العدد 3224 - الثلثاء 05 يوليو 2011م الموافق 03 شعبان 1432هـ

الفيلم التونسي الحدث: لمّ الشمل أم تفريقه؟

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

جاء عرض هذا الفيلم في السينما التونسية مؤخراً في إطار تظاهرة ثقافية اختار لها الساهرون عليها عنواناً جميلاً: «لمّ الشمل»، فإذا به ينفرط وإذا بالساحة التونسية الثقافية والاجتماعية تتشظى في وقت هي في حاجة فيه إلى الوحدة والانسجام للمحافظة على تماسك النسيج الاجتماعي في مرحلة البناء الجديدة.

جاء هذا الفيلم في غير وقته حسب البعض، وفي رأي البعض الآخر في عزّ وقته فالمنادون بالحرية في التعبير الثقافي يرون أن الثورة لابد أن ترسخ مناخ التسامح الفكري وقبول الآخر مهما تطرف في الفكر. ومن جهة أخرى يرى أغلب أفراد الشعب التونسي أن هذا الشريط جاء ليستفز عموم التونسيين وخصوصاً الإسلاميين المعروف عنهم التشدد في التعامل مع مثل هذه المناسبات. هذا الفيلم الحدث تقف وراءه مخرجة تونسية قد لا يعرفها البعض، فمن هي مخرجة هذا الفيلم؟

وسط هذا الجدل كانت المخرجة الغائبة الحاضرة حيث لم تحضر عرض الفيلم في مناسبته الأولى بتونس وللعلم فإن نادية الفاني مخرجة هذا العمل السينمائي مقيمة في باريس منذ 2002 وقد قدمت عدة أعمال سينمائية طويلة وقصيرة وعملت سنين طوال مساعدة لسينمائيين تونسيين وعرب وعالميين، وهي ابنة الوجه الشيوعي السابق البشير الفاني. وبحكم معرفتها للواقع التونسي فهي وكما صرحت في حوار لها في مدونة تونس الالكترونية، لم تتفاجأ بردة فعل الشارع التونسي ولم تستغرب ما حدث بل توقعته! خصوصاً أنها تعمدت تغيير العنوان في اللحظات الأخيرة وكانت على وعي بأنه عنوان مستفز: فما قصة العنوان؟

يرى البعض أن عنوان الفيلم قد جنى عليه وألّب عليه «الأعداء»، فمن أين جاء عنوان «لا ربي لا سيدي»، والحال أن العنوان الموجود على الجينيريك «لائكية إن شاء الله»؟

تجيب نادية حين سئلت هذا السؤال أن الفيلم لم يكتمل تركيبه بعد، وأنها اعتمدت بالأساس عنوان «لائكية إن شاء الله»، لأنه يشبه الفيلم ويعبّر عنه ثم غيرت المخرجة العنوان ليستقر على «لا الله لا سيدي». ورغم تصريحها السابق بأنها تتوقع ردة فعل الجمهور إلا أنها لم تتخيل لحظة أن أحداً سيشعر بأذى أو إساءة من هذا العنوان، حيث اعتبرت في موقفها هذا أن الفيلم ليس ضد الإسلام بل بالعكس ترى المخرجة أنها حرصت على تقديم تونس كبلد يتعايش فيه المسلم الملتزم بفرائضه والمسلم غير الملتزم وغير المؤمن والمسيحي واليهودي دون أن يلغي الآخر.

لكن هل يحتاج هذا الهدف النبيل والذي لا يشك فيه اثنان عاقلان يعرفان جيداً انفتاح العقلية التونسية... هل يحتاج إلى تغيير عنوان الفيلم وجعله كما قالت هي استفزازيا؟ أم هو مجرد تسويق للفيلم من خلال العنوان بشكل أو بآخر؟


تعايش أم تباين؟

إلى أي مدى يكرس هذا الفيلم فكرة التعايش؟ ولماذا انحرف عن غايته؟

ترى المخرجة أن الثورة التونسية هي ثورة حرية وكرامة، وهؤلاء الذين يهددون المختلف عنهم ويحاربونه ويضيقون عليه الخناق هم أعداء الحرية وللثورة... وتسهب المخرجة في وصفهم حتى تنتهي إلى أننا لم نتخلص من دكتاتورية بن علي لنقع فريسة لدكتاتورية أوصياء الدين.

ويقول بعض المسئولين عن العروض إن ما يتم بثه غير مضاد للدين وإنما هو تجسيد لحرية التعبير التي اكتسبها التونسيون بعد الثورة، وأن ليس هنالك نية للتهجم على الإسلام والمسلمين كما روّج لذلك المعتدون. وتبعاً لذلك فالمخرجة ومن ساندها يدعون إلى التعايش لكن للأسف فجّر الفيلم قنبلة أدت إلى هذا الجدل الذي وصل يوم عرض الفيلم إلى العنف وهو ما ينذر بالخطر. ورغم فكرة الفيلم الجميلة «التعايش»، إلا أن طرحها بهذا العنوان انحرف بها عن غايتها النبيلة وألب الكثيرين عليها وخلق مناخاً من التباين لا ينكره أحد. فالساحة التونسية ومنذ أكثر من نصف قرن تعج بالتيارات الفكرية المتباينة وفي نفس الوقت المتعايشة ولكن بحذر، غير أن مناخ الثورة الجديد سمح لكل طرف بأن يعبّر عن رأيه بخشونة أكثر، فهذا يختار عنواناً مستفزاً، وذاك يرد بعنف، وإن تبرأت منه الأحزاب الإسلامية السياسية (النهضة والتحرير) وشجب مسئولوها العنف كما رفضوا الاستفزاز... غير أن المسيرات الاحتجاجية التي تحركت في مختلف محافظات البلاد أكدت أن عموم الشارع التونسي وغير المتسيّس منه خصوصاً، يرفض هذه الطريقة في التعامل مع أهم مكون من مكونات الهوية التونسية ألا وهو الدين. وطبيعي جداً أن يحكم المتابع العادي على الفيلم من عنوانه، وهكذا فإن أكثر من نصف المشكلة كان يمكن تفاديه لو ابتعدت المخرجة عن هذا العنوان المستفز.

علما وأن مثل هذه الفكرة – فكرة التعايش بين المؤمن والملحد والمسلم والكتابيّ – قد طرحت في أفلام سابقة للمخرج النوري بوزيد مثلاً وغيره، وبقيت الضجة في أوساط المثقفين دون أن يحدث ما حدث مع هذا الفيلم.

إذن هي مقتضيات المرحلة. كلٌّ يريد تكريس مطالبه لا بالركوب على الثورة كما يقول البعض وإنما بتوجيه إمكاناتها نحو غايات كل طرف انطلاقاً من مرجعياته وايديولوجيته. وعموماً يبقى الحكم على النوايا صعباً، والنظر في الوقائع ممكناً، واستشراف المستقبل يشوبه الغموض

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3224 - الثلثاء 05 يوليو 2011م الموافق 03 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً