العدد 3223 - الإثنين 04 يوليو 2011م الموافق 02 شعبان 1432هـ

فن الحوار بين التكتيك والاستراتيجية

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إذا كانت الاستراتيجية في مفهومها العام البسيط، هي الرؤية البعيدة المدى الهادفة إلى تحقيق برامج شاملة مرتكزة على عناصر تتمتع بالثبات النسبي، فإن التكتيك، وفي مدلوله العام، هو تلك الخطوات التفصيلية القصيرة المدى الخادمة لتلك الاستراتيجية، والقادرة على مراكمة إنجازاتها، لصالح تلك الاستراتيجية، من خلال مرونتها وقدرتها على التغير الديناميكي السريع الملبي لاحتياجات تلك الاستراتيجية.

في فيتنام على سبيل المثال، وفي خضم محادثات السلام التي قادها من الجانب الأميركي وزير الخارجية هنري كيسنجر في النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي، شاهدنا مهارة الفيتناميين في التمييز بين التكتيك والاستراتيجية. فبينما وضع الفيتناميون نصب أعينهم استراتيجية واضحة هي طرد الأميركان من فيتنام، دون أن يبدو ذلك كتمريغ وجه دولة عظمى في الوحل، كانوا يعززون تلك الاستراتيجية بمجموعة من العمليات العسكرية التي تضمن استمرار الحماس في صفوف الشعب كي لا يفقد ثقته في قيادته وفي انتصار قضيته، كجزء من التكتيك الخادم لتلك الاستراتيجية.

وعلى المستوى السياسي الإقليمي، لم يفرط الفيتناميون، في الفترة ذاتها، في تمسكهم باستراتيجيتهم الحيادية بعدم الانحياز لطرف في الصراع بين الصين والاتحاد السوفياتي في نطاق الخلافات التي كانت تمزق الكتلة الشيوعية حينها. لكنهم كانوا يواصلون تكتيكاتهم القصيرة المدى في إعطاء كل فريق (السوفيات والصين) على حدة ما يستحقه من اهتمام المتناسب وميزان ثقله الدولي والإقليمي في جنوب شرقي آسيا.

الأمر ذاته ينطبق على المشاركين في «حوار التوافق الوطني»، إذ يتوقع المواطن أن يشهد من قوى المعارضة التي تمثله في ذلك الحوار، الذي تنطلق أولى جلسات أعماله اليوم، تمييزاً واضحاً بين تكتيكاتها واستراتيجيتها، من أجل الوصول إلى أهدافها. فعلى المستوى الاستراتيجي العام، يريد المواطن، على سبيل المثال، أن يخرج المتحاورون بخطوات عملية ملموسة على طريق التحول نحو المملكة الدستورية، بكل ما يحمله هذا التعبير من زيادة هامش المشاركة الشعبية في صنع القرار، وتعزيز حضور ممثلي الشعب في مؤسسات الدولة، وتقوية القنوات الرقابية التي تؤمن الشفافية المطلوبة لتأمين كل ذلك.

أما على الصعيد التكتيكي، فالمواطن ذاته، يطمح أن يبذل ممثلو المعارضة جهدهم من أجل انتزاع المزيد من المكاسب الآنية السريعة التي تصب في مساعي تحقيق تلك الاستراتيجية، مثل انتزاع بعض المكاسب الخدماتية، وتحقيق بعض الإنجازات ذات العلاقة بتحسين ظروفه المعيشية.

لا ينكر المواطن على المعارضة تصعيد نبرات أصواتها الطالبة من السلطة تقديم بعض التنازلات من أجل تحقيق أيٍّ من المكاسب التكتيكية، لكنه لا يريدها أن تتجاوز حدود التصعيد فيما هو غير ممكن استراتيجياً، الأمر الذي من شأنه إفشال الحوار، وما يمكن أن يستتبعه من ضياع فرصة تحقيق بعض المكاسب الاستراتيجية.

قدرة المعارضة على تحقيق هذا التوازن الناضج، من خلال سلوك متوازن بين ما هو تكتيكي واستراتيجي، هو أحد صمامات نجاح الحوار، بدلاً من انفجاره جراء عدم وضوح الرؤية القادرة على التمييز بينهما

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 3223 - الإثنين 04 يوليو 2011م الموافق 02 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 5:34 م

      معلقعلى بعض المور

      استاذنا الكبير العبيدلي بكل صدقدائما مقالاتك جيده ومفيده وعبقريه وتدل على حسن نيه وثقافه عاليه لكنني اتعجب من كتاب بعض الصحف البحرينيه الاخرى دائما يشتمون رموزا كبار مثل سماحة العلامه الشيح عيسى قاسم وسماحة الشيخ علي سلمان كل يوم تقريبا ويتكلمون عن الطائفيه فمن الذي يتكلم بالطائفيه هم ام سماحة الشيخ علي سلمان سماحته يمثل شريحة كبيره جدا جدا من المواطنين هم ماذا يمثلون لماذا يسمح لهم بالتطاول اليومي على سماحة الشيخ في الوقت الذي يتحدثون عن الحوار شيء غريب عجيب

    • زائر 8 | 11:18 ص

      المعارضة والسلطة مطلوب منهم اليوم قبل أي وقت آخر تحقيق التوازن وانجاح الحوار وتقديم انجاز ايجابي يرضي الشعب ... ام محمود

      ثقافة الحوار تستلزم احتواء الآخر والاستماع اليه وتحقيق جو ملائم ووضع القضايا الساخنة على الطاولة ومحاولة حلها بسرعة بما يرضي الطرفين فجميع البحرينيين اليوم تمتد أعناقهم الى موقع ومكان (الحوار الوطني) وهم بين متشائم ومتفائل .. طبعا افشال الحوار سيترتب عليه تصعيد وسلبيات كثيرة وانفجار الوضع وهذا ما لا نريد أن نصل اليه ابداً.
      التكتيكات والاستراتيجيات المدروسة والتي تناسبنا مطلوبة ولكن بشرط الذكاء في اختيارها .أي توتر بين المشاركين سيخلق خندقين وحزبين وسنرى أنفسنا أمام معركة لا منتصر فيها

    • زائر 5 | 3:10 ص

      عدم الخذلان

      كل ما نرجوه من هذا الحوار ألا يخرج بخفي حنين ، ويخذل هذا الشعب المنكسر ، كما نرجو أن يكون ربان الحوار لديه نفس طويل لمداخلات المتحاورن ، نعرف بعض المتحاورين لا ناقة لهم ولا جمل في صنع القرار ، لكن غالبيتهم يهمهم الشأن السياسي والمواطن والاقتصاد وأن تخرج البحرين معافاة من مرض الأزمة، مطلوب أن يكون هناك توازن مثالي بين مطالب الناس والتكتيك الأمثل لمحاولة تحقيق ما يمكن منها ، دعونا نعمل بالممكن ولكن يجب ألا ننسى الطموح.

    • زائر 4 | 1:58 ص

      لايصح الا الصحيح

      التنكر لمشاكلنا الرئيسية وعدم حلها والهروب منها لن يوصلنا الى ازدهار لهذا البلد وانما لدفعها الى الاسوء نرجو من الاخرين ترك النرجسيه وترك التوجس من المستقيل بحجج واهية.
      والله الموفق والسلام.

    • زائر 3 | 1:33 ص

      للكل استراتيجيته و تكتيكه

      الاستراتيجيه و التكتيك عنصران مهمان في تحقيق الاهداف

    • زائر 2 | 1:14 ص

      مجرد رأي .......

      يكفي أن يخرج المتحاورون بقرار ملزم يدعو ويقيد حميع أهلي البحرين ،و وسائل الإعلام بجميع أنواعها بالابتعاد عن الشحن الطائفي، و إقصاء الآخر ، والدعوة للوحدة الوطنية بين أبناء البحرين ، والعيش بأمن وإمان في بحريننا الغالية .الهم ألف بين قلوبنا و احفظ البحرين و أهلها من كل سوء و مكروه .

    • زائر 0 | 12:01 ص

      الحب تكتيكاً

      ما قيمة التكتيك وتحقيق مكاسب للوصول الى أهداف نخسر فيها المحبة للآخر ومن الآخر، ارى الوجوه وقد اكتست بكره وحنق لأصحاب وزملاء عمل طالما كانو متحابون ، فهل يعي الجميع بأننا بالحب والود نكسب أضعاف مانكسبه بالخصومة والشتم والتصعيد، اما آن أوان هذا التكتيك؟ تحياتي أم بدر  

اقرأ ايضاً