العدد 3250 - الأحد 31 يوليو 2011م الموافق 29 شعبان 1432هـ

طرق «إنجاب الذكور» في الثقافة الشعبية البحرينية

تناولنا في الفصول السابقة العديد من النظريات التي تتناول كيف يتم تحديد جنس المولود، وأوضحنا كذلك أن تلك النظريات وجدت طريقها إلى الثقافة الشعبية في العديد من الدول العربية وقد أخذ العامة يطبقون تلك النظريات مبتكرين العديد من الطرق التي يزعمون أنها إذا استخدمت ستؤدي لإنجاب مولود ذكر. ونجد في الثقافة الشعبية في مملكة البحرين طرق مختلفة يمكن عن طريقها ترجيح حمل المرأة بمولود ذكر وهي طرق ليست حصرية على البحرين؛ بل يمكننا أن نجدها في شعوب أخرى. ويمكننا أن نقسم تلك الطرق إلى قسمين رئيسيين ويضم القسم الأول مجموعة أفكار شبيهة تماماً بالأفكار التي جاءت في الطرق اليونانية والتي روج لها إبقراط وأرسطو وجالينيوس، أما القسم الثاني فيضم طريقة تعتمد على الملاحظة ورسم شجرة العائلة لزوجة المستقبل وتظم هذه الطريقة أفكار مطابقة تقريباً في مضمونها للحقائق العلمية الحديثة في علم الجينات.

الطرق اليونانية وتطبيقها في البحرين

يوجد في الثقافة الشعبية في مملكة البحرين بعض المزاعم التي تعتبر طرق لإنجاب مولود ذكر وهي شبيهة بما جاء في الأقوال اليونانية فلا يوجد خلاف بينهما في أن الجهة اليمنى خاصة بالذكر بينما اليسرى للأنثى فنلاحظ في إحدى تلك الطرق الموجودة في الثقافة الشعبية في البحرين هي ذاتها ما نص عليه آناكساغور وعززه جالينيوس أي طريقة المضاجعة على الجهة اليمنى.

طريقة أخرى لتحديد جنس المولود عن طريق نسبة الشهوانية عند الرجل أو المرأة أي أنه عندما تكون شهوة المرأة أكثر من الرجل يكون المولود أنثى بينما عندما تكون شهوة الرجل أكثر يكون المولود ذكر. وهذا الزعم ليس حصرياً على البحرين؛ بل منتشر ربما في كل العالم العربي ولكن ببعض التعديلات، وقد ربط البعض بين هذا القول وحديث شريف منسوب للرسول الأعظم (ص) استشكله البعض. لا أود الدخول في شرح الأحاديث وتحميل الألفاظ أكثر ما تعطيه من معنى ولكن نعود للمعتقد الشعبي والذي بلا شك شبيه بالأقاويل اليونانية؛ إذ يمكن أخذ الشهوة بمعنى الأسبقية في إفراز الماء أو الحرارة الكامنة في الماء سواء ماء الرجل أو المرأة ففي هذه الحالة يصبح الأمر شبيهاً بما قاله ديموقريطوس وإبقراط.

لا نعلم بالتحديد هل الأفكار اليونانية تسربت بصورة أو بأخرى للعرب كما أوضحنا في الفصل السابق ومنها للبحرين وما حولها أم أن هذه الأفكار أقدم بكثير من الثقافة اليونانية ووصلت لشعب البحرين من الحضارات القديمة السابقة وتم توارثها وبالتالي تكون تلك الحضارات القديمة هي العامل المشترك التي انتشرت منه هذه الأفكار، إلا أن فلاسفة اليونان كانوا أكثر دقة في توثيق وتطوير الأفكار القديمة.

شجرة العائلة وتحديد جنس المولود

من الطرق التي يلجأ لها البعض في اختيار زوجة المستقبل التي ستنجب له العديد من الذكور هي النظر لشجرة عائلة زوجة المستقبل حيث يعتقد هؤلاء أن هناك نساء تلدن أولاداً بنسبة أكبر وأن هناك نساء يلدن بنات بنسبة أكبر وهي من الأمور التي اعتبرت من الحقائق التي سلم بها أفراد الجيل القديم وربما حتى يومنا هذا حيث يزعمون أن المرأة هي التي تحدد الجنس وليس الرجل، وقد وجد هذا الكلام طريقه للتراث الشعبي وتم اختزاله في مجموعة أمثال و «معيار» أي (سباب وشتائم)، فقد زعمت العامة أن ابنة أم البنات لا تلد إلا البنات، وهناك من أفراد الجيل القديم في البحرين من النساء والرجال من يحتقرون البنت فلا يسمونها إلا «فَشنة» وجمعها «فَشَنات» فتسمع بعضهن تقول «فلانة جابت فشنة». وأخرى تقول: «فلانة... أم الفشنات»، وكذلك «بت أم الفشنات ما تجيب إلا فشنات» و (...) «أم فشنات على أمها».

