العدد 3131 - الأحد 03 أبريل 2011م الموافق 29 ربيع الثاني 1432هـ

عندما تكفر بالإعلام التقليدي

ندى الوادي nada.alwadi [at] alwasatnews.com

.

ما الذي يحصل عندما يتوقف الإعلام التقليدي عن أداء مهمته الرئيسية التي وجد من أجلها وهي خدمة الحقيقة ونقلها للجمهور بحيادية وموضوعية؟ وكيف يمكن للناس في عصر الثورة المعلوماتية وشبكات التواصل الاجتماعي التي قربت البعيد وجعلت من المعلومات سيلاً جارفاً بالصوت والصورة أن يقبلوا بالقليل الذي تقدمه وسائل الإعلام التقليدية وخصوصاً إن كانت تمتلك أجندة غير موضوعية يمكن للمتلقين أن يكتشفوها ببساطة؟

لقد سجلت بلداننا العربية قصب السبق مؤخراً في استخدام الوسائل غير التقليدية وخصوصاً الإعلام الحديث في نقل وتناقل الأخبار والمعلومات والصور، والسبب الرئيسي طبعاً كان الإنجاز الرائع الذي حققته وسائل الإعلام العربية التقليدية التي أثبتت بجدارة منقطعة النظير الحاجة الماسّة للجمهور العربي لكي يلجأ لصحافة المواطنة في ظل عجزها عن الاحتفاظ بالموضوعية والمهنية في نقل حقيقة ما يجري في أقطار متعددة من أرضه.

«صحافة المواطنة» Citizen journalism هو مصطلح جديد جداً في علم الصحافة والتواصل يحاول أن يجيب على التساؤل السابق، وهو مصطلح لاتزال وسائل الإعلام العريقة حول العالم تحاول استكشافه وسبر أغواره. ولاشك في أن ما حصل ويحصل في بلدان متعددة حول الوطن العربي من ثورات وتحركات سياسية اعتمدت بشكل رئيسي في نشر أخبارها وجمع معلومات حولها وتوثيقها سيعدّ رافداً رئيسياً ويعطي معنى أكثر عمقاً وحياة لهذا المصطلح الجديد في علم الاتصال. فالصحافيون المواطنون هم أشخاص عاديون جداً، هم أنا وأنت، يمتلكون حسّاً وطنياً وكاميرة، ورغبة في نقل الحقيقة التي هي كالشمس لا يمكن حجبها.

في زيارة أخيرة إلى إسبانيا لحضور ورشة عمل حول صحافة المواطنة التقيت بألبرت. صحافي محترف تحول إلى صحافة المواطنة. وآل كما يحب أن نسميه رجل أميركي غريب الأطوار جداً، عمل صحافياً محترفاً لسنوات طويلة في عدد من أعرق المؤسسات الصحافية الأميركية وأكثرها احترافية، لكنه وصل بعد سنوات إلى طريق مسدود فكفر بالمهنة ومن اخترعها. قال لي آل «لم أعد أشعر بأننا نخدم الحقيقة مثلما كنا نتوقع، لقد صرنا مجرد أدوات في يد مؤسسات صحافية وإعلامية تمتلك أجندات ومصالح تحركها جهات أكبر منها ومنا، وتخضع لقيودها واشتراطاتها، لم يعد همنا هو الناس وما يعانونه وما يريدونه، لقد انتفى الدور الذي وجدت الصحافة في الأساس من أجله، لكن ذلك لا يجب أن يوقفنا».

تحول آل إلى صعلوك صحافي، فهاجر إلى المكسيك حيث حروب المخدرات والصراعات الإثنية والتمييز العرقي، لكنه وجد في المكسيك معنى جديداً لم يجده في أميركا البلد الأغنى في العالم والذي قضى فيه معظم سنوات حياته متنقلاً من مؤسسة إعلامية عريقة إلى أخرى. لقد شعر للمرة الأولى بأنه طرف في الأحداث، طرف مؤثر وفاعل ويحمل دوراً وضميراً، وليس أداة في ماكينة إعلامية مبرمجة، اختلط بالمطحونين، نزل إليهم واستمع لأحاديثهم، عانى مما يعانونه، ولمس احتياجاتهم. لذلك صار يدرك تماماً قيمة ما يكتب وتأثيره على الأرض. لا على المصالح السياسية، أو التجارية، أو الصراعات الطبقية أو الإثنية أو الطائفية. ولا على ما يريده ملاك المؤسسة الإعلامية أو المعلنين أو الحزب السياسي الفلاني أو السلطة العلانية. لم تعد الصحافة التقليدية بمؤسساتها الإعلامية العريقة وقوانينها تؤدي الغرض في رأيه، بل إنه صار يحتقرها ويفترض بأن أي موقف تتخذه بالضرورة هو عكس الواقع.

