العدد 3116 - الجمعة 18 مارس 2011م الموافق 13 ربيع الثاني 1432هـ

الأزمة البحرينية في إطارها الإقليمي

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

أدى دخول قوات الخليج العربية البحرين، بناءً على طلب الحكومة، إلى تطور آليات الأزمة وانتقالها من نطاقها المحلي إلى إطار إقليمي مرشح إلى الاتساع. فالأيام الخمسة الماضية كانت متسارعة في الفعل وردود الفعل على مختلف المستويات. محلياً أقدمت قوات الأمن على إخلاء مواقع الاحتجاج من المعتصمين. وإقليمياً أعلنت دول مجلس التعاون دعمها للاستقرار في البحرين ورفضها للفوضى التي عمت بعض مناطقها. ودولياً ظهرت مجموعة تعليقات رسمية أعربت عن مخاوفها من انزلاق الأزمة وخروجها على المسار السلمي.

حتى الآن تبدو نهايات الأزمة غامضة. وعدم وضوح المشهد يرجع إلى قراءات غير متوافقة في تفسير الأسباب التي أدت إلى اتخاذ قرار الطلب من دول الجوار العربية إرسال قوات لتعزيز الأمن والدفاع عن البحرين.

تعدد القراءات مفيد لتوضيح الكثير من الملابسات. أميركا تنفي رسمياً علمها المسبق بهذه الخطوة. الدول الأوروبية لم تمانع وأكدت حق البحرين في طلب العون من جيرانها وأن الخطوة لا تتعارض مع القانون الدولي. دول الخليج العربية أشارت إلى اتفاق الدفاع المشترك الذي اتخذ في قمة دول مجلس التعاون العام 2000 وتم توقيعه رسمياً في العام 2001. فالاتفاق قرر تشكيل قوات خليجية مشتركة تعطي صلاحية إقليمية عربية للتدخل العسكري في حال تعرضت دولة من مجلس التعاون للخطر أو التهديد أو زعزعة الاستقرار.

القرار من الناحية القانونية ليس مخالفاً للأعراف الدولية، لكنه أنتج من الناحية السياسية ردود فعل تتخوف من مضاعفات الخطوة إقليمياً واحتمال تدحرج الأزمة وتطورها صعوداً إلى التدويل. واشنطن أظهرت بعض القلق متخوفة من احتمال استثمار إيران للمسألة وتدخلها سياسياً بذريعة الدفاع عن فئة من المواطنين. وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه أكد تعقيباً على الموضوع عدم وجود تفويض دولي للقوات الخليجية واصفاً الوضع بأنه «دقيق إلى حد ما».

الوضع «دقيق إلى حد ما» يفتح القراءة على احتمالات تتأرجح بين استقرار أمن البحرين ودخولها في اتفاق إطار بين قوى الاعتراض والسلطة لإعادة هيكلة مؤسسات الدولة، أو أن تتدخل إيران إقليمياً لتوسيع نطاق نفوذها في الخليج العربي، أو انزلاق الأزمة وتدهورها ما يدفع الولايات المتحدة إلى الدخول على خط الزلزال للدفاع عن الأصدقاء والمصالح والقواعد.

القراءات مفتوحة على احتمالات غير متطابقة في أسبابها ونتائجها. وهذا النوع من الغموض في النهايات يشجع على طرح أسئلة. هل فعلاً أن دول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اندهشت من الخطوة وهي لم تكن على علم بها وتعتبر القرار ليس موفقاً وقد يورط واشنطن وأوروبا والدول المعنية في معركة غير مستعدة لخوضها في هذا المكان وهذا التوقيت أم أن مختلف الأطراف الدولية كانت تتوقع الخطوة؟ كذلك هل فعلاً أن دول مجلس التعاون قررت إرسال قواتها لتعزيز أمن البحرين من دون مشاورة دول الغرب؟

المسألة غير واضحة لأن الفارق بين التنسيق وعدم التنسيق، التعاون وعدم التعاون، الموافقة وعدم الموافقة ليس بسيطاً لتوقع النتائج المرتقبة وما ترتبه من ارتدادات محلية وإقليمية وربما دولية. فالتنسيق والتعاون والموافقة يعني أن مسار تطور الأزمة البحرينية محكوم بالسقف الإقليمي والضمانات الدولية (الرعاية والحماية والغطاء). وعدم التنسيق والتعاون والموافقة يعني أن المسار البحريني المحلي بات عرضة لاهتزازات إقليمية مفتوحة على التدويل.

