العدد 3188 - الإثنين 30 مايو 2011م الموافق 27 جمادى الآخرة 1432هـ

تونس والمخاض الانتخابي: إنّ بعد العسر يسراً

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

يعتبر المتابعون للشأن التونسي أن الأسبوع الثالث من شهر مايو/ أيار الحالي «أسبوع الإرهاب» بامتياز؛ حيث تمّ إلقاء القبض على شخصين مشبوه في انتمائهما إلى تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي بالجنوب التونسي، كما أن مدينة الروحية شمال غربي البلاد شهدت مواجهات دامية بين ثلاثة عناصر من هذا التنظيم من جهة ووحدات من قوات الجيش التونسي من جهة أخرى وهو ما أدى إلى استشهاد اثنين من عناصر الجيش ومقتل اثنين من «الإرهابيين» وفرار ثالثهما كما صرحت بذلك وسائل الإعلام الرسمية التونسية.

ولقد مثل الإعلان عن هذا الخبر صدمة للتونسيين الذين وجدوا أنفسهم أمام وضعية جديدة غير مألوفة بالنسبة إليهم أو لعلها شاذة. ويبقى موضوع الإرهاب شائكا جدا، وتبقى مصداقية توصيف المواجهة المسلحة الأخيرة تتأرجح بين الشك واليقين كما أبانت عن ذلك مواقع التواصل الاجتماعي للتونسيين حيث عبر الكثير منهم عن عدم تصديقهم للخبر وذهبوا إلى أن التوصيف سياسي غرضه خدمة الحكومة الانتقالية المؤقتة بشكل أو بآخر... وهكذا يغدو من الواضح أن مناخا من عدم الثقة والحذر الشديد بات يهيمن على تفكير معظم الشعب التونسي تجاه حكومة الباجي قايد السبسي. ولا يخفى على أحد كم كان لتصريحات وزير الداخلية السابق فرحات الراجحي من تأثير في هذه الثقة الهشة بين الحكومة والشعب. ولهذه الأسباب وغيرها صار الباب مشرعاً أمام التشكيك في صحة رواية الحكومة الانتقالية المؤقتة بشأن «الإرهابيين» وطرح أسئلة حارقة تؤرق عموم التونسيين في الداخل والخارج: هل حقا خطر الإرهابيين في تونس على قدر كبير من الأهمية؟ وهل وجود عناصر من تنظيم القاعدة بالأراضي التونسية على علاقة بالوضع السياسي الراهن؟ وهل أن الحكومة الانتقالية المؤقتة لم تضخم هذا الحادث أو ذاك خدمة لأطراف سياسية معينة؟ وهل الأمر متعلق - أصلا - بعناصر من تنظيم القاعدة أم هم زمرة من المجرمين الاعتياديين؟

على رغم الامتداد الكبير لطول الحدود التونسية مع الجزائر وليبيا (أكثر من 1400 كيلومتر) لم تكن تونس مهددة بشكل مباشر بأعمال تحمل توقيع القاعدة نظراً لحرص نظام الرئيس المخلوع على سيطرته المطلقة وقبضته الأمنية الشديدة في معالجة هذا الملف تلميعاً لصورته وخدمة لمصالح الغرب وخاصة البيت الأبيض. لذلك فإن اختراق هذه المنظومة الأمنية يعتبر صعبا وهو ما حدا بالبعض إلى اعتبار أن هذا الحادث العرضي قد وقع توظيفه بشكل خبيث لإحراج الإسلاميين الذين عادوا بقوة إلى ساحة العمل السياسي في تونس ممثلين في حركة النهضة الإسلامية التي طالما ربط النظام المخلوع اسمها بالإرهاب . والملاحظ على الساحة الحزبية التونسية المكتظة اليوم (80 حزبا) يرى بوضوح أن حركة النهضة هي الأكثر تنظيما وهيكلة مقارنة بغيرها، حيث كان لها السبق في الالتقاء بالشارع التونسي بشكل منظم جدا وفي تظاهرات ضخمة بمجرد حصولها على تأشيرة العمل السياسي فضلا عن قوة وسائلها الإعلامية المقروءة والافتراضية.

ولمَّا كان هذا هو الحال فإن إشاعة مناخ من الخوف من ظاهرة «الإرهاب» قد يخيف الناخب التونسي من حركة النهضة ويرجح كفة الهيئة العليا المستقلة لتنظيم الانتخابات التي أعلنت عن استحالة الوفاء بموعد 24 يوليو/ تموز 2011 المقرر لإجراء انتخابات المجلس التأسيسي وتقترح موعد 16 أكتوبر/ تشرين الأول بديلا عنه لتستجيب بذلك - عن قصد أو عن غير قصد - لمطالب أحزاب سياسية يسارية وعلمانية كثيرة في تونس نادت إلى تأجيل الانتخابات نظراً لعدم جاهزيتها مقابل الاستعداد الكبير لحركة النهضة لخوض هذه الانتخابات.

وعلى رغم ذلك فإن هذا التوجه وإن تحقق فلن يكون بحسب البعض إلا لمصلحة النهضة لأن هذه الحركة تعتمد على قوة انتشارها بين الشعب وهو ما تعتبره الورقة الرابحة في كل انتخابات ممكنة، ومزيد تأجيل الانتخابات سوف يسمح لها بمزيد الانتشار في ربوع البلاد. ولا يخفى على أحد ما عاناه المجتمع التونسي المسلم من تضييق على حرياته الدينية زمن الرئيس المخلوع، من ذلك منع الحجاب بين الفينة والأخرى في المؤسسات الحكومية وتعيين أئمة وخطباء جمعة يعملون لمصلحة النظام السابق فضلا عن تهميش قدسية يوم الجمعة ومنع كل التجمعات أمام المساجد أو داخلها... هذا التضييق الكبير يدفع بعامة التونسيين إلى البحث عن متنفس قد توفره لهم حركة النهضة في هذا المجال بالذات. وإضافة إلى ذلك، يبدو خطاب رموز النهضة معاصرا ومطَمْئِنا ولا يبقى إلا التأكد من مدى احترام النهضة لما تعد به وما تضربه على نفسها من التزامات باتباع «إسلام أكثر معاصرة وانفتاحاً» يقبل ويحافظ على ما تحقق لتونس من «إنجازات» اقتصادية واجتماعية تخص المرأة والقطاع السياسي والسياحي والإعلامي خاصة.

إن المرحلة القادمة تبدو من الخطورة بمكان بحيث تحتاج إلى كثير من الحنكة السياسية من قبل الأحزاب والحكومة الانتقالية المؤقتة وكثير من الصبر من قبل الشعب التونسي حتى يتسنى لهم الخروج بالبلاد من هذا المأزق و تتم ولادة تونس ديمقراطية على أحسن وجه

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3188 - الإثنين 30 مايو 2011م الموافق 27 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً