العدد 3216 - الإثنين 27 يونيو 2011م الموافق 25 رجب 1432هـ

من قرارات تونس الجديدة: الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

لعله من القرارات الدولية المهمة الذي تكتب به تونس تاريخها الجديد والمجيد، قرار انضمامها إلى أعضاء المحكمة الجنائية الدولية لتكون بذلك أول دولة بشمال إفريقيا، والدولة السادسة عشرة بعد المئة التي توقع على نظام روما الأساسي الذي أعلن إنشاء أول محكمة دائمة في العالم لجرائم الحرب في لاهاي. وبالتوقيع على الوثائق اللازمة للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية أصبحت تونس طرفاً في الاتفاقية، وهو ما سيخضعها للسلطة القضائية للمحكمة.

وجاء في موقع المحكمة على الانترنت إن «المحكمة الجنائية الدولية ترحب بانضمام تونس إلى جهود المجتمع الدولي لإنهاء الحصانة لمرتكبي أخطر الجرائم إثارة للقلق الدولي وهي الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم التي ترتكب في حق الإنسانية والعدوان».

وللعلم فإن تونس هي أول دولة بشمال إفريقيا ورابع دولة بالجامعة العربية تنضم إلى المحكمة الجنائية الدولية بعد جيبوتي وجزر القمر والأردن.


ارتياح أممي

وقد عبّر ويناويسر عن أمله في أن تسير الكثير من البلدان الأخرى على خُطى تونس في قرار الانضمام إلى هذه المحكمة، وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون: «إن تونس قد أبدت قيادةً قويةً في المعركة المشتركة؛ لإنهاء الحصانة وسياسة الإفلات من العقاب»، مضيفاً: «هذه خطوة مهمة خصوصاً في ظل التغيرات الجذرية التي وقعت في البلاد هذا العام».

وقال رئيس جمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، كريستيان فينافيزر، في مؤتمر صحافي: «ان انضمام تونس لنظام روما الأساسي يعدّ شاهدًا على التغيرات العميقة التي أحدثها (الربيع العربي) والذي بدأ في تونس ويحقِّق المطلب الرئيسي للشعوب في كل مكان بوجود مجتمعات تسترشد بقواعد واضحة ومبدأ المساواة أمام القانون. كما أنّ انضمام تونس يؤكِّد الدعم المتبادل بين المنطقة العربية والمحكمة الجنائية الدولية، ويضرب مثالاً لدول أخرى في المنطقة بالانضمام إلى نظام روما الأساسي».

واعتبر ويناويسر أن «التصديق على هذه الوثيقة التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية قد أصبح رمزاً لالتزام الدول بسيادة القانون ومكافحة الإفلات من العقاب». وعبّر عن سعادته لاتخاذ تونس قرار «إرسال هذه الرسالة القوية تعبيراً عن مستقبل مبنيّ على أساس من سيادة القانون»، مشيراً إلى أن «هذا ينطبق بشكل خاص على أشد الجرائم خطورة وفقاً للقانون الدولي: الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والعدوان».


للتاريخ

يذكر أن «نظام روما الأساسي» اعتمد في 17 يوليو/ تموز 1998، خلال مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي للمفوضين المعني بإنشاء محكمة جنائية دولية، الذي عقد في روما. وقد بذلت منظمة العفو الدولية يومها مساعي حثيثة لكسب التأييد بشأن قضايا عديدة، لضمان أن تكون المحكمة الجنائية الدولية عادلة وفعالة وأداة نزيهة تساهم في القضاء على ظاهرة الإفلات من العقاب في جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وقد تمّ إنشاء هذه المحكمة الجنائية الدولية «المستقلة» وذات العلاقة الوطيدة بمنظومة الأمم المتحدة من أجل ملايين الأطفال والنساء والرجال الذين وقعوا خلال القرن الماضي ضحايا لفظائع لا يمكن تصورها، هزت ضمير الإنسانية بقوة، وتدرك الدول الأطراف في هذا النظام الأساسي أن ثمة روابط مشتركة توحد جميع الشعوب، وأن ثقافات الشعوب تشكل معاً تراثاً مشتركاً لكنه نسيج رقيق يوشك أن يتمزق في أي وقتٍ بسبب هذه الجرائم الخطيرة التي تهدد السلم والأمن في العالم. لذلك من العدالة ألا تمر أخطر الجرائم التي تثير قلق المجتمع الدولي دون عقاب. وعليه يجب ضمان مقاضاة مرتكبيها على نحو فعال من خلال تدابير تتخذ على الصعيد الوطني وكذلك من خلال تعزيز التعاون الدولي.


تخوّفات!

تساور الدول العربية والإسلامية شكوك في المحكمة وتعتبرها إحدى أدوات القوى الغربية. وإذ يفسرها البعض بافتقاد المكتبة العربية للمراجع المترجمة أو المصادر الموثقة حول المحكمة الجنائية الدولية، فإن البعض الآخر يرى أن المعرفة النظرية بأهداف المحكمة ونواياها لا يكفي للوثوق بها في عالم قلّب لأن الوقائع تحكي أحياناً عكس ما تبديه المبادئ. لذلك يتخوّف الكثيرون من استخدام مجلس الأمن لكيان هذه المحكمة واختصاصاتها في مواجهة جرائم الحرب والإبادة الإنسانية وتوجيهها في مصالح الدول العظمى، وليست مجازر الكيان الصهيوني في لبنان وفلسطين سوى نموذج على هذا التوجيه وذلك التحيز. ورغم أن اختصاصات المحكمة الجنائية الدولية تعتبر مكملة للمحاكم الوطنية... إلا أنها محاطة رغم جدّتها وجديّتها بمخاوف إما لخطورة دورها المذكور آنفاً، أو لاتهامها بالمساس بسيادة الدول والتدخل في شئونها الداخلية إذا ما كانت الولايات المتحدة الأميركية غاضبة على إحدى هذه الدول.

وإذا كان الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان قد عبّر في مؤتمر الأمم المتحدة في روما العام 1998 والذي حضره جانب كبير من ممثلي دول العالم... عن النجاح في تشكيل تلك المحكمة بمقولته الشهيرة «إنها منحة أمل للأجيال القادمة، وخطوة عملاقة باتجاه التقدم في مسيرة حقوق الإنسان العالمية وحكم القانون». ذلك أنه كان متفائلاً بأن الألفية الثالثة لابد أن تستأصل الجرائم ضد الإنسانية وتؤكد التزام العالم بالقانون والعدالة، وذلك بمحاكمة أسوأ مجرمي العالم ومعاقبتهم باسم المجموعة الدولية، وأن مرتكبي تلك الجرائم لابد أن يفتقدوا الأمن حيث سيتم ملاحقتهم أينما كانوا.. إلا أن المشاكل وصعوبات التنفيذ مازالت تحول دون مقولته وآماله.


اختلاف وانسجام

وللتذكير فإن هناك اختلافاً واضحاً على الصعيد الدولي بين محكمة العدل الدولية التي اهتمت هيئة الأمم المتحدة أيضاً بإنشائها، والتي تختص فقط بفض المنازعات سلمياً بين الدول - بينما تعد المحكمة الجنائية الدولية ذات اختصاص مختلف، بملاحقتها للأفراد المرتكبين لانتهاكات إجرامية للقانون الدولي الإنساني تنظر في شكاوى الأفراد بل وتبني أحكامها على أساس المسئولية الفردية، وبذلك يصير نطاق اختصاصها غير محدد، لا جغرافياً ولا زمنياً، وبالتالي فمن الأهمية التفرقة بين المحكمتين في الاختصاص والأهداف.

ويرى بعض الباحثين والقانونيين والسياسيين أنه لابد أوّلا من انسجام أحكام نظام روما الأساسي لتنفيذ أحكام معاهدة «روما» وقواعد المحكمة الجنائية الدولية مع القواعد الدستورية للدولة الطرف في الاتفاقية، وهو ما يدعو إلى تغيير الدساتير في تلك الدول لتتواءم مع التزامها الدولي بتطبيق اختصاصات تلك المحكمة... إضافةً إلى ضرورة التوافق الدولي على النوايا والمفاهيم لتحقيق الهدف المرجو من إنشاء هذه المحكمة دون الانفراد بمواقف ومصالح فردية

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3216 - الإثنين 27 يونيو 2011م الموافق 25 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 3:23 م

      شكرا للزائر 3

      أنا قارئ تونسي للصحيفة أشكرك على ما تمنيته لشعب تونس وإن شاء الله لكل الدول العربية والاسلامية مزيدا من الخير والتقدم نحو الديمقراطية والعدالة
      وشكرا لصاحب الموضوع على طرحه لمثل هذا الموضوع

    • زائر 3 | 4:57 ص

      نتمنى الخير لتونس الخضراء

      نتمنى ان تكون خطوة لنقل تونس الخضراء من التبعية للغرب إلى تكوين دولة عربية مستقلة بمعنى الكلمة. والعزة للشعب التونسي الشقيق.

    • زائر 2 | 2:54 ص

      صحيح هناك مخاوف

      أشرت إلى أن الدول العربية والإسلامية تساورها شكوك في المحكمة وتعتبرها إحدى أدوات القوى الغربية
      وهذا صحيح وغلا بم تفسر اهتمامها فقط بالدول العربية والاسلامية التي تناهض الأمريكان؟؟؟؟؟؟؟؟؟

    • زائر 1 | 12:26 ص

      شكرا صاحب المقال

      مشكور اخي
      معلومات وتوضيحات ممتازة
      جازاك الله عنها كل خير

اقرأ ايضاً