للإعلام التقليدي حسابات أخرى لا تلتقي بالضرورة مع الناس ومصالحهم ونقل الحقيقة إليهم، هذا ما يقوله آل الذي نقول له «عندنا وعندكم خير». وهي قضية لا تقتصر على منطقة بعينها فكل إعلام العالم يعاني من المشكلة نفسها. وأينما زادت القيود الإعلامية والسياسية فستنطلق لصحافة المواطنة أذرع جديدة لا يمكن السيطرة عليها

إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"

العدد 3131 - الأحد 03 أبريل 2011م الموافق 29 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 8:53 ص

      عساف خليجي

      الاعلام الحر يخدم الناس ويتفاعلون معاه ويصبح مثل الغذاء اليومي الذي يتناولونه والهواء المتنفس في حياتهم وكلاهما يحيا ويعيش من أجل الأخر . والاعلام المقيد التابع للحكومة ويتكلم بلسانها ويخدمها مرأة تزيين له وطبعا هذه تفقد ه المصداقية وتنبعث منهارائحةكريهة تجعل المواطن يبتعد عنها لانها لا تعنية ولا تتكلم عن همومه
      فتركها واحتقارها واجب على كل حر.

    • زائر 19 | 7:59 ص

      الإعلام مسؤلية كبرى لمن يعي

      الإعلام هو من يحرك النفوس ويملأ القلوب إما خيرا أو شرا. ولا يقف حساب الإعلامي في هذه الدنيا
      البسيطة إنما يتعداه ليوم القيامة والذي سوف تنشر الصحف ليرى كل منا نتجة قوله فهناك تكشف لنا السرائر ونرى حصاد ألسنتنا،
      ذلك يوم الحسرة الذي لا ينفع فيه ندم النادم
      (وأسرّوا الندامة) لذلك قال الرسول ص من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت
      فالصمت أفضل من النطق بغير الحقّ
      وهوى النفوس يودي بها إلى الهلاك

    • زائر 14 | 4:58 ص

      ممتاز

      مقالك جرئ يستحق الثناء والله واشتعلت الاقلام

    • زائر 10 | 2:12 ص

      أجمل من الحروف الجريئة

      فعلا هو أرقى من كل ذلك وماقالة الصحفي الأمريكي هو بالفعل ما يحصل الآن في عصر الثورات
      قال لي آل «لم أعد أشعر بأننا نخدم الحقيقة مثلما كنا نتوقع، لقد صرنا مجرد أدوات في يد مؤسسات صحافية وإعلامية تمتلك أجندات ومصالح تحركها جهات أكبر منها ومنا، وتخضع لقيودها واشتراطاتها، لم يعد همنا هو الناس وما يعانونه وما يريدونه، لقد انتفى الدور الذي وجدت الصحافة في الأساس من أجله، لكن ذلك لا يجب أن يوقفنا».

    • زائر 9 | 1:59 ص

      فن الإعلام يرقى باختيار الإعلاميين الأكفاء أصحاب القبول

      أهم ما في الإعلامي أن يكون شخصا مقبولا لدى الغالبية ليس لطرف دون آخر حتى يصل ما يطرحه
      إلى الغالبية ويكون جذير من ناحية الكفاءة.
      لأنه إذا كان مقبولا لدى طائفة دون أخرى فإن صوته لن يصل إلا لمن يهواه والأمر الآخر مسألة الكفاءة
      فنحن نرى العالم في تطور سريع مضطرد فإذا لم يكن الإعلامي كفوء ولا يسطيع مواكبة التطور فيبقى يتكلم في عالم والناس قد سبقته إلى عالم آخر. يصبح طرحه باهت لا طائل منه

    • زائر 8 | 1:23 ص

      الحقيقة

      أنها الحقيقة المرة؟

    • زائر 6 | 12:55 ص

      الفهم بطئ

      وين الي يفهم؟

    • زائر 5 | 12:27 ص

      في الصميم

      مقال رائع جداً :)

    • زائر 3 | 11:46 م

      لا صحافة بعدك يا جمرينا

      وين يا ندوي تحصلين صحافة محايدة وموضوعيه بعد الوسط
      خلاص على الصحافة السلام

    • زائر 2 | 8:56 م

      شكرا

      اتمنى ان توصل الرساله

اقرأ ايضاً