في أي اتجاه يمكن وضع الخطوة. ردود الفعل الدولية المعلنة رسمياً تبدو أقرب إلى الامتعاض أو القلق أو التخوف أو التردد أو عدم الترحيب أو عدم العلم والخبر أو عدم إظهار التشجيع خوفاً من التورط في حسابات غير مدروسة.

إذا كانت ردود الفعل الدولية المعلنة رسمياً صحيحة فمعنى ذلك أن الخطوة عرضة للضغط ويمكن أن تؤدي إلى تراجع دول مجلس التعاون عن القرار والبدء في ترتيب الانسحاب بهدوء حتى لا تعود الفوضى مجدداً. وإذا كانت الردود المعلنة غير دقيقة وهي جاءت في سياق إعلامي للتغطية فمعنى ذلك أن القوات الخليجية العربية ستبقى حتى تنتهي المهمة بأسرع وقت وفي إطار اتفاق تصالحي يضمن الحوار ويدخل البلاد في مسار الإصلاح والتوافق الوطني.

القراءات إذاً غير متطابقة وهي تحتمل تفسيرات متخالفة. لكن المسألة التي لا تحتاج إلى تأكيد هي أن الخطوة تمثل رسالة خليجية عربية سياسية لإيران تحذر طهران من التدخل باعتبار البحرين ليست وحدها في الإقليم وهي تقع ضمن منظومة علاقات تشكل في مجموعها ذلك الغطاء الذي يجمع أمن دول المنطقة في إطار واحد ومصير مشترك. المسألة تعتمد في النهاية على وجهة قراءة إيران للخطوة وكيف ستتصرف بشأنها. إذا فهمت طهران الخطوة وتفهمت مضاعفاتها وتداعياتها وتقبلت نتائجها يكون المسار الإقليمي اتجه نحو الاستقرار تحت مظلة دولية. إذا رفضت إيران الخطوة وتعاملت معها بسلبية وقررت خوض مغامرة غير محسوبة يكون المسار الإقليمي دخل في منعطف خطير قد يزعزع الاستقرار ويدفع الأزمة باتجاه التدويل.

هناك سيناريوهات مفتوحة وهي مرتبطة في جوهرها بمدى تعامل الحكومة الإيرانية مع القرار الخليجي. إذا رأت في طلب البحرين المساعدة خطوة قانونية وهي تقع في إطار السيادة المشروعة دولياً تكون طهران تجنبت التورط في أزمة متدحرجة. أما إذا تعاطت مع القرار من موقع الطرف المعني مباشرة بمضاعفاته وأن نتائجه تمس مصالحها وهيبتها تكون في صدد إعداد خطة للرد.

كيف سيكون الرد الإيراني؟ حتى الآن تبدو التعليقات الرسمية التي صدرت عن مراكز القرار في طهران أقرب إلى السلبية وهي في مجموعها أعربت عن قلقها وتخوفها وتنديدها بالخطوة ملمحة إلى عدم القبول بالنتائج. وتمظهرت هذه المواقف السياسية السلبية المتبادلة بسحب السفراء من العاصمتين وتراجع العلاقات الدبلوماسية، لكنها لم تتطور إلى حد التهديد بالتدخل العسكري المكشوف. اكتفاء إيران الرسمية بالتلميح والتحذير من التداعيات يعني أن قيادة طهران لم تتخذ قرار الرد وهي لاتزال بصدد المراجعة وإعادة القراءة قبل التورط في خطوة ناقصة قد تستدرجها إلى حال من الاشتباك الإقليمي المفتوح على نطاق واسع من التدويل.