وقد تصدى لهذا الزعم؛ أي أن المرأة هي التي تحدد جنس المولود، العديد من المثقفين من الجيل الحديث وذلك باستنادهم على زعم أهل العلم أن الرجل هو الذي يحدد جنس المولود مرتكزين على الأساس العلمي الذي لا جدال فيه أن الرجل هو الذي يمتلك حيوانات منوية مختلفة كما أسلفنا سابقاً، إلا أن الكشوف العلمية الحديثة المدعمة بالعديد من الدراسات التحليلية التي اعتمدت على رسم شجرة العائلة كاملة للأب والأم لعائلات مختلفة وبحساب نسبة الأولاد للبنات في الأجيال السابقة توضح أنه بالإمكان التكهن بمعرفة نسب جنس المواليد (عدد الأبناء والبنات) التي ستنجب في المستقبل، ومن الباحثين المهتمين بدراسة تحديد نسب الأبناء والبنات بروفسور، برايان سايكس؛ إذ مثلت هذه النقطة محوراً أساسياً في كتابه «Adam»s Curse: A Future Without Men» وترجمة عنوانه «لعنة آدم: مستقبل بلا رجال».

ويذكر سايكس في الفصل التاسع عشر من كتابه عدداً من الدراسات التي درست تحليل العائلات ونسب الأبناء والبنات وكيف يمكن التكهن بنسب جنس المواليد في المستقبل بالإضافة لحالات درسها هو شخصياً (Sykes 2004، p. 269 - 289). ويذكر سايكس أيضاً الأسباب العلمية لذلك حيث يؤكد وجود عوامل وراثية تورثها الأم لبناتها أو أبنائها قد تكون محمولة على كروموسوم (X) أو في عضية أخرى داخل البويضة تسمى المايتوكندريا وهي عضية تورث من الأم لبناتها وأبنائها بينما الأب لا يستطيع أن يورث هذه العضية لأبنائه لأن رأس الحيوان المنوي الذي يدخل البويضة يفرغ من هذه العضية والذي ثبت أنها تحتوي على جينات وراثية خاصة بها. عند الأنثى بالإمكان لهذه العوامل أن تؤثر على الحيوانات المنوية القادمة من الذكر والتي ستلقح البويضة وبذلك ترجح أي الحيوانات المنوية سيلقح البويضة ذاك الذي يحمل كروموسوم (X) أو الآخر الذي يحمل كروموسوم (Y)، وبالمقابل أيضاً يرث الذكر أيضاً عوامل وراثية من أمه وأبيه لترجح نسب أعداد الحيوانات المنوية التي تحمل كروموسوم (X) إلى تلك التي تحمل كروموسوم (Y) وبذلك ترجّح أي نوع من الحيوانات المنوية سيكون له الحظ الأوفر في تلقيح البويضة. وللمزيد حول هذه النقطة راجع بالإضافة لكتاب سايكس بحوث كل من (Beukeboom and Werren 1998) و(Jaenike 2001).

تأثير توزيع العوامل الوراثية سواء في المجتمع البحريني أو في أي مجتمع آخر تتوزع العوامل الوراثية التي تؤدي لتغير نسب جنس المولود بصورة عشوائية وبذلك تكون هناك أنماط مختلفة من العائلات في المجتمع الواحد فتوجد عائلات لا توجد بها عوامل وراثية تؤثر على نسب إنجاب الذكور والإناث وبذلك تكون احتمالية إنجاب ذكر أو أنثى تقريباً متساوية إلا أنها تميل بعض الشيء للذكر، وعائلات أخرى تنجب بنات أكثر من البنين وأخرى تنجب أبناء أكثر من البنات. بالإضافة لهذه المجموعات الرئيسية توجد مجموعات فرعية تندرج تحت كل مجموعة رئيسية.

إن حقيقة وجود عائلات أو بالتحديد نساء تنجب البنات بصورة كبيرة في مجتمع تسود فيه ثقافة حب إنجاب الذكور لا بد أن يترتب عليه العديد من المشكلات الاجتماعية، ولابد لهذه المشكلات الاجتماعية أن تلقي بظلالها على الثقافة الشعبية في أي مجتمع، وسنتناول في الفصول المقبلة تأثير ثقافة حب إنجاب الذكور على الثقافة الشعبية وخاصة الأمثال والأهازيج، وقد سبق لنا وتناولنا في فصول سابقة بصورة مختصرة أهم المشكلات الاجتماعية التي ترتبت على ثقافة حب إنجاب الذكور

العدد 3250 - الأحد 31 يوليو 2011م الموافق 29 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً