

احتمال انفراط الثقة وتفاقم الأزمة اخطر ما يواجه المرحلة الانتقالية لأن المجلس الأعلى للقوات المسلحة بات يمتلك صلاحيات تتجاوز التفاهمات التي توصل إليها نائب الرئيس المفوض وتتخطى الحدود المرسومة التي وضع الرئيس المستقيل خطوطها العريضة في خطاباته الوداعية الثلاثة.

قرار التصعيد أو التهدئة أصبح الآن في عهدة ميدان التحرير وشوارع القاهرة والمدن المصرية لكون المسئولية انتقلت كلياً على مستوى رأس السلطة وبات على المؤسسة العسكرية متابعة ما توصلت اليه الأطراف المتفاوضة من تفاهمات وضمانات. وهذه الحقبة تتطلب الكثير من الحذر والانتباه وتحتاج فعلاً إلى عقلية تسووية قادرة على درس الخطوات ومراجعة كل القراءات للمرحلة السابقة بوصفها أصبحت من الماضي.

حقبة مبارك انتهت فعلياً بعد الاستقالة، وترحيله عن شرم الشيخ مسألة وقت. وهذا بالضبط ما يجب أن تدركه قوى الاعتراض وتبدأ بالتعامل معه كأمر واقع. ولكن إذا استمرت رؤوس الانتفاضة التعاطي مع التطورات في إطار تكرار شعار إسقاط النظام يصبح احتمال التأزم الطرف الأقوى في معادلة القوة وتنفتح الترجيحات على مضاعفات وتداعيات غير محمودة.

المرحلة الانتقالية دخلت منذ اليوم منطقة خطرة لا تستبعد حصول مواجهات وتصادمات كما حصل أمس وأمس الأول في السويس وبورسعيد والإسكندرية والعريش ومدينة الخارجة في محافظة الوادي الجديد. فالجيش الذي أعلن في البيان رقم 2، وقبل توليه السلطة، حرصه على حماية الممتلكات وضمان الاستقرار وعودة الحياة إلى طبيعتها داعياً الناس إلى التجاوب مع سلمية الفترة الفاصلة بين التسلم والتسليم كلها اشارات تدل على احتمال انتقال المجلس الأعلى للقوات المسلحة من موقف الحياد الايجابي إلى موقع التدخل السياسي. الجيش اليوم أصبح في الواجهة ولم يعد خلف الستار ويقوم بدور الوسيط كما كان دوره أمس، فهو أمام خيارات صعبة: المواجهة مع الشارع، أو الانقلاب على الدستور ومصادرة السلطة، أو قيامه بالمهمة الموكولة وتسليم السلطة لقوة منتخبة.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 3081 - الجمعة 11 فبراير 2011م الموافق 08 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • مواطن مستضعف | 2:43 ص

      اختصر قليلاً يا أستاذ وليد أرجوك .. كي يتسنّى لنا ادراك فحوى المقال بدقة و فهم!!

      نحن أبناء اليوم .. و ما حدث في الماضي بدءاً من عام 52, و حتى سقوط مبارك, لن يتكرر لأسباب عدة.

    • زائر 2 | 2:21 ص

      غصن زيتون السلام

      ليش عاد هكذا تشاؤم ولا كلمة ايها الكاتب العزيز في تحليلك نوع من التفاؤل هذا الشعب الذي اطاح بفرعون بلاده ممكن ان يسوي العجائب بعد هذه الفترة فما فعله الجيش اثناء فترة الثورة عين الصواب ونحن متفائلين به في الفترة القادمة ومصر ولادة بمن سيقوم هذه الفترة الى الامام وكفاية تشاؤم ، صحيح قد لانفهم في السياسة ولكن نعرف ان الكاتب يضع عدة توقعات وليس توقع يحبط كل تطلعتنا وآمالنا

اقرأ ايضاً