أميركا قد تكون غير جاهزة لخوض معركة غير واردة الآن في استراتيجية إدارة باراك أوباما. لكن هل إيران فعلاً مستعدة للتدخل وبالتالي هي جاهزة لتحمل كل العواقب التي قد تكون غير ظاهرة على الشاشة الدولية في المشهد الإقليمي؟ سيناريو الجواب يعتمد على القرار الذي ستتخذه طهران في ضوء العاصفة الإقليمية. إذا فكرت قيادة طهران وراجعت الاحتمالات وقرأت المسألة من مختلف الزوايا وتأقلمت مع النتائج بعد هدوء العاصفة الإقليمية يرجح أن تستقر الأزمة البحرينية لتذهب باتجاه التفكيك وإعادة الهيكلة محلياً. أما إذا انفعلت القيادة الإيرانية وسارعت في حسم خيارها باتجاه سلبي ونحو التصعيد تصبح الأزمة في البحرين مفتوحة ومرجحة للانتقال من الإطار الإقليمي إلى الفضاء الدولي

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 3116 - الجمعة 18 مارس 2011م الموافق 13 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 2:53 م

      معادلة المصالح

      بعيد عن كل ما اشرت اليه ينبغي قراءة الواقع من زاوية اخرى اولا لايمكن التصديق انا امريكا ليس على دراية بالامر بل ان ما جرى يدخل ضمن معادلة ان تسكت امريكا على التدخل الخليجي في البحرين وفي مقابل ذلك ان تبارك دول المنطقة سياسة امريكا للسيطرة على خيرات الشعب الليبي وهناك احتمال اخر يمكن ان تكون امريكا قد نصبت فخا لدول المنطقة كما فعلت لصدام وتنفيذ مخطط له ابعاد اخرى قد يكون اكثر خطرا من ماهو متوقع وفي محصلة الامر نحن اول الخاسرين واسفي لم تتمكن العقول الحكيمة من الطرفين منع حدوث ما حدث والله المعين

    • زائر 14 | 2:04 م

      شسالفة

      امريكا تتمنى دخول ايران على الخط
      امريكا والعالم يبحثون عن ايران بالسماء
      ويحصلون عليها بالارض
      التدخل الايرانى يعنى نهاية ايران من كل النواحى
      الدليل امريكا ترفض التدخل باليبيا
      تنظر التحرك الايرانى وامريكا والغرب جاهزون من عشر سنوات
      ولاكن ينتظرون اللحظة الحاسمة والسبب المقنع

    • زائر 6 | 3:24 ص

      حتى تنتهي المهمة بأسرع وقت وفي إطار اتفاق تصالحي يضمن الحوار ويدخل البلاد في مسار الإصلاح والتوافق الوطني.

      اي اصلاح و اي توافق وطني؟؟,اخي العزيز فانتشار ما يسمون برجال الامن يجوبون المدن والقرى ويقنصون كل ما هو متحرك.

    • زائر 4 | 2:44 ص

      آسف اخي العزيز الاستاذ وليد لم اكن اقرأ لك سابقاً

      الاستاذ الفاضل وليد انويهض تحية كبيرة لاحسن تحليل قرأته عن الوضع البحريني والخليجي والدولي بشكل عام تحليل يستحق الوقوف عنده وقراءته يومياً لاخذ العبرة وللإهتداء به كى طريق واضح وعلى كل الاطراف قراءة الوضع كما هو والسير في الطريق. إن الاعلام الحر والواضح يضع المواطن في الطريق الصحيح لقراءة الواقع.والتصرف مع بجدية و موضوعية.
      نشكر للكاتب حسن أدئه ومتابعته الموضوعية للاحداث دون اي تحيز.

    • زائر 1 | 12:05 ص

      لن تستطيع

      لا تقلق يا استاذ وليد فهي لن تستطيع ولا يمكنها الا اذا كانت قررت الانتحار والتضحية ببلادها..

اقرأ ايضاً