العدد 328 - الأربعاء 30 يوليو 2003م الموافق 01 جمادى الآخرة 1424هـ

علموا أطفالكم المشاركة الوجدانية

منيرة العليوات comments [at] alwasatnews.com

من المهم جدا أن ينشئ الآباء جيلا سخيا كريما بعيدا عن الأنانية بتعويدهم على حب المشاركة وتعليمهم كيف يمارسون أفعال الخير بنفس راضية وإحساس نبيل نابع من أعماقهم من دون حاجة إلى التفاخر بما يملكون أو بدافع في حب الظهور ورغبة منهم في أن يكونوا شخصيات بارزة بين الناس... ويستطيع الأب تربية طفل يحمل صفات السخاء ومشاركة الغير بفاعلية إذا مارس توجيها حازما لطفله باستعمال مزيج من الكرم والحنان والتفكير المنطقي فيندفع الطفل إلى مشاركة غيره ويكون ذا نفع ومبادرة بعد أن اعتاد السخاء واحترام الذات، فإذا شعر المرء بالرضا عن نفسه فإن الاهتمام بالغير ومساعدتهم ومساندتهم تعقب ذلك على نحو طبيعي. والطفل الذي تتاح له تربية تخوله أن يصبح بالغا ذا شعور قوي بكرامته وجدارته وكفاءته لابد أن يبسط مشاعره كي تعانق من حوله.

وهنا أوجه ندائي إليك أيتها الأم الفاضلة: إن الكرم لا يأتي بالسليقة، إنه ينمو مع الثقة بالنفس والشعور بالأمان والبذل بسخاء يساهم في التآلف الاجتماعي والسعادة الفردية، فلا يكفي أن تكوني سيدة فاعلة في المجتمع تشاركين الغير وتساهمين بفاعلية في أعمال البر والإحسان وطفلك شره أناني عدواني، إنه يلغي بهذه الصفات البغيضة ما تقومين به من أعمال. فما عليك إلا تعويده على خصالك السمحة ليكون صورة بارزة حية لأم مشاركة، ولكن إياك أن تكرهي طفلك على المشاركة في ممتلكات يشعر نحوها بتعلق شديد أو تتبعي سياسة التنديد والتشنيع بالأطفال الذين يرفضون المساهمة ومقارنتهم بآخرين امتازوا بالسخاء. ثم إن عقاب الطفل بقسوة لمجرد رفضه المشاركة غير مجد بل ابعديه عن الغير ودعيه يفكر بينه وبين نفسه ليعود بعد قليل بلباقة وهدوء مندفعا عن طيب نفس ليحقق رغبتك.

وهناك الكثير من الأساليب البناءة كأن تعلميه فن المفاوضة، مثال ذلك إذا رفض طفلك السماح لأخيه باستخدام دراجته اطلبي من أخيه أن يسأله بلطف عما إذا كان يسمح له بالركوب دورا إذا انتهى من لعبته... إن هذه المفاوضات البسيطة تفعل الأعاجيب في عالم الطفولة الندية البريئة وسيدرك طفلك بأن أحدا من الأطفال لن يتكيف معه مادام بهذه الفضاضة والبخل. وبإمكان الأم تدريب طفلها على تفهم مشاعر الآخرين ومعاناتهم منذ الطفولة والإحساس القوي بالجياع والمحتاجين، مثال ذلك عند خروجه في الصباح إلى المدرسة حاولي أن تعطيه في البداية ما يفيض عن حاجته من الطعام واطلبي منه دعوة صديقه فلان لمشاركته في الوجبة وفلان هذا يتيم ومحتاج، فإذا تعود طفلك على مشاركته حاولي تقليل كمية الطعام فستجدين طفلك مازال يدعو صديقه بكل كرم وسخاء ومحبة لمقاسمته وجبته من دون حاجة إلى توجيه إنما بأفعال تلقائية تنبع من الطفل نفسه، ولن يطلب منك إضافة أكثر إلى وجبته فقد أصبح دافعه الإنساني أكبر من المشاركة. لقد تعود أن يقتسم اللقمة مع الصديق.

ثم إن مشاهدة الطفل بعض البرامج التلفزيونية المحاكية للضمير الإنساني بما تفرضه من مشاهد مأسوية للجياع في إفريقيا وغيرها ولضحايا الحروب وما يتعرضون له من تنكيل وتجويع في فلسطين وغيرها تحرك في داخله الإحساس ببؤسهم وحاجتهم إلى من يمد إليهم يد العون... فيصبح مستعدا للمشاركة في الأنشطة المدرسية الداعية إلى التبرع والمساهمة في مساندة هؤلاء الفقراء، وأنت بدورك تشجعيه على الاشتراك في حملات التبرع، علميه كيف يكسب المال الحلال بأن تعملي له طبقا من الحلوى يقوم ببيعه لصالح المحتاجين، خدمات صغيرة يتمتع من خلالها بالكسب والعطاء ويستكشف أن البذل يمنحه شعورا بالرضا والسعادة.

ولا يقتصر تعليم الطفل على حب المشاركة في العطاء المادي، بل ان هناك من يحتاج إلى العطاء المعنوي إذا أتقن الطفل ممارسته عن طيب نفس وبدافع إنساني يشعره بواجباته تجاه من يحتاجون إليه معنويا، كأنْ يشارك صديقه وجاره المريض في معاناته بزيارته وتقديم بعض الخدمات فينقل إليه بعض الدروس أو يخبره بالواجبات ويذكره بمواعيد الامتحانات، إلخ... وألا يفر من صاحبه الحزين إذا رفض اللعب معه، لمشكلة طرأت بين أفراد أسرته جعلته رافضا اللعب لوقت قصير. علميه كيف يقف معه حتى يجتاز معاناته وتعود إلى نفسه الصحة والعافية.

إن هذه المشاركة الوجدانية النابعة من أعماق الطفولة البريئة قد أعطت نتاج ما كسبته من قيم وأخلاق وسلوكيات من الوالدين، فإذا غرست هذه المفاهيم في ذات الطفل نشأ عليها، وإن أُهملت تعلّم ضدها من معايشته الآخرين، وبعدها لا يمكن إصلاح ما فسد لأن أوان الغرس فات، ومن شبّ على شيء شاب عليه

العدد 328 - الأربعاء 30 يوليو 2003م الموافق 01 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً