العدد 3151 - السبت 23 أبريل 2011م الموافق 20 جمادى الأولى 1432هـ

التجارب الإصلاحية... بين الجغرافيا السياسية والتطلعات الشعبية

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

ثمة درس مهم لا يمكن إغفاله أو تجاهله في أي محطة إصلاحية: لابد من قراءة الجغرافيا السياسية جيداً، لأن الظروف الموضوعية المرتبطة بفهم عميق للزمان والمكان من شأنها أن تلعب دوراً حاسماً في تسيير دفة التحولات وتحدد وجهتها إلى أي منعطف بناء على ميزان القوى والحسابات الدقيقة لكل العوامل المرتبطة به.

والبحرين ليست جزيرة معزولة، وإنما بقعة صغيرة تتوسط السعودية وإيران أكبر قوتين في المنطقة، ولكل منهما مصالحه وسياسته وتحالفاته الإقليمية والدولية، ويجب ألا ننسى أن الرياض وطهران هما الشريان الرئيسي لأمن الطاقة في العالم!

وليس خافياً بأن البحرين حليف استراتيجي للولايات المتحدة الأميركية وتحتضن على أرضها الأسطول الأميركي الخامس في الخليج، وتربطها علاقات وثيقة بالعالم الغربي، ولن تسمح القوى الكبرى في العالم بتعريض منابع النفط التي تمد اقتصاديات العالم كله انطلاقاً من السواحل الشرقية للخليج لأي خطر. وأمن الخليج يشكل إحدى الأولويات الرئيسية التي يسهر المجتمع الدولي على تأمينها. وفي مقدمة دوافع الهواجس الدولية في هذه المنطقة بالغة الحيوية ضرورة الاطمئنان إلى تأمين إمدادات الطاقة من المنطقة التي ترسو أيضاً على مخزون الاحتياطي العالمي .

لذا فإنه من الأهمية بمكان التفكير بألا تتحول البحرين إلى ساحة جديدة أو ورقة أخرى في لعبة تصفية الحسابات الإقليمية والدولية من خلال استغلال التركيبة المذهبية والعرقية، وليس بوسع وطننا أن يتكبد الكلفة الباهظة لصراع الإرادات الذي عانت وتعاني الكثير من الدول في المنطقة منه، حين وقعت ضحية لاستعراض كل القوى الكبرى عضلاتها المفتولة على أراضيها.

لقد قاد التدخلات الدولية أفغانستان إلى الدمار الشامل بل إلى الجحيم بعد أن أصبحت كابول ورقة في صراع الشرق والغرب من جهة وورقة أخرى في مباراة ليّ الذراع، وتحول هذا البلد الذي كان مزدهراً يوماً ما إلى الاقتتال الداخلي وأضحى أكبر قاعدة عسكرية وسياسية لنهب الثروات ولتصدير الإرهاب والتشدد والأفيون.

أما لبنان، فلم ينعم اللبنانيون بطعم وطن مستقر حتى الآن، وكيف يكون الوطن مستقراً إذا كان عرضة مكشوفة للتدخلات الخارجية التي تقلبه رياح عاتية ذات اليمن وذات الشمال، ويدار لبنان قبل اتفاق الطائف وبعده بمنطق الوصاية من القوى المتصارعة في الحلبة، وفرض المحاصصات التي تشل أي قدرة على التغيير. وكان الثمن هو النسيج الاجتماعي والاستقرار الداخلي والاحتقان السياسي وتردي الوضع الاقتصادي وغياب التنمية الحقيقية.

وأما في العراق فلا يختلف الوضع كثيراً. فقد قدم العراقيون طوال السنوات التي أعقبت الغزو الأميركي دروساً مجانية للمنطقة بأسرها، ولكنها للأسف دروس سوداوية للغاية. فقد فقد مليون عراقي أرواحهم وانتشر العنف الطائفي والإرهاب المستورد الذي تموله أجهزة المخابرات، والحكومة التي أعقبت الانتخابات المثيرة للجدل لم تتشكل إلا بعد سبعة أشهر من ولايتها، وبنيت على منطق المحاصصة والكوتا الطائفية، ومن الطبيعي أن تشجع هذه التركيبة على تضاعف رقعة الفساد السياسي والاقتصادي.

لذلك كله لا نريد أن نكون أفغانستان أخرى أو نسخة لبنانية أو عراقاً آخر. وإنما المطلوب أن نقدم نحن البحرينيون تجربة إصلاحية بناء على ما تحقق خلال السنوات العشر الماضية، نريد إصلاحاً ينسجم مع جغرافيتنا السياسية وهويتنا الاجتماعية وتطلعنا المشترك إلى غدٍ مزدهر. ويجب تفهم الدوافع الحقيقية لمطالب الناس هنا بالإصلاح الذي يلبي الحد الأدنى من سقف التطلعات الشعبية، والمفتاح الذهبي لإصلاح التجربة هو إعادة إنتاج الثقة وتحقيق العدالة الاجتماعية ونبذ التفرقة والتمييز وتعزيز تكافؤ الفرص والحقوق التي يجب أن تكون متاحة لجميع البحرينيين على حد سواء.

إن الوقت قد حان لأن نستبدل الطائفية والمذهبية والعرقية والمناطقية بالمواطنة التي تحقق الأمن والاستقرار والتنمية للجميع، ونسعى إلى التوزيع العادل لمواردنا الوطنية، وحماية الحريات الشخصية والعامة، وكبح جماح الفساد المالي والإداري عبر تعزيز الشفافية وإصلاح البرلمان ليكون قادراً على المحاسبة الفعالة لكل الأجهزة واستصدار تشريعات ترسخ قيم العدالة وتحمي العيش المشترك، وإصلاح المؤسسة البرلمانية بوابته دوائر انتخابية لا تنطلق من هواجس خاصة أو إقصائية.

وثمة تحدٍّ كبير آخر يواجه كل الدول التي تمر بمخاضات ديمقراطية، ونحن لسنا استثناء منها، وهذا التحدي يكمن في إحداث التوازن الصعب بين الأمن والتنمية، فالاستقرار والإصلاح يسيران جنباً إلى جنب في منحى متوازٍ وخصوصاً عند الحديث عن منطقة لها خصوصيتها من حيث النظم السياسية والاجتماعية، ولا يمكن تجاهل هذه الحقيقة إطلاقاً، وبالتالي فإن هذه المعادلة الصعبة تتطلب تقديم كل الأطراف قدراً من التنازل لبعضها البعض من أجل اجتياز هذا المنعطف التاريخي الذي نعيشه والذي تسبب في جروح عميقة وفجوة شاسعة في المنظومة الاجتماعية لا يمكن ردمها إلا بتوافق وطني غير مسبوق.

ونحن قبل عشرة أعوامٍ من الآن برهنا جميعاً للعالم كله أننا قادرون على تخطي الصعاب واجتياز الماضي والخروج من عنق الزجاجة والعبور إلى المستقبل، ذلك العرس الديمقراطي الذي دخل إلى كل بيت وكل مدينة وكل قرية يمكن أن يعود، ودعونا نمنح الثقة في المستقبل لكل أبنائنا دون تفرقة، ونزرع الأمل مجدداً في عيون البسطاء ونسمح لهم أن يعيشوا قادم أحلامهم من نافذة العيش المشترك

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 3151 - السبت 23 أبريل 2011م الموافق 20 جمادى الأولى 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً