العدد 3265 - الإثنين 15 أغسطس 2011م الموافق 15 رمضان 1432هـ

المفصولون... قصص مختلفة بحبر داكن

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

في كل عام في مثل هذه المناسبة الدينية العظيمة التي نعيش أجواءها هذه الأيام، تتزايد مناشدات المواطنين البسطاء لصرف الرواتب مبكراً من أجل مواجهة متطلبات الشهر الكريم وتوفير مستلزمات العيد والاستعداد لعودة الأبناء للمدارس.

ولا تخلو هذه المناشدات من أمنيات بتحسين مستوى المعيشة ورفع الرواتب على أمل التغلب على الظروف القاهرة التي تفرضها الحياة بمتطلباتها الكثيرة في موازاة ارتفاع الأسعار الذي لا يهدأ.

هذا العام تمُرُّ علينا المناسبة ذاتها، والكثير من الأسر المتعففة بلا مصدر دخل بعد فصل عائلها الوحيد من عمله في القطاعين العام والخاص، والتحديات ذاتها تترقبها بعد أيام، وتتساءل عن الهدف من التوجه لتجفيف منابعها وحرمانها من حقها الذي كفله لها دستور البحرين بالعيش الكريم بما يكفل لها العزة والكرامة.

لم يكن الرزق يوماً في يد البشر بل هو تدبير الخالق العظيم جلّت قدرته، وهذه حقيقة يؤمن بها كل مفصول وكل محروم من حقه في طلب الرزق، وإلا لما كان للنملة العمياء في جوف الصخر أن تحصل على رزقها، ولما وجد الطير فتات خبز يتغذى عليه، ولكان مصير المخلوقات الضعيفة آل إلى الانقراض من على وجه الأرض.

هذا الشهر الفضيل بكل ما يحمله من معانٍ سامية وتربية فاضلة على الخلق القويم والسلوك السليم، جاء رحمة للناس في هذا الوطن الذي كان قبل فترة وجيزة يشهد غلياناً وتوتراً وتصاعداً في الخطاب والتشكيك والتخوين، فباتت المجالس الرمضانية ملتقىً لكل الناس من مختلف الطوائف والانتماءات والمِلل، الفقير يُقبل على الغني، والغني يهبُّ للترحيب بالفقير، السني يجلس على مائدة الشيعي، والشيعي يَقبل دعوة السني، المسيحي يحترم المسلم وخصوصية عبادته، والمسلم يزور المسيحي في كنيسته.

هكذا هي البحرين منذ الأزل، قائمة على التراحم والود والألفة والانسجام بين جميع مكونات شعبها، لا انفصام ولا انفصال ولا قطيعة بينهم، وهكذا ستبقى إلى أن يشاء الله، كلما عصفت بها النوائب أثبتت أنها أقوى وأطول نفساً وتحمُّلاً للشدائد بقدرة ساكنيها وسعة صدرهم ورباطة جأشهم.

وما يجري حالياً من إجراءات فصل وتسريح وتوقيف عن العمل على خلفية الأحداث الأخيرة مطلع العام الجاري، لا يمكن أن ينال من كل هذه المعاني الجميلة، ولكن قطعاً يؤثر على أجواء المصالحة التي جاءت بعد أن كانت البحرين على وشك الدخول في صراع طائفي.

هذه العملية تعيد البلد إلى الوراء ولا تؤدي إلى نتيجة إيجابية واضحة، وهذه الحقيقة بات يدركها رئيس لجنة التحقيق في الأحداث التي شهدتها البحرين محمود شريف بسيوني، والذي أكد أن عاهل البلاد وافق على إعادة جميع المفصولين إلى أعمالهم، إذ لا يمكن قطع أرزاق الناس لتعبيرهم عن رأيهم.

الأسباب التي تم الاستناد إليها لفصل الموظفين في القطاع العام شفافة ومبهمة في الوقت ذاته، فأغلب من فُصلوا اتهموا بـ «تنظيم التجمعات والاعتصامات غير المرخصة أو الدعوة إلى الاشتراك أو التحريض على ذلك»، على رغم أن بعضهم أوقفوا وحُقق معهم بسبب نشاطهم في شبكات التواصل الاجتماعية وتعبيرهم عن رأيهم فيها بعيداً عن التحريض على النظام أو الدعوة إلى أفعال تخل بالأمن وبالنظام، ولم يشاركوا في أية تجمعات أو مسيرات أو اعتصامات، وفُصلوا من عملهم بالتهمة المذكورة التي لا تمُتُّ إلى الواقع بصلة.

وآخرون تمَّتْ مساءلتهم عن طبيعة أعمالهم في الفترة المسائية، على رغم وجود موافقات من مسئوليهم على مزاولتهم نشاطاً خارج الدوام الرسمي في القطاع الخاص، وطُلب منهم توفير موافقة خطية مكتوبة تثبت هذه الموافقات، فيما قانون الخدمة المدنية يلزم الموظف بإخطار جهة العمل شفوياً أو كتابياً بأية وظيفة خارج وقت العمل الرسمي، ولم يشترط الحصول على الموافقة.

هناك موظفون في القطاع العام شاركوا في مسيرات واعتصامات ولم يرفعوا شعارات سياسية بل علم البحرين وفُصلوا من عملهم، وآخرون فعلوا الأمر ذاته وأوقفوا لمدة عشرة أيام خُصمت من رواتبهم ومن ثم تم إرجاعهم إلى العمل؛ ما يبرهن على عدم وجود معايير واضحة يتم على أساسها تحديد العقوبة ومستواها في مقابل الفعل المرتكب.

ديوان الخدمة المدنية نفى في أواخر أبريل/ نيسان 2011 فصل أيِّ موظف من الوزارات والمؤسسات الحكومية، وبعد أن خرج الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين بنسخ من رسائل التسريح، أكد الديوان أن الفصل لا يتم إلا بعد التحقيق مع الموظف من قبل اللجان وتشكيل مجلس تأديبي يراعي التدرج في العقوبة استناداً إلى حجم المخالفة المرتكبة من قبل الموظف، وهذا ما لم تتم مراعاته إطلاقاً مع أغلب حالات التسريح التي تمَّتْ في وزارات الدولة ومؤسساتها والشركات شبه الحكومية التي تمتلكها كلياً أو جزئياً.

أكثر ما يُحسب لدولة المؤسسات والقانون التي تمثل الديمقراطية منهاجاً لها، هو تكريس العدالة والمساواة بين الجميع، ومن أسمى صور العدالة إرجاع المئات من المفصولين لأسباب ليس لها علاقة بإخلالهم بواجبات وظيفتهم إلى أعمالهم أعزاء في بلدهم وليسوا غرباء فيه ولا محتاجين أو معوزين

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3265 - الإثنين 15 أغسطس 2011م الموافق 15 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 21 | 5:42 م

      سلمت يمناك

      كل كلمات الدنيا تقف عاجزة عند أناملك الرائعة التي تعكس الانسانية التي بداخلك فها انت تحلق في سماء الادب والنبل فلابد للظلام أن ينجلي ولابد للنور أن يصدع وما دام الواحد القهار موجود......

    • زائر 20 | 3:44 م

      أفتخر لقالو اني ستراوية

      صح لسانك يا كاتبنا المميز كفوو عليك والله..... أخووي الزائر رقم 4 , أحسنت الله يكون بعوونكم ويساعدكم ويرجعكم لاشغالكم يا رب .... ما عليه يا خووي في البحرين كل شي يصير توقع الغير متوقع . حتى الواحد المريض وعنده عذر بعد يفصلونه وش تقول ..... تحية لك يا كاتب أحمد الصفار

    • زائر 18 | 8:43 ص

      دعوة الى الانسانية

      دعوة الى الانسانية من خلال الاحساس بالاخرين وخصوص في الشهر الكريم الذي فرضه على كل مسلم ليحس بصيامه حاجة أخيه في ظرفه العصيب ولكن فاقد الشي لا يعيطيه!!!

    • زائر 17 | 6:56 ص

      شكرا لكم

      سلمت يداك مقال رائع يبين معاناة هذه الفئة جعله الله في ميزان حسناتك بحق هذا الشهر الكريم

    • زائر 16 | 6:19 ص

      ما ضاع حق وراءه مطالب

      نعم فصلنا تعسفيا و ظلمنا
      سنطالب بحقنا حتى نحصل علية
      و لا ننسى من ظلمنا

    • زائر 13 | 4:24 ص

      رائع

      تسلم أناملك يا أستاذ أحمد على هذا المقال وانشاء الله في ميزان حسناتك ( انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً ) فالحق ما ينزعل منه هذا هو الواقع الذي ذكرته في مقالك ..

    • زائر 12 | 4:13 ص

      الاستاذ بسيوني.. قطع الارزاق من الانتهاكات لحقوق الانسان

      اريد الجواب يا لجنة تقصي الحقائق

    • زائر 9 | 4:02 ص

      يارب

      عزيزي ابو محمد ... مقال فوق مستوى الروعة ... ياربي مابين غمضة عين واخرى تتحقق امانينا في رجوع المفصولين ...

    • زائر 7 | 2:41 ص

      أحسنت

      نشكر للجميع اهتمامهم بنا نحن المفصولين من أعمالنا.
      هذا الفصل ليس قانونياً بشهادة وزير العمل والمهتمين بالشأن البحريني. معاناتنا تختلف من مفصول الى آخر ولكن ثباتنا على أحقية الرجوع واحد. سنرجع وان طال الزمان. سنرجع بالقانون، سنرجع بالتضامن، سنرجع بالتواصل، سنرجع بوقفة صادقة من هذا الشعب الكريم سنته وشيعته وجميع طوائفه، سنرجع لأن الحق معنا وما ضاع حق وراءه مطالب.
      سنظل نطالب حتى الرجوع بعزة وكرامة.

    • زائر 4 | 12:41 ص

      قربة مقطوعة

      للأسف تنفخ في قربة مقطوعة

    • زائر 3 | 11:48 م

      الحمد لله رب العالمين

      هو الله الذي له الأسماء الحسنى التي ندعوه بها وهي أسماء مدح وثناء وتمجيد وصفات كمال لله ومن هذه الأسماء الرزاق فهو من يقدر الرزق لجميع مخلوقاتة (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا) .. فلا أصدق كيف لبشر يفكر أن يحارب الله ويقطع رواتب العاملين لسبب قيامهم بنشاط سياسي لا يروق له ويعد بتجويع وترويع ووو ما ألى ذلك من تهديد ..

    • زائر 1 | 9:16 م

      الجنازه

      اذا" ما تقول في واحد حظر جنازه وفصلوه

اقرأ ايضاً