العدد 3152 - الأحد 24 أبريل 2011م الموافق 21 جمادى الأولى 1432هـ

هل نشهد ولادة عقلانية المعارضة البحرينية ونضجها السياسي؟

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أعدتُ قراءة البيان الذي أصدرته جمعية الوفاق الوطني الإسلامية ليلة البارحة، أكثر من مرة، قبل أن أتخذ قرار تناوله على هذه الصفحة. ما شجّعني على ذلك كانت محادثتي مع صديق أكنُّ لآرائه السياسية الكثير من الاحترام، وأثق في قدرته على رؤية الأمور من زواياها الشمولية، دون الوقوع فريسة الاندفاع وراء هدف آني هنا، أو اللهث وراء مطلب ضيّق الأفق هناك. نصحني ذلك الصديق - «السوشي المذهب» - وكان مُحقّاً في ذلك، أن أتحرى في معالجتي للبيان الابتعاد عن الخوض في تفاصيله السياسية الخاصة، المتمحورة حول «الوفاق»، دون إجحاف «الوفاق» حقها الذي تستحقه، وأن أتوخى، عوضاً عن ذلك، التناول العام الذي يلقي الضوء على الموقف العقلاني السياسي «الوفاقي» الناضج الذي تكرر في أكثر من مقطع في البيان، مبيناً المحطات الرئيسة فيه، والمعبرة عن التحول الإيجابي في الموقف «الوفاقي»، الذي افتقدناه، وللأسف الشديد، خلال الأحداث الأخيرة.

أول محطة مهمة تعكس عقلانية مادة البيان اعتبار «الوفاق» شهيداً كل من قضى نحبه في الأحداث من «المواطنين أو الأجانب ومن المواطنين المحتجين أو من رجال الشرطة، وأن كل هذه الدماء كفيلة بأن يتنادى الشعب وحكومته لإيقاف كل سبل العنف والالتفاف تحت راية ترفع شعار الحب والوحدة الوطنية وصيانة الحرمات والمقدسات». وفي مثل هذا الموقف الكثير من الشجاعة التي تدعو إلى المساواة بين كل من استشهد في تلك الأحداث، بغض النظر عن الضفة التي كان يقف فوق ترابها، وفي الوقت ذاته، هي دعوة عقلانية صادقة لفتح صفحة جديدة في العلاقات بين المعارضة وبيت الحكم.

ثاني محطة عقلانية في البيان، كانت الإفصاح دون أية مواربة عن سلمية نضالات الوفاق من خلال تأكيدها «على التزامها بالنهج السلمي في التعبير عن أي مطلب من أي جهة كانت، كما تؤكد على نبذ العنف وإدانة كل خروج عن هذا النهج من أي طرف كان». هنا تصر «الوفاق»، وبشكل واضح على نفي الطبيعة العنيفة عن نضالاتها التي حاول البعض وسمها بها. ويتضمن كل ذلك عودة الوفاق، بكل قوة، إلى أسرة المعارضة السلمية العاملة تحت سقف المؤسسات الدستورية، ومن خلال قنواتها الشرعية المختلفة.

ثالث تلك المحطات كانت عودة الوفاق العقلانية إلى الحوار، البعيدة عن أي شكل من أشكال التشنج والشروط غير المنطقية التي سيطرت على سلوك المعارضة خلال الأحداث الأخيرة. فقد جاء في البيان، وفي منتهى الصراحة أن الوفاق تعتبر أن «رؤية الجمعيات المرفوعة لولي العهد هو الطريق الوحيد والناجح لحل الأزمة السياسية القائمة، وما دام الأمر كذلك فإنه من الضروري أن تهيأ لمثل هذا الحوار كل الإمكانات لينطلق وترى البحرين جميع أبنائها وحدة واحدة تسير في اتجاه واحد لا رجعة فيه هو طريق الإصلاح الجدّي». ففي إسقاط بند «الشروط المطلوب توافرها قبل بدء الحوار»، وهو ما ساد لغة خطاب المعارضة السياسي خلال الأزمة، سمات واضحة من العقلانية السياسية التي أنضجتها التجربة القاسية والباهظة الثمن التي خاضتها «الوفاق»، ومعها الجمعيات السياسية الأخرى خلال الأحداث الأخيرة.

رابع تلك المحطات هي مبادرة «الوفاق» وبيد مبسوطة وقلب مفتوح «بكل محبة وتقدير لكل الفعاليات السياسية والمجتمعية المخلصة التي تبحث عن الحل الناجع للمشكل السياسي وهي تسعى بكل ما تستطيع لخلق فرص مثل ذلك الحل، لأن الوصول لهذا الحل مسئولية الجميع من أجل حاضر الوطن ومستقبله». في هذه اليد الممدودة والقلب المفتوح محاولات جادة للعض على الجراح، وتجاوز الذاتيات، من أجل تشكيل الكتلة السياسية الوطنية الحرجة التي يمكن أن تحظى بالثقل الذي تحتاجه لإعادة موازين القوى إلى كفة المعارضة بعد أن فقدت الكثير من أوزانها السياسية خلال الأحداث الأخيرة والأيام التي تلتها.

لا شك أن هذا البيان يشكل نقلة نوعية في تفكير «الوفاق»، وسياساتها التي باتت تستحق أن تكون مسلكاً تحتذي به الجمعيات السياسية الأخرى، ذات العلاقة بها. لكن ما هو أكثر أهمية من ذلك هو أن يقرأ «تجمع الوحدة الوطنية»، هذا التحول من منطلقات إيجابية، بغضّ النظر عن حاجته - البيان - إلى توضيح الكثير من الأمور التي لا تزال غامضة، وفي المقدمة منها موقف «الوفاق» من «تجمع الوحدة الوطنية». ليس المطلوب هنا الاستشهاد بمواقف «الوفاق» السابقة، ولا استذكار ردود «التجمع» عليها، فاجترار الماضي لن يعود بالنفع على أيٍّ من أطراف المعارضة. كما لا ينبغي من «التجمع» مواصلة تخندقه في مواقفه السابقة من «الوفاق»، فنداء الوطن يناشد التنظيمين، كي يمدا أياديهما لبعضهما البعض ويتصافحا، ومن منطلقات استراتيجية، لا تكتيكية من أجل الخروج من هذه الأوضاع الشائكة التي أوقعت الجميع في مآزق شبه قاتلة.

ربما يكون هذا الموقف من «الوفاق»، ومن بعده موقف «التجمع « الإيجابي منه، إيذاناً بولادة حالة عقلانية ناضجة جديدة تمد المعارضة البحرينية بما تحتاجه من شجاعة وكياسة كي تتجاوز أزماتها، وتنسى فروقاتها، وتوحد صفوفها، من أجل الأهداف الوطنية التي لا يمكن تحقيقها في غياب مثل تلك السلوكية السياسية الناضجة التي يتطلع المواطن نحو يوم ولادتها

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3152 - الأحد 24 أبريل 2011م الموافق 21 جمادى الأولى 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً