العدد 3154 - الثلثاء 26 أبريل 2011م الموافق 23 جمادى الأولى 1432هـ

«التجمع»... باقة الورد السياسية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بهدوئه المعهود، وتواضعه غير المتصنع، ونظراته الثاقبة الواثقة مما تدعو إليه، خاطب رئيس «تجمع الوحدة الوطنية» الشيخ عبداللطيف المحمود جمهرة من الصحافيين، الذين لبوا دعوته واستضافوه في مقر جمعيتهم. كانت كلمة الشيخ عبداللطيف خطاباً سياسياً مكثفاً عكس، في الكثير من جوانبه، تشخيص «تجمع الوحدة الوطنية» للأوضاع الراهنة التي أعقبت الأحداث التي عصفت بالبحرين في مطلع هذا العام، ورؤيته المستقبلية لما يمكن أن تؤول إليه الأمور في المستقبل المنظور.

نجح الشيخ عبداللطيف في الانتقال بالحضور، من القضايا التكتيكية التفصيلية مثل استمرار تواصل «التجمع» مع «الدولة لتحقيق مطالب الشعب في حياة أفضل، ومستوى معيشي لائق»، إلى تلك القضايا ذات الطابع الاستراتيجي من مستوى التواصل مع «الدول الخليجية والعربية والإسلامية... المعنية بالشأن البحريني»، من أجل توضيح صورة الأوضاع لهم، ومن ثم كسبهم إلى جانب البحرين في مسيرتها الإصلاحي. وفي هذا السياق، وفي نطاق الدور الاستراتيجي الذي يمكن أن يمارسه «التجمع»، لم يُخف المحمود، طموح «التجمع»، بعد أن «أصبح رقماً صعباً في المعادلة الداخلية والخارجية»، أن يشق «طريقه لحفظ التوازن في دولة البحرين وليكون طرفاً رئيساً مستقلاً في رسم مستقبل البحرين».

في نطاق هذا الدور الاستراتيجي الذي يطمح «التجمع» لممارسته، وأخذاً بعين الاعتبار النتائج التي تمخضت عنها الأحداث الأخيرة في البحرين، بوسعنا، ونأمل أن يتسع صدر الشيخ عبداللطيف، ومن ورائه التجمع لما سندرجه أدناه، تحديد التحديات التي سيواجها «التجمع»، أو أي تنظيم سياسي يطمح لممارسة دور قيادي في المرحل المقبلة، في النقاط التالية:

1 - التحول إلى التنظيم «الوحدوي» و «الوطني» على حد سواء. ما يجعل من هذه المهمة تحدياً ينتصب في وجه «التجمع»، هو كونه ما يزال مقتصراً، وفي أفضل الأحوال نسبة عالية من أعضائه، على الطائفة السنية، بشكل عام، وسكنة جزيرة المحرق بشكل خاص. وليس القصد من هذا التحول تحقيق الامتداد الجغرافي، بمعنى كسب عضوية من هم في مدن وقرى البحرين الأخرى، فحسب، أو الانتشار في صفوف الطائفة الشيعية فقط. المراد هنا فهم الآليات والبرامج التي سيأخذ بها «التجمع»، ويعمل على تنفيذها على التوالي، كي يصبح المظلة السياسية التي ينضوي تحتها مختلف، بالإضافة إلى كل أولئك، الأطياف الفكرية المختلفة التي تقبل بنظام «التجمع»، ولوائحه الداخلية، ولا ترفض التعايش مع بعضها البعض في داخل أطره التنظيمية.

2 - العلاقة مع الدولة، كيف بوسع التجمع أن يحتفظ بالهامش الضروري الذي يضعه في خانة المعارضة التي تميزه عن الدولة، دون أن تخرجه، وهو ما كرره الشيخ عبداللطيف في كلمته، من المسارات القانونية التي توفر له الغطاء الشرعي الذي يؤهله لتبوء مقعد الجمعية السياسية الوطنية المعارضة (بكسر الضاد)، التي تشارك السلطة التنفيذية في صنع قراراتها، سياسية تلك القرارات كانت، أم اقتصادية، أم اجتماعية. هذه المعادلة المعقدة، تجعل من الرقم الصعب فيها، وهو الصفة التي أطلقها الشيخ عبداللطيف على «التجمع»، أكثر صعوبة، مما يضع على عاتق قيادة «التجمع» مهمات شاقة وصعبة، خاصة في هذه المرحلة.

3 - العلاقة مع فصائل المعارضة الأخرى، سواء تلك المنضوية تحت تحالف الجمعيات السياسية التي قادت الشارع خلال الأحداث الأخيرة في المراحل المبكرة منها، أو أخرى قد تفرزها الظروف المستجدة. كيف في وسع « التجمع»، وهو في الشهر الثالث من عمره، أن يفرض شروطه على تلك القوى، ويقنعها بصحة ما يدعو إليه، عند الحديث عن قضايا التنسيق بين فصائل المعارضة المختلفة. لا شك أن «التجمع هنا سيجد نفسه أمام طريق وعرة ومملوءة بالألغام التي، لا ينبغي استبعاد انفجار أحدها ما لم يجر نزع فتيله بعناية فائقة، وبمنتهى الحذر.

4 - بناء مؤسسات المجتمع المدني فائقة المهنية المرتبطة بالتجمع. بمعنى كيف سيتحاشى «التجمع» تسييس تلك المنظمات، وتوفير الحماية المهنية لها ولأعضائها، كي يضمن عدم تحولها إلى هياكل خاوية من جوهرها، نظراً إلى تبعيتها للتجمع. هذه المهمة ليست بالمسألة الهينة، كما قد تبدو من الخارج، أو كما قد يتصورها البعض، فقد كانت - تلك المنظمات - ولا تزال تعاني من الأمراض التي ورثتها الحركة السياسية البحرينية، بما فيها تلك الوطنية الديمقراطية، ولم تشذ عنها جمعيات الإسلام السياسي في هذا السلوك التسلطي الذي مارسته القوى السياسية على المنظمات المدنية.

نسرد هذه التحديات، مدركين أن القائمة ليست كاملة، فهناك تحديات أخرى غيرها، في محاولة لنقل مشاعر المواطن العادي الباحث لنفسه عن تنظيم وطني يثق به، قادر على تحويل همومه اليومية، إلى برنامج عمل وطني قادر على صهر طاقات المجتمع، بمختلف تياراته السياسية، وانتماءاته الفكرية، في تشكيلة سياسية، قادرة على استقطاب التعددية، كي تحولها، في نهاية المطاف، إلى ما يشبه باقة الورد المتناسقة في ألوانها، والجميلة في كليتها، دون أن تفقد أية وردة فيها ألوانها المختلفة، ورائحتها المميزة، بل وحتى تكوينها البنيوي المتفرد.

ليس القصد هنا تحميل «تجمع الوحدة الوطنية» ما هو فوق طاقته، ولا التشكيك في قدرته على إنجاز المهمات الملقاة على عاتقه، بقدر ما أردنا نقل ما يجول في أذهان المواطن البحريني الذي يتطلع نحو «التجمع»، من أجل القيام بهذه المهمة الشاقة، من خلال الاستفادة من إمكاناته البشرية الذاتية الكفؤة، والتعاون والتنسيق مع تلك التي لا تزال في خارج أطره، من أجل الوصول إلى المعادلة الوطنية المطلوبة، التي يشكل «التجمع» في بزته الوطنية الجديدة الإطار العام الذي تناضل الجماهير من تحت مظلته، أو من خلال التعاون معه، أو التنسيق مع منظماته المختلفة

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3154 - الثلثاء 26 أبريل 2011م الموافق 23 جمادى الأولى